كانت الفتاة ترتجف في ثياب نومها حافية القدمين وهي تجهش بالبكاء على مرج غارق بالطين، وأخذت تنظر إلى السماء بحثا عن مروحيات الإنقاذ وحولها أطفال آخرون ينتظرون أن يعود أحدهم ليحملهم إلى بر الأمان.
هكذا نقلت صحيفة نيويورك تايمز شهادات ناجين ومنقذين وأقارب لمفقودين ما زالوا يواجهون الأخبار الموجعة بعد الفيضان المروع الذي أودى بحياة أكثر من 80 شخصا في ولاية تكساس الأميركية .
وقالت الصحيفة في تقرير نشرته اليوم إن الفيضانات الكارثية بدأت يوم الجمعة، بعدما ارتفع منسوب نهر غوادالوبي 20 قدما في غضون ساعتين، واجتاحت المياه مواقع تخييم ومعسكرات صيفية مخلفة مشاهد من الدمار والخوف، بحسب الصحيفة.
وأكدت الصحيفة أن فرق الإنقاذ تواصل جهودها رغم المطر المتجدد، مستخدمة المروحيات والقوارب والطائرات المسيرة والعربات الصغيرة، ولكن الأمل يتراجع في العثور على ناجين بمرور الوقت، مع تحول الجهود من الإنقاذ إلى انتشال الجثث.
وقالت الصحيفة إن أكثر المناطق تضررا كانت مقاطعة كير، حيث كان "كامب مستيك"، وهو معسكر صيفي مسيحي للفتيات.
ووفق التقارير، تم إجلاء نحو 200 فتاة وموظف من معسكر مستيك، و850 شخصا من تكساس ككل حتى الآن، وذلك بمشاركة عشرات المروحيات وفرق إنقاذ متعددة ومئات العاملين والمتطوعين، ولا يزال البعض ينتظرون فرصة للنجاة.
وأوضحت الصحيفة أن الفيضانات المفاجئة باغتت السكان بعنف، إذ تم إنقاذ شابة تبلغ من العمر 22 عاما بعد أن بقيت متشبثة بشجرة طوال الليل، وطفت فتاة صغيرة على مرتبة لعدة ساعات، بينما أمضت أم وابنها الليل متعانقين وممسكين بشجرة للنجاة.
وذكرت نيويورك تايمز أيضا وفاة الأب جوليان رايان بمدينة إنغرام، بعدما كسر نافذة منزله لإنقاذ أطفاله وحماته من المياه المتصاعدة، مما تسبب بإصابته بجروح بليغة، ووجدت فرق الإنقاذ جسده بعد 6 ساعات من الفيضان مع انحسار المياه.
وسلطت الصحيفة في تقرير منفصل الضوء على جهود طواقم الإنقاذ، ونقلت شهادة سكوت روسكان، وهو سباح إنقاذ في خفر السواحل يبلغ من العمر 26 عاما، وقد خاض أول مهمة له في مخيم "مستيك".
وقال روسكان إنه تلقى نداء الإغاثة في ساعات الفجر حين طلب منه الاستعداد فورا، واتجه على متن مروحية إلى المعسكر، واستغرقت الرحلة الشاقة 6 ساعات بسبب سوء الأحوال الجوية.
وعند الوصول، بدأ روسكان بإجلاء الفتيات بنفسه، وحمل بعضهن على ذراعيه إلى المروحيات، واستذكر ما رآه مؤكدا أن "الفتيات كنّ يرتدين ملابس نوم مبتلة، وبعضهن بحذاء واحد، وكنّ يرتعدن خوفا ويسألن عن صديقاتهن، والرعب يملأ وجوههن، يبحثن عن أحد يبعث فيهن الطمأنينة".
وأضاف روسكان أنه قرر البقاء على الأرض بدلا من العودة بالمروحية، لكي يتسنى استخدام المقاعد لإجلاء مزيد من الفتيات.
