آخر الأخبار

القنبلة النووية: ‏من كوريا الشمالية إلى غزة قارة تغلي على "صفيح نووي"

شارك
مصدر الصورة

من حق القارئ أن يقول إن العنوان مبالغ فيه نوعاً ما، إذ يتساءل ما علاقة حرب غزة بكوريا الشمالية؟ وعن أي صفيحٍ نووي نتحدث؟ فالصراعات في قارة آسيا مستمرة منذ عقود طويلة. ‏ولنبدأ بالشرح، علينا سريعاً أن نُذكّر بحقائق عسكرية تشهدها الدول الآسيوية منذ عدة أعوام.

تشارك ثلاث دول نووية آسيوية في حروب أو مواجهات عسكرية، فموسكو - إذا اعتبرنا روسيا ضمن قارة آسيا - تشن حرباً منذ أكثر من ثلاث سنوات على أوكرانيا. وخاضت الهند والباكستان مؤخراً مواجهة عسكرية هي الأعنف منذ عقود.

بينما تلوّح الصين بالخيار العسكري "أمام الجميع" في النزاع مع تايوان، وفي كوريا الشمالية لا يكاد يخلو تصريح يخرج على لسان مسؤوليها إلا وتخلله تهديد نووي أو عسكري.

في أقصى غرب القارة، تندلع حرب منذ عام و9 أشهر، بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، انتشر لهيبها على شكل مواجهات وأزمات في لبنان وسوريا واليمن والعراق، هذا ناهيك عن المواجهة مع إيران. وتلك الأخيرة يهيمن عليها ملف السلاح النووي بشكل أساسي.

وبعد أن قُصفت المواقع النووية الإيرانية، فعّلت باكستان أنظمة الدفاع الجوي ونشرت طائرات مقاتلة بالقرب من منشآتها النووية ومن حدود البلاد مع إيران، بعدما شنت إسرائيل هجمات على المنشآت النووية الإيرانية. وقال مسؤول استخباراتي لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، إن "أنظمتنا على أهبة الاستعداد كإجراء احترازي.. رغم أنه لا يوجد أي تهديد مباشر".

ولتوضيح مدى الانتشار النووي في آسيا، عليك عزيزي القارئ أن تتابع الجزء القادم من القصة بعناية، نظراً للمعلومات المهمة والأرقام الدقيقة المتاحة لك.

قارة آسيوية مُثقلة بالرؤوس النووية

في قلب هذا المشهد المتفجر، تبرز خمس دول آسيوية كقوى نووية معترف بها، تملك مئات الرؤوس النووية، وتُعد أطرافاً مباشرة أو غير مباشرة في نزاعات أو مواجهات عسكرية، أو على الأقل تُلوّح باستخدام هذه الترسانة.

روسيا ترسانة جاهزة للانتشار

تمتلك روسيا -رالتي تمتد جغرافياً بين آسيا وأوروبا - أكبر ترسانة نووية في العالم، تُقدّر بنحو 4,380 رأساً نووياً في حالة انتشار عملياتي، وفق تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).

وحذّر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سبتمبر/أيلول 2024، الغرب، من أن روسيا قد تستخدم الأسلحة النووية إذا تعرضت لضربات بصواريخ تقليدية.

الصين: تزايد بعدد الرؤوس النووية

تواصل بكين تسليح ترسانتها النووية بوتيرة متسارعة. وبحسب تقرير المعهد ذاته، بلغ عدد الرؤوس النووية الصينية في العام 2024 نحو 500 رأس نووي، مقارنة بـ 410 فقط في العام الذي سبقه.

الهند: بين قوتين نوويتين

تملك الهند نحو 172 رأساً نووياً، وهي الدولة الوحيدة التي تخوض مواجهات حدودية مباشرة مع قوتين نوويتين أخريين في آسيا: الصين وباكستان.

مصدر الصورة

باكستان: النووي الإسلامي

تملك إسلام آباد ما يقارب 170 رأساً نووياً، وهي القوة النووية الإسلامية الوحيدة المعترف بها دولياً.

كوريا الشمالية: نووي مدمج بالعقيدة السياسية

أما بيونغ يانغ، التي لا تعترف بمعاهدات نزع السلاح النووي، فتمتلك ما بين 50 إلى 70 رأساً نووياً بحسب تقديرات غربية، رغم غياب بيانات رسمية. وتُعد كوريا الشمالية الدولة الأكثر "مجاهَرة" بترسانتها النووية، إذ دمجت برنامجها النووي في خطابها السياسي والعقائدي، وغالباً ما ترفق تهديداتها بتجارب صاروخية عابرة للقارات.

إسرائيل: القوة التي "لا تعترف"

تمتلك إسرائيل برنامجاً نووياً غير معلن رسمياً، وتُقدّر تقارير استخباراتية غربية ترسانتها بما يتراوح بين 80 إلى 90 رأساً نووياً، لكن إسرائيل تنتهج سياسة "الغموض النووي".

