آخر الأخبار

إيران تربك حسابات أوروبا و تعليق التعاون النووي يهدد بنهاية التهدئة

شارك

بروكسل- تلوّح إيران بشرارة قرب فتيل قد يعيد إشعال القلق العالمي مجددا، فبعد أيام قليلة من توقف الهجوم الإسرائيلي الواسع الذي استهدف كبار القادة والعلماء النوويين، وألحق أضرارا بمنشآت نووية داخل البلاد، خرج الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ليعلن تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية .

ولم يصدر هذا التصعيد في الموقف عن جنرال أو مسؤول أمني، بل جاء من رأس الدولة، وفي توقيت يفترض أنه ما بعد نهاية الحرب، لكن الرسالة التي بعثت بها طهران تشير إلى أن التهدئة لم تبدأ بعد، وأن النظام الدولي للرقابة النووية على المحك.

مصدر الصورة إعلان الرئيس بزشكيان تعليق التعاون مع الوكالة الذرية جاء بعد أيام قليلة من توقف الهجوم الإسرائيلي الواسع (رويترز)

توقف التفتيش

ويرى مارك هيبس الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والمتخصص بالحوكمة النووية أن القرار الإيراني يمثل خطرا يتجاوز أبعاده السياسية، ليهدد نظام عدم الانتشار بأكمله.

وقال هيبس للجزيرة نت "من الناحية القانونية، لا يمكن لإيران تعليق التعاون مع الوكالة من طرف واحد، لأنها ما تزال طرفا في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية . وإذا مضت في هذا الاتجاه، فإن قدرة الوكالة على التفتيش والتحقق ستتوقف بالكامل".

وأضاف أن انسحاب إيران المحتمل من المعاهدة -على غرار ما فعلته كوريا الشمالية – سيخرج البرنامج النووي الإيراني من الإطار القانوني الدولي، مما قد يدفع خصومها لاتخاذ خطوات عسكرية خشية تطوير سلاح نووي بعيدا عن أعين المفتشين.

وحذّر تقرير لـ"نشرة العلماء الذريين" (Bulletin of the Atomic Scientists) من أن الانسحاب الإيراني من معاهدة عدم الانتشار النووي سيكون نقطة تحول خطيرة، تقوّض نظام الرقابة العالمية، وتفتح الباب أمام دول أخرى للانسحاب، مما يخلف أزمة ثقة غير مسبوقة في النظام القانوني الدولي.

مصدر الصورة مفاعل فوردو الإيراني تعرض لهجوم أميركي لم تعرف نتائجه بعد (الفرنسية)

أزمة ثقة

جاء تعليق التعاون في سياق أزمة ثقة متراكمة بين الوكالة وبين طهران التي تتهم المؤسسة الأممية بالانحياز للغرب، ويصف الصحفي الفرنسي دومينيك فيدال القرار بأنه "رد سياسي على الحرب الإسرائيلية الأخيرة".

إعلان

وأضاف فيدال في حديث للجزيرة نت أن "القرار لا يعبر فقط عن غضب إيران، بل عن تحميل أوروبا والوكالة الذرية مسؤولية ما تعتبره طهران تواطؤا مع العدوان".

وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد صرح بأن إصرار المدير العام للوكالة رافائيل غروسي على تفتيش مواقع نووية محددة بعد وقف إطلاق النار "لا معنى له" في إشارة إلى شكوك طهران بنوايا استخبارية لا تتماشى مع الحياد المهني للوكالة.

ومن جانبه، يرى رئيس معهد الدراسات المستقبلية والأمن في أوروبا إيمانويل دوبوي أن الأزمة الراهنة تتجاوز إيران والوكالة، وتمثل فشلا أوسع للدبلوماسية الأوروبية.

ويقول دوبوي للجزيرة نت "نحن الآن في وضع ما بعد الحرب، أو بالأحرى كنا في حالة حرب، وبالتالي لم تنجح الدبلوماسية بعد القرار الذي اتخذته إسرائيل والولايات المتحدة باتباع نهج أكثر صرامة وقدرة عسكرية".

سيناريو العراق

الجدل حول حيادية الوكالة فتح الباب لمخاوف متكررة، أبرزها تحول المعلومات النووية إلى أوراق سياسية، حيث كتبت الباحثة دوريا دولزيكوفا من المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدفاعية "آر يو إس آي" (RUSI) أن الوكالة لا تملك صلاحيات تنفيذية، وأن استخدامها أداة ضغط -كما حدث في العراق سابقا- يقوّض مصداقيتها.

وأضافت دولزيكوفا أن "آخر تقرير للوكالة لم يتضمن أي دليل على وجود برنامج نووي سري لدى إيران. ومع ذلك، فإن تقويض عملها قد يسمح بتحويل المعلومات الاستخبارية إلى ذريعة سياسية أو عسكرية."

وأوضحت أن الضربات العسكرية الأخيرة أخرجت الوكالة من ساحة الرقابة الفعلية، ومنحت طهران فرصة لإعادة هيكلة برنامجها النووي بعيدا عن الأنظار، وهو ما قد يصعّد التوترات بشكل غير قابل للاحتواء.

ورغم التصعيد، عاد وزير الخارجية الإيراني ليؤكد التزام بلاده بمعاهدة عدم الانتشار واتفاق الضمانات، موضحا أن التعامل مع الوكالة الدولية سيجري من الآن فصاعدا عبر المجلس الأعلى للأمن القومي، حفاظا على "السلامة والأمن القومي" وفق تعبيره في منشور على منصة "إكس".

تراجع الدور الأوروبي

في ظل هذا التصعيد، بدا الاتحاد الأوروبي عاجزا عن التأثير، وظهر الانقسام بين أعضائه واضحا. ويقول هيبس إن قدرة بروكسل على الضغط محدودة، مضيفا أن الاتحاد يمكنه الدعوة إلى التعاون، لكنه فقد الكثير من تأثيره السياسي، بعدما تبنى أعضاؤه العقوبات الأميركية دون استقلالية كافية.

ويرى مراقبون أن هذا التراجع عزز لدى طهران شعورا بأن أوروبا لم تعد وسيطا نزيها، بل هي طرف منحاز. ومثل هذه القناعة يتبناها عدد من المحللين الأوروبيين الذين دعوا إلى مراجعة جذرية لسياسات الاتحاد تجاه الملف الإيراني، وتفادي فقدان قنوات التفاوض الأخيرة.

وفي واشنطن، تتبنى إدارة الرئيس دونالد ترامب موقفا متشددا تجاه طهران، خاصة بعد الهجوم المشترك الأميركي الإسرائيلي الأخير.

ويقول جيمس روبنز نائب وزير الدفاع الأميركي الأسبق -في تصريح للجزيرة نت- إن البيت الأبيض "يرحب بأي موقف أوروبي يتماهى مع رؤيتنا حول خطر البرنامج النووي الإيراني، لكنه يصر على احتفاظه بحق اتخاذ إجراء عسكري إذا لزم الأمر."

إعلان

وحذر روبنز من أن الفشل في استئناف المفاوضات قريبا قد يفتح الباب أمام ضربات عسكرية متجددة، قائلا "إذا لم تتصرف إيران بعقلانية، فمن المرجح أن نعود إلى خيار القوة".

ويرى مراقبون أن تعليق التعاون مع الوكالة لا يمثل خلافا تقنيا بقدر ما هو مؤشر لانهيار الضمانات الدولية. ومع تصاعد الشكوك وانهيار الثقة وتراجع فاعلية الدبلوماسية الأوروبية، تبدو المنطقة على شفير انفجار جديد.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا