آخر الأخبار

إعلام تونس.. عندما تغيب القضايا الوطنية وتحضر برامج بيع الأواني

شارك

تونس- بعد مرور نحو 4 سنوات على إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد إجراءاته الاستثنائية يوم 25 يوليو/تموز 2021، يعيش المشهد الإعلامي في تونس أزمة خانقة تتجاوز حدود ملاحقة الصحفيين واحتجازهم، لتشمل جوهر المحتوى الإعلامي نفسه، الذي انحسر بشكل ملحوظ في برامج سطحية وهزيلة، غابت عنها المعارضة ومواضيع النقاش الجاد.

ويؤكد مراقبون أن المشهد الإعلامي يشهد "تصحرا" حقيقيا في المحتوى، وهيمنة شبه كاملة للبرامج التلفزيونية التي تحولت إلى منصات لبيع الأدوات المنزلية وآلات الطبخ وغيرها، محتلة ما يفوق نصف ساعات البث اليومي.

ويضيف المراقبون أن هذا النمط من البرامج، الذي يركز على الإثارة والتفاهة، جاء على حساب القضايا الوطنية الجوهرية، وهو ما انعكس سلبا على جودة العمل الصحفي والإعلامي في البلاد.

وطالما نفى الرئيس سعيد -في لقاءات سابقة مع عدد من الوزراء- تقييد حرية الصحافة، مؤكدا أن حرية التعبير مضمونة وأنه لا تراجع عنها، وذلك ردا على الانتقادات الموجهة له بسبب اعتقال عدد من الأشخاص، من بينهم صحفيون ومعلقون في برامج تلفزيونية وإذاعية بموجب المرسوم عدد 54.

ويؤكد أنصار سعيد أن حرية التعبير مضمونة في البلاد وأن عديدا من أصحاب الأقلام المعارضة للرئيس ينشرون مقالات ناقدة للرئيس من دون أن تتم ملاحقتهم، مؤكدين أن توقيف عدد من الأشخاص -من بينهم صحفيون- بموجب المرسوم عدد 54 أو المجلة الجزائية يأتي نتيجة ارتكابهم جرائم تشويه وجرائم مالية.

مصدر الصورة قيس سعيد أصدر عددا من القوانين الاستثنائية بمقتضاها حلت الحكومة وعلق عمل البرلمان (رويترز)

خطوط حمراء

ويرى الصحفي زياد الهاني أن هذا "التصحر الإعلامي" ليس معزولا عن الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيد، والتي شكلت -وفق قوله- بداية لمرحلة استبدادية حدت من الحقوق والحريات، وعلى رأسها حرية التعبير.

إعلان

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح الهاني أن "الانقلاب على الدستور مهد الطريق نحو نظام يقيد حق النفاذ إلى المعلومة، ويكبل الحريات الصحفية"، مضيفا أن "ملاحقة الصحفيين بالقوانين الزجرية وغياب استقلالية القضاء خلقت مناخا من الخوف والرقابة الذاتية، مما جعل الممارسة الصحفية محفوفة بالمخاطر".

ويشير الصحفي إلى أن تغييب المعارضة، وإغلاق المجال أمام النقد والنقاش السياسي، أفرغا الإعلام من مضمونه المهني، وأخضعاه لخطوط حمراء تفرضها السلطة.

ويضيف أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس أثرت بدورها على تمويل المؤسسات الإعلامية، مما دفع عددا من القنوات إلى اعتماد برامج تجارية سهلة لجذب المعلنين، حتى وإن كان ذلك على حساب المضمون الإعلامي.

ويجمع مراقبون على أن الأزمة الاقتصادية الخانقة دفعت وسائل إعلام عدة إلى البحث عن مصادر بديلة للدخل، فاختارت تقديم محتوى تسويقي وإعلاني، يسهل جلب التمويل ويحقق نسب مشاهدة عالية، لكنه يفتقر إلى القيمة الصحفية.

ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، صدرت عدة مراسيم رئاسية أثارت جدلا واسعا، أبرزها المرسوم عدد 54، الذي اعتبره صحفيون وحقوقيون "سيفا مسلطا" على حرية التعبير. وقد دانت منظمات حقوقية دولية هذه الخطوات، في حين سجلت البلاد توقيف عدد من الصحفيين والنشطاء البارزين، من بينهم مراد الزغيدي وشذى الحاج مبارك، في قضايا عدها كثيرون متصلة بالتضييق على حرية الرأي والتعبير.

مصدر الصورة صحفية تونسية تحمل لافتة تطالب بعدم التضييق على الصحفيين (الجزيرة)

واقع الإعلام

في السياق ذاته، يرى الصحفي عبد السلام الزبيدي أن الإعلام التونسي لا يمكن فصله عن الإطار السياسي العام. ويقول الزبيدي للجزيرة نت إن "الإعلام صناعة، لكنه في الأصل جزء لا يتجزأ من السياق السياسي"، مضيفا أن طبيعة الواقع الإعلامي اليوم تعكس تماما الوضع الذي أعقب إجراءات 25 يوليو/تموز.

ويضيف الزبيدي "من يعرف الرئيس قيس سعيد يدرك أنه لا يؤمن بالوسائط، وفي مقدمتها المؤسسات الإعلامية". ويشير إلى أن الإعلام الذي نشأ بعد الثورة عام 2011، وجد نفسه في واقع لا يعترف به رأس السلطة، في حين انخرط جزء منه -نكاية في النظام السابق- في دعم منظومة جديدة لا تؤمن بالديمقراطية ولا بحرية التعبير.

ويقر الزبيدي بأن الإعلام قبل إجراءات سعيد لم يكن مثاليا، وكان يعاني الفساد وغياب المهنية في بعض مكوناته، لكنه كان يتمتع بهامش من الحرية. أما اليوم، فهو يعيش حالة من الخنق التام وغياب شبه كلي للمساحات الحرة.

ويقسم الزبيدي واقع الإعلام في تونس إلى 3 مسارات:


* الأول: إعلام يدور في فلك السلطة، ويتبنى خطابها ويشمل الإعلام العمومي وبعض المنصات الخاصة التي تحولت إلى أبواق دعاية.
* الثاني: إعلام مقاوم يسعى للحفاظ على الحد الأدنى من الحرية عبر صحافة التحقيق والاستقصاء.
* الثالث: إعلام آيل إلى الزوال، يعاني من أزمات تمويل مزمنة، ويعيش على الفتات الإعلاني وبرامج تسويقية مثل "بيع الأواني".

انحدار مستمر

وتؤكد تقارير محلية ودولية تواصل التراجع في مؤشرات حرية التعبير في تونس خلال السنوات الأخيرة. فقد كشفت منظمة "مراسلون بلا حدود" عن تراجع تونس 11 مركزا في مؤشر حرية الصحافة لعام 2025، مشيرة إلى تصاعد الخطاب العدائي تجاه الصحفيين، وتكرار الملاحقات القضائية بحقهم، مما أدى إلى تضييق مساحات النقاش الحر، وتنامي الرقابة الذاتية داخل غرف الأخبار.

إعلان

وفي مناسبات سابقة، نظم الصحفيون في تونس احتجاجات ووقفات احتجاجية للمطالبة بوقف الملاحقات والاعتقالات التعسفية، مؤكدين أن الدفاع عن حرية الصحافة لا يندرج فقط ضمن المطالب المهنية، بل هو أحد أعمدة النظام الديمقراطي، وشرط أساسي لتحقيق العدالة و الشفافية في إدارة الشأن العام.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا