آخر الأخبار

داخل خيمة بالية بغزة.. هكذا يواجه مستشار قانوني الحصار والتجويع

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

غزة- "كأنني كبرت 100 عام خلال هذه الحرب المجنونة"، هكذا يقول المستشار القانوني والمتخصص في القانون الدولي غانم العطار (70 عاما) الذي دمرت قوات الاحتلال منزله ومكتبه في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة ، ويعيش مأساة النزوح منذ 22 شهرا.

في خيمة متهالكة تلاطم الرياح قماشها البالي بمنطقة المواصي غرب مدينة خان يونس جنوب القطاع، يواجه العطار مع عائلته من أبناء وأحفاد (23 فردا) ظروف حياة بائسة تفتقر إلى أدنى المقومات الأساسية، وحالا صار فيه "الحصول على لقمة خبز أو شربة ماء مهمة معقدة وشبه مستحيلة" كما يقول العطار للجزيرة نت.

ويقيم العطار بهذه الخيمة بعد رحلة نزوح مريرة برفقة عائلته الكبيرة، بدأت مع الأيام الأولى لاندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع بعد 7 أكتوبر /تشرين الأول 2023، وتنقلوا خلالها من مكان إلى آخر، حتى محطتهم الحالية التي يصنفها كأصعب فترات الحرب وأكثرها قسوة، نتيجة التجويع والتعطيش.

مكابدة يومية

وكتب لهذه العائلة النجاة من أخطار كثيرة، ترك أحدها أثرا لا يزال العطار يتحسس ألمه، عندما فقد إحدى بناته في مجزرة ارتكبتها إسرائيل تعرف بـ"مجزرة البركسات" شمال غربي مدينة رفح جنوب القطاع في مايو/أيار 2024.

يرعى العطار أيتاما من أحفاده مع أسرته، ويكابد لتوفير الطعام والشراب لهم، في ظل حصار مشدد وإغلاق المعابر ومنع الاحتلال إدخال الإمدادات الإنسانية لزهاء مليونين و300 ألف نسمة في قطاع غزة منذ 2 مارس/آذار الماضي.

"إنه قتل بالتجويع والتعطيش، وهو سلاح أكثر فتكا من الصواريخ والقنابل"، كما يقول العطار الذي يبدأ يومه الشاق مبكرا، يجوب الشوارع وأنحاء المنطقة الأكثر اكتظاظا في القطاع بحثا عن الماء والغذاء.

مصدر الصورة العطار يملأ غالونات بالمياه ويعدّ ذلك جانبا من مهمته اليومية (الجزيرة)

وكالنار في الهشيم انتشر للعطار قبل أيام مقطع فيديو تداولته منصات التواصل الاجتماعي وقنوات إخبارية، يظهر فيه وقد اكتسى رأسه ولحيته بالشعر الأبيض، مرتديا ملابس رثة، ويهرول في الشارع وبيديه غالونات بلاستيكية، للحاق بشاحنة لتوزيع مياه الشرب على النازحين.

إعلان

ويشكو الغزيون من أزمة حادة بتوفير المياه العذبة للشرب، ويقدر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) أن 96% من الأسر في غزة تواجه انعدام الأمن المائي، وأن 90% من السكان غير قادرين على الوصول إلى مياه الشرب، ويقول "أوتشا" في أحدث تقاريره إن شبح التجويع بات يخيم على جميع سكان غزة.

ويقول العطار إن "العالم يكتفي بإصدار البيانات والتقارير بينما الموت يفتك بنا على مدار الساعة"، ويضيف بصفته متخصصا بالقانون بالدولي أن "القانون الدولي و اتفاقيات جنيف ومواثيق حقوق الإنسان تتحول إلى حبر على ورق عندما يتعلق الأمر بجرائم إسرائيل".

شهداء المساعدات

وبينما تُجابه ما يصفها العطار بـ"مراكز توزيع الموت" التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية برفض دولي واسع، فإن دولة الاحتلال لا تأبه بكل ذلك، وتواصل قتل المجوّعين من طالبي المساعدات، محمية بدعم أميركي غير محدود.

وبدافع العجز والحاجة وقلة الحيلة يخرج الأب حاملا كيسا فارغا ومغامرا بحياته ليعود بما يسد به رمق أسرته وأطفاله، فيرجع إليهم جثة هامدة في كيسه؛ هكذا يتحدث العطار بألم شديد عن حكايات دامية يومية على أعتاب هذه المراكز.

ومنذ افتتاح هذه المراكز، بدعم إسرائيلي أميركي، في 27 مايو/أيار الماضي استشهد أكثر من 1500 فلسطيني، وأصيب أكثر من 10 آلاف آخرين، بنيران الجيش الإسرائيلي والمتعاقدين الأجانب مع المؤسسة المسؤولة، وفق بيانات لهيئات محلية ودولية.

وترفض الأمم المتحدة الخطة الإسرائيلية وترى أنها تفرض مزيدا من النزوح، وتعرّض آلاف الأشخاص للأذى، وتَقْصر المساعدات على جزء واحد فقط من غزة ولا تلبي الاحتياجات الماسة الأخرى، وتجعل المساعدات مقترنة بأهداف سياسية وعسكرية، كما تجعل التجويع ورقة مساومة.

مصدر الصورة تداعيات الحرب والحصار فرضت ظروف حياة قاسية على المستشار القانوني (الجزيرة)

رغم حياة البؤس

وبينما كان يجلس مقابل موقد النار ويقلي البطاطا لتكون وجبة غداء لأسرته، أشار العطار إلى ملابسه المهترئة قائلا "في مثل هذا الوقت قبل اندلاع هذه الحرب كنت أرتدي البدلة الرسمية ومعطف المحاماة وأترافع في المحاكم دفاعا عن المظلومين".

وهو لا يشعر بالخجل من مساعدة أسرته لتحمُّل الأعباء اليومية، لكنه لا يخفي اشتياقه إلى حياته السابقة قبل اندلاع الحرب التي دمرت قطاع القضاء كليا وأخرجته عن الخدمة، ويقول "راح (انتهى) كل شيء في غزة، بيوتنا ومكاتبنا ومحاكمنا ومدارسنا".

والعطار أسير محرر قضى 30 شهرا في سجون الاحتلال منذ بداية شبابه، وعايش كل الحروب الإسرائيلية على غزة، ورغم الظروف القاسية التي يحياها والتي أثرت على ملامحه ومظهره فإنها لم تنل من عزيمته وصموده.

وبلغة الواثق، يقول مشيرا بيده إلى خيمته: "خيمة على أرضي في غزة أفضل من كل العالم، وهذه الحرب ستتوقف وسنعيد بناء حياتنا هنا، وستسقط مؤامرات التهجير".

مصدر الصورة المستشار القانوني غانم العطار يعيش حياة قاسية نازحا بعيدا عن بلدته وعمله (الجزيرة)

القتل بالتجويع

من جانبه، يقول المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي الدكتور إسماعيل الثوابتة، للجزيرة نت، إن الاحتلال يدير حرب إبادة ممنهجة باستخدام أدوات القتل بالنار، إضافة إلى "القتل البطيء بالتجويع والتعطيش".

إعلان

ودمر الاحتلال -حسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي- ومنذ اندلاع الحرب 722 بئر مياه مركزية وأخرجها من الخدمة، واستهدف 113 مشروع مياه عذبة، إضافة إلى تدميره أكثر من 500 ألف متر طولي من شبكات المياه.

وأكد الثوابتة أن كل سكان غزة يقعون حاليا في قلب الكارثة من حيث التجويع والتعطيش، وهي مرحلة خطيرة وغير مسبوقة في التاريخ الحديث، وأسر كثيرة لا تستطيع الحصول على وجبة طعام واحدة لعدة أيام متتالية، فضلا عن مشاق الوصول إلى المياه.

ونتيجة ضغوط دولية، يسمح الاحتلال منذ 27 يوليو/تموز الماضي بإدخال أعداد محدودة من شاحنات المساعدات، يقول الثوابتة إنها "لا تفي بالاحتياجات الهائلة للسكان الذين يريديون 600 شاحنة يوميا من المواد الغذائية المختلفة والوقود".

مصدر الصورة الثوابتة يحمّل الدول المنخرطة في توزيع المساعدات "الفوضوي" مسؤولية تفاقم الكارثة الإنسانية (الأوروبية)

ويتهم المسؤول الحكومي الاحتلال بانتهاج سياسة تقوم على "هندسة التجويع والفوضى" في مسعى منه "لكسر صمود شعبنا وتفكيك نسيجه المجتمعي"، وذلك بالسماح لكميات قليلة من المساعدات بالدخول، وإجباره الشاحنات على المرور من مسارات غير آمنة ومكتظة بالمدنيين المجوعين الذين يدفعهم الجوع إلى الهجوم على هذه الشاحنات والاستيلاء على محتوياتها، الأمر الذي يتسبب في إزهاق الأرواح.

ويُحمِّل الثوابتة الاحتلال ومن يصفها "بالدول المنخرطة في منظومة توزيع المساعدات الفوضوية"، وعلى رأسها الولايات المتحدة ، المسؤولية الكاملة عن تفاقم الكارثة الإنسانية.

وطالب العالم بالضغط لوقف جرائم الاحتلال بالقتل والتجويع والتعطيش، وفتح المعابر والسماح بتدفق الإمدادات الإنسانية من غذاء ودواء ووقود من دون معوقات أو اشتراطات سياسية، وأي مماطلة في ذلك يعتبرها المسؤول الحكومي "تورطا بشكل أو بآخر مع الاحتلال بجرائم الإبادة والتجويع".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا