دمشق- قالت مصادر مطلعة للجزيرة نت، إن قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي وصل إلى العاصمة السورية دمشق على رأس وفد سياسي، في زيارة تهدف إلى مناقشة خطوات تنفيذ اتفاق المبادئ الموقع في مارس/آذار الماضي مع الرئيس السوري أحمد الشرع ، في ظل رعاية أميركية.
وأضافت المصادر، أن هذه الزيارة قد تكون الفرصة الأخيرة لحل العديد من الملفات الشائكة التي تأجَّل تنفيذها بين الجانبين، مشيرة إلى أن "قسد" تتعرض لضغوطات إقليمية ودولية لا سيما من الجانب الأميركي للتخلي عن شروطها بشأن اللامركزية والمحافظة على استقلال كيانها العسكري.
وفي 10مارس/آذار الماضي، وقّع الرئيس الشرع وعبدي اتفاقاً في دمشق وصف حينها بأنه تاريخي، حيث نص على وقف شامل لإطلاق النار ودمج مؤسسات "قسد" المدنية والعسكرية ضمن الدولة السورية، بما فيها المعابر والمطارات وحقول النفط.
وأكد الاتفاق ضمان حقوق جميع السوريين في المشاركة السياسية دون تمييز، والاعتراف ب المجتمع الكردي كمكوّن أصيل في البلاد.
كما تعهد الطرفان بتأمين عودة المهجّرين، ومحاربة فلول نظام بشار الأسد ، ورفض أي محاولات للتقسيم أو بث الفتنة، على أن يُنفذ الاتفاق بالكامل قبل نهاية العام الحالي.
ورأى الأكاديمي والمحلل السياسي الكردي فريد سعدون، أن إعلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا ، عبد الله أوجلان ، أخيراً عن نهاية الكفاح المسلح والتحول إلى السياسة والديمقراطية، سيكون له أثر كبير وتداعيات على موقف "قسد" في سوريا.
وقال سعدون للجزيرة نت، إن النداء الذي أطلقه أوجلان، سينطبق حكماً على "قسد" التي تشكل عمادها الوحدات الكردية شمال شرقي سوريا.
ورجَّح انفراج الأمور والمشاكل العالقة بين "قسد" و الحكومة السورية في دمشق، تزامناً مع زيارة مظلوم عبدي والوفد المرافق، بالتوصل إلى حل سلمي بعيداً عن الصدام العسكري.
وكان أوجلان، قد أعلن اليوم الأربعاء، في تسجيل مصور من داخل سجنه، أن "الكفاح المسلح ضد الدولة التركية انتهى"، مؤكدا ضرورة الانتقال الكامل للعمل السياسي، ومن المرجح أن يكون هناك انعكاسات للقرار على القوى والأحزاب الكردية في سوريا.
لكن الباحث في مركز "جسور للدراسات" رشيد حوراني، رأى أن زيارة مظلوم عبدي إلى دمشق، تأتي في سياق الرعاية الأميركية المستمرة لمسار التفاوض بين "قسد" والحكومة السورية، والتي تشارك فيها تركيا أحياناً.
وأوضح حوراني للجزيرة نت، أن تكرار مثل هذه اللقاءات يؤكد عدم قبول دمشق بمطالب "قسد" المتعلقة باللامركزية والانفصال، وتمسكها برؤية "سوريا الواحدة الموحّدة" التي أكد عليها الرئيس الشرع في أكثر من مناسبة.
وأضاف "هذه الزيارة تعكس أيضاً إصرار جميع الأطراف على التوصل إلى حلول سياسية دون اللجوء للمواجهة العسكرية، وهو ما يُفسر غياب التصعيد أو التلويح بالعمل العسكري من جانب كل من تركيا والحكومة السورية، مقابل ضغوط دولية وإقليمية متزايدة على (قسد) للتنازل عن شروطها".
وأشار حوراني إلى وجود مؤشرات عديدة على تقلص خيارات "قسد"، منها تخفيض الوجود العسكري الأميركي في سوريا، وتوجه واشنطن نحو تسليم الحكومة السورية ملف تأمين مخيمات مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إضافة إلى تقليص الدعم العسكري المقدم لـ"قسد".
وعن شكل الحل الممكن، توقع الباحث، أن تتجه الأمور نحو اعتماد "اللامركزية الموسعة" في إدارة المدن التي كانت تخضع لسيطرة "قسد"، مشيراً إلى أن الحكومة السورية بدأت فعلا في تنفيذ نموذج مشابه داخل المحافظات، بمنح مديريات الوزارات صلاحيات إدارية أوسع.
وبخصوص الملف العسكري، رجّح حوراني، أن تُدمج قوات "قسد" في الجيش السوري على أسس وطنية، وبما يشبه تجربة الفصائل الأخرى التي قبلت الانخراط في المؤسسة العسكرية، إلى جانب نشر وحدات من الجيش السوري في مناطق شرق الفرات ضمن عملية الدمج المرتقبة.
واللافت في المفاوضات اليوم هو الدور الأميركي البارز، حيث تشير مصادر إلى مشاركة المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك في المباحثات بين الجانبين، وسط ترجيحات بدفع "قسد" للوصول إلى حل نهائي مع الدولة السورية الجديدة التي تحظى بدعم أميركي، وفق مراقبين.
وعن الدور الأميركي يعتقد المحلل السياسي فراس علاوي، أن واشنطن تعمل على ما تسميه سياسة تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط ، بإنهاء تسلح القوى ما دون الدولة، من أجل تجفيف بؤر الصراع في المنطقة.
وعن مآلات المفاوضات الجارية بدمشق، قال علاوي للجزيرة نت، إن المشكلة الأساسية هي وجود تيارين ضمن "قسد"؛ الأول بقيادة مظلوم عبدي يرغب في تطبيق الاتفاق، والثاني المدعوم من حزب العمال الكردستاني، والذي يرغب في تحصيل مكاسب إضافية.
وبحسب علاوي، فإن الأطراف ذاهبة نحو لامركزية إدارية بالسماح بإدارة بعض المناطق ذات الخصوصية ضمن الديموغرافية الكردية، مرجحاً أن يتم دمج "قسد" عسكرياً ضمن الجيش السوري الجديد.