إيران: على عتبة القنبلة

رغم أن إيران لا تمتلك حتى الآن سلاحاً نووياً، إلا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدرت في 12 حزيران/يونيو 2025، تقريراً اتّهم إيران "بعدم الوفاء بالتزاماتها" المتعلقة بأنشطتها النووية. وأشارت إلى أن مستوى تخصيب اليورانيوم في إيران قد يقلّص الوقت اللازم لصنع سلاح نووي، رغم أنها لم تجد دليلاً على امتلاك أو تطوير أسلحة نووية حتى الآن.

مصدر الصورة

اعتبرت السلطات الإيرانية أن تقرير الوكالة شكّل "ذريعة" للهجمات الإسرائيلية. وعبّر عن هذا الموقف المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي، الذي اتّهم في منشور المدير العام غروسي بـ"تحويل الوكالة إلى طرف في النزاع".

وفي يونيو/حزيران 2025، شنّت إسرائيل والولايات المتحدة هجمات جوية استهدفت منشآت عسكرية ونووية إيرانية في أصفهان ومشهد وبندر عباس، ضمن واحدة من أوسع العمليات الجوية في تاريخ النزاع غير المعلن بين البلدين.

وعلينا أن لا ننسى؛ أن اليابان الواقعة أقصى شرق قارة آسيا هي الدولة الوحيدة التي تعرضت لضربات نووية عسكرية، وهو ما لا يجعل الأمر مستبعداً بأن تتكرر الحادثة في أي دولة أخرى، في حالة تفجّر أي من النزاعات التي تعصف بالقارة منذ عقود.

والآن بعد هذه المعلومات، يبدو من الواضح للقارئ مدى القوة النووية التي بيد هذه الدول الآسيوية، وكيف أن القارة معرّضة لحرب نووية إذ ما انفلت عقال أي مواجهة من المواجهات المتعددة في القارة، لكن ننصح بمتابعة القراءة لتعرف أن القنابل النووية ليست هي السلاح الخطر الوحيد في القارة.

القارة في سباق تسلح "على المكشوف"

كشفت بيانات صادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) أن الهند احتلت المرتبة الثانية عالمياً في واردات السلاح بين عامي 2020 و2024، بعد أوكرانيا، إذ استحوذت على نحو 8.3 في المئة من مجمل واردات الأسلحة العالمية، مقابل 8.8 في المئة لأوكرانيا.

ورغم هذا الترتيب المتقدم، سجّلت واردات الهند انخفاضاً طفيفاً مقارنة بالفترة السابقة (2015–2019) بنسبة بلغت نحو 9.3 في المئة، في ظل سياسة حكومية تهدف إلى تعزيز التصنيع العسكري المحلي وتقليل الاعتماد على الخارج، لا سيما على روسيا.

ولا تزال موسكو تُعدّ المورد الرئيسي للسلاح إلى الهند، لكنها شهدت تراجعاً لافتاً في حصتها، التي انخفضت إلى ما بين 36 و38 في المئة من إجمالي واردات نيودلهي، بعدما كانت 55 في المئة خلال الفترة السابقة، و72 في المئة بين عامي 2010 و2014.

في المقابل، حققت فرنسا صعوداً بارزاً، لتصبح الهند أكبر زبون للسلاح الفرنسي، مستحوذة على 28 في المئة من صادرات باريس إلى الخارج. كما حافظت إسرائيل على موقعها كمورد رئيسي للهند، بحصة تقدّر بنحو 34 في المئة من واردات البلاد العسكرية.

مصدر الصورة

أمّا باكستان، فقد سجلت نمواً لافتاً في واردات الأسلحة خلال الفترة ذاتها، بزيادة قدرها نحو 61 في المئة مقارنة بالفترة ما بين 2015 و2019. وبهذه القفزة، أصبحت خامس أكبر مستورد للسلاح في العالم، بنسبة 4.6 في المئة من إجمالي واردات الأسلحة العالمية.

وتبدو بكين اللاعب الأبرز في تسليح باكستان، إذ وفرت لها نحو 81 في المئة من وارداتها خلال 2020–2024، مقارنة بـ74 في المئة في الفترة السابقة. وحلّت دول مثل هولندا وتركيا في مراتب تالية. وفي الفترة 2016–2020، كانت باكستان في المرتبة العاشرة عالمياً، مع نسبة 2.7 في المئة من إجمالي الواردات، اعتمدت خلالها بشكل أساسي أيضاً على الصين.

وفيما يتعلق بإسرائيل، فقد احتلت المرتبة 15 عالمياً على قائمة مستوردي الأسلحة في الفترة من 2020 حتى 2024، بحصة بلغت حوالي 1.9 في المئة من السوق العالمي. وتصدّرت الولايات المتحدة قائمة المورّدين لإسرائيل، بنحو 66 إلى 69 في المئة من إجمالي وارداتها، تلتها ألمانيا بنسبة تقارب 30 إلى 33 في المئة، في صفقات شملت غواصات وقطعاً بحرية وذخائر ومكونات دفاعية.