وفي تقرير آخر، تناولت نيويورك تايمز قصة عائلة تشافاريا في مدينة كيرفيل، حيث جلست المعلمة هايلي تشافاريا (28 عاما) خارج كنيسة تؤوي الناجين، تنتظر أنباء عن 5 من أفراد أسرتها فُقدوا بعد أن اجتاحت المياه مخيمهم أثناء رحلة تخييم عائلية.
وقالت تشافاريا، التي وصلتها أنباء الفيضان وهي في أوستن، إن العائلة كانت تخيم بجوار النهر، وقررت المغادرة فجر الجمعة حين بدأت المياه في الارتفاع ولكن التيار كان أسرع منهم، وعثر على شاحنة الأسرة محطمة على جذع شجرة وفارغة تماما.
"إذا فكرت في أسوأ السيناريوهات سأفقد عقلي، كل ما أريد معرفته هو مكان أفراد عائلتي"
بواسطة هايلي تشافاريا، معلمة جرف الفيضان عائلتها
وبحسب ما نقل التقرير، فإن الناجية الوحيدة من العائلة -التي كانت تضم والدة تشافاريا وزوج والدتها وعمتها وزوج عمتها وابنة عمتها- هي ابنة عمها ديفين سميث (22 عاما) التي أنقذت بعد أن جرفها التيار لمسافة 15 ميلا ونجت بالتشبث بشجرة لعدة ساعات، ولكنها نُقلت إلى المستشفى مصابة بجروح بليغة.
وأشارت تشافاريا إلى أن شقيقتها الكبرى تحاول الحفاظ على تماسكها، ولكنهم يعانون مع انعدام الأخبار عن أحبتهم، وقالت إنها تتناوب مع أختها على الاتصال بالمشارح لتكرار السؤال المؤلم نفسه: "هل أحد أحبائنا هناك؟ فقط أخبرونا، حتى لو كانت وفاته مؤكدة".
وأضاف التقرير أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب استجاب لطلب الحاكم وأعلن حالة الطوارئ، لتقديم مساعدات فدرالية للمناطق المتضررة.
وقال تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست إن الطفلتين سارة مارش ورينيه سمايسترلا، البالغتين من العمر 8 سنوات، كانتا ضمن مئات الفتيات في "كامب مستيك"، حيث اجتمعن للصيد ولعب الألعاب وصنع الأساور، قبل أن يجرفهن الفيضان المفاجئ.
وأشار التقرير إلى أن صور الطفلتين انتشرت لاحقا، إحداهما ترتدي قميصا ورديا وتبتسم بفرح، وعلّق خال سمايسترلا قائلا "إننا ممتنون لأنها كانت مع صديقاتها في لحظاتها الأخيرة، تقضي أفضل أيام حياتها… وستبقى تعيش في كامب مستيك إلى الأبد".
وذكر التقرير أن ديك إيستلان، المدير المشارك لـ"كامب مستيك"، توفي أثناء محاولته إنقاذ 3 فتيات من كابينة قرب النهر، وعُثر عليه بجوارهن، وقالت إحدى زميلاته "لقد مات وهو يحاول إنقاذ فتيات مستيك، لقد كنّ أهم شيء في حياته".
وبحسب الشهادات، فإن إيستلان كان أشبه بالأب للفتيات، يعلّمهن كيف يصطدن السمك، وقد توفي لاحقا في مروحية أثناء نقله إلى مستشفى بهيوستن، حسب قاضي المقاطعة.
وفي كنسية نوتردام المحلية في كيرفيل، تجمع عشرات الأشخاص للصلاة من أجل العائلات المتضررة، وقال القس هيرنانديز غارسيا للصحيفة إن "قلوبنا تنزف لكل طفل لم يُعثر عليه، ولكل ألم حلّ بمجتمعنا الذي ما زال يحب رغم الفقد".