وسجّلت إيران أدنى مستويات استيراد للسلاح في الشرق الأوسط خلال الفترة ذاتها، بفعل العقوبات المفروضة عليها، ما دفعها إلى التركيز على تطوير قدراتها الذاتية، خاصة في المجال الصاروخي، وهو ما برز خلال المواجهات الأخيرة مع إسرائيل.

وقبل الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على إيران باسبوع واحد فقط، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، عن أن طهران طلبت مؤخراً "آلاف الأطنان من مكونات الصواريخ الباليستية من الصين" وبيّنت الصحيفة أن "الكمية المطلوبة تكفي لإنتاج نحو 800 صاروخ باليستي".

ورغم أن هذا الاستعراض يركّز على بعض الدول فقط، إلا أنه يعكس بوضوح حجم سباق التسلح في قارة آسيا، القارة الأكبر جغرافياً وسكانياً، حيث تلقي هذه التوجهات العسكرية بظلالها على أمن المنطقة وتوازناتها المستقبلية.

مصدر الصورة

الجميع منتصر دون حسم

في قارة تشهد توترات جيوسياسية متصاعدة، تبدو المواجهات العسكرية الأخيرة في آسيا محكومة بقاعدة واحدة: لا غالب ولا مغلوب.

فبين صراعات طويلة ومواجهات قصيرة لكن مكثفة، تظهر النتائج النهائية غامضة، وكأن الجميع يخرج بانتصار ما، أو هزيمة غير واضحة المعالم.

الهند وباكستان: 4 أيام من التصعيد

شهدت منطقة كشمير، البؤرة المتفجرة بين الهند وباكستان، مواجهة عسكرية استمرت 4 أيام في مايو/أيار 2025، بدأت بتبادل للقصف عبر خط الهدنة، ثم تصاعدت إلى اشتباكات جوية وبريّة محدودة. ورغم سقوط عشرات الضحايا من الجانبين، لم تحقق أي من الدولتين نصراً حاسماً. وانتهت المواجهة بوساطة دولية، لكن جذور الصراع بقيت كما هي، مؤكدة أن كشمير ستظل ساحة للتوتر المتجدد.

إيران وإسرائيل: 12 يوماً من الضربات المتبادلة

لم تكن المواجهة بين إسرائيل وإيران في 2025 مفاجئة، لكنها كانت الأكثر مباشرة منذ سنوات. هاجمت إسرائيل بغارات على منشآت نووية وعسكرية إيرانية، وردَّت طهران بصواريخ ثقيلة. استمر القتال 12 يوماً، وشمل ضربات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، لكنه انتهى دون حسم. كل طرف ادّعى تحقيق أهدافه وأعلن النصر.

إسرائيل وحماس: عام و9 أشهر من الحرب غير المحسومة

منذ 7 أكتوبر 2023، تدور المواجهة الأطول في المنطقة بين إسرائيل وحركة حماس في غزة. بعد عام و9 أشهر (حتى يوليو 2025)، لم تحقق إسرائيل "القضاء التام" على حماس، كما لم تتمكن الأخيرة من كسر الحصار أو تحقيق نصر سياسي واضح.

ورغم انتهاج إسرائيل سياسة "الغموض النووي" إلا أن وزير التراث، عميحاي إلياهو، أبدى انفتاحه على خيار "القصف النووي كأحد خيارات إسرائيل خلال الحرب في غزة".

غزة دُمرت، والقتلى تجاوزوا عشرات الآلاف وفق حكومة حماس، لكن المعادلة الأمنية والسياسية لم تتغير جذرياً. وكما في كل الحروب الآسيوية الأخيرة، يبدو أن الجميع يدفع الثمن، لكن لا أحد يخرج فائزاً.

وحتى لو تعاملنا مع روسيا على أنها جزء من قارة آسيا فإن الحرب التي تخوضها، أو العملية العسكرية الخاصة كما يسميها الكرملين، ضد أوكرانيا لم تُحسم عسكرياً بعد، ولا يبدو ذلك ممكناً في المدى القريب.

فبين كشمير وغزة والضربات الإيرانية-الإسرائيلية، يبدو أن "السلام الهش" هو النتيجة الوحيدة المتكررة حتى تندلع الجولة التالية، والحالات تنطبق على الصراع في شبه الجزيرة الكورية، وعلى الصين وتايوان وكذلك على الصين والهند. فمن القادر على إطفاء نار هذه الحروب والمواجهات؟ لا بد أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، له الدور الأكبر في إنهاء هذه المواجهات وإن كان بشكل مؤقت، وهو الأمر الذي يستدعي المزيد من الشرح المستفيض.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا