في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أنتويرب – في حين يواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة حصد الأرواح وسط دمار غير مسبوق، تتجه الأنظار إلى ميناء أنتويرب شمال بلجيكا ، حيث تقف شحنة من المكونات المستخدمة في صناعة دبابات ومركبات عسكرية إسرائيلية، ما أثار جدلا واسعا بشأن دور بلجيكا غير المباشر في النزاع القائم.
وكشف تحالف يضم منظمات سلام وحقوق إنسان أن الشحنة المتوقفة في رصيف "دور خانك" تحتوي على "محامل أسطوانية" دقيقة تُستَخدم في أنظمة نقل الحركة لدبابات ميركافا و مركبات نمر المدرعة، وقد صُنعت في فرنسا من قِبل شركة "تمكن" الأميركية، ويتم شحنها عبر شركة "إم إس سي" للملاحة الدولية "MSC" إلى مصنع "أشوت عسقلان" الإسرائيلي المتعاقد مع جيش الاحتلال.
ورغم تصنيف المكونات على أنها مزدوجة الاستخدام، فإن الهدف العسكري لها واضح وموثق، ما يستوجب الحصول على ترخيص خاص من السلطات الفلمنكية المحلية، والذي لم يطلب حتى الآن، وفق ما أكدته منظمات معنية.
في الثاني من يوليو/تموز الجاري، أرسلت منظمات حقوقية بلجيكية بارزة مثل "فريدزآكسي"، و"إنتال"، و"رابطة حقوق الإنسان" إخطارا قانونيا إلى الحكومة "الفلمنكية"، تطالب فيه بمنع الشحنة، معتبرة أن السماح بعبورها يمثل خرقا للقوانين البلجيكية والدولية لتجارة الأسلحة.
وتشرف الحكومة الفلمنكية على المجتمع الخاص بالشعب الفلمنكي الذي يُعَد أحد المجتمعات الثلاثة المميزة في بلجيكا مع المجتمعين الوالوني أوالبروكسلي الفرنسي ومع المجتمع الألماني.
لكن رد الحكومة -حسب ما كشفه جو ديريكس من منظمة "فريدزآكسي" في تصريح خاص للجزيرة نت- جاء غامضا، و"يختبئ خلف الإجراءات الجمركية"، الأمر الذي دفع المنظمات إلى المضي قدما نحو التحرك القضائي.
وقال ديريكس "سنرفع دعوى رسمية يوم الاثنين، وستعرض القضية أمام المحكمة في بروكسل يوم 10 يوليو/تموز الجاري، كما سننظم وقفة احتجاجية في ساحة "بولارت" أمام قصر العدالة، ففي زمن الإبادة لا يمكننا أن نكون محايدين".
بدوره، عبّر النائب في برلمان بروكسل فؤاد أحيدار، في تصريح للجزيرة نت، عن صدمته من مرور شحنات أسلحة عبر موانئ بلجيكية نحو إسرائيل، قائلا "السكوت لم يعد مقبولا. ما يجري ليس مجرد إهمال، بل موافقة مزدوجة من الحكومة الفلمنكية والفدرالية، نحن نشارك بصمتنا في إبادة جماعية موثقة ضد المدنيين في غزة".
وفي موقف سياسي لافت، أكد الأمين العام لحزب العمال البلجيكي (PVDA) بيتر ميرتنز، للجزيرة نت، أن القضية لا تتعلق بشحنة واحدة، بل بمنظومة كاملة تتسامح مع استخدام البنية التحتية البلجيكية لدعم آلة الحرب.
وقال ميرتنز "الحكومة تغض الطرف رغم وجود مراسيم واضحة، وشحنة أولى غادرت بالفعل. ما يجري ليس خطأ تقنيا بل تجاهل سياسي متعمد".
وأضاف أن الحزب لن يكتفي بالإجراءات القانونية، بل سيواصل الضغط البرلماني والسياسي لفرض حظر شامل على عبور أو تخزين أو تصدير أي معدات عسكرية موجهة لإسرائيل. وختم بالقول "ميناء أنتويرب ليس محايدا، والتواطؤ الصامت هو مشاركة في الجريمة".
في موقف داعم، قال مكتب سامي مهدي، رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي الفلمنكي (CD&V) والنائب الفدرالي، في بيان للجزيرة نت، "ندعم فرض حظر أسلحة شامل على إسرائيل. وإذا تبين أن الحاوية الموجودة في الميناء تحتوي على معدات عسكرية موجهة للاستخدام في غزة، فيجب أن تبقى خاضعة للرقابة. هذه الحادثة تظهر هشاشة نظام المراقبة، إذ إن منظمات المجتمع المدني هي التي كشفت الأمر، لا الجهات الرسمية".
ويعكس هذا التصريح بوضوح اهتزاز الثقة البرلمانية في آليات الرقابة البلجيكية على شحنات الأسلحة، ويعزز دعوات لتشديد القوانين وتفعيل الرقابة المسبقة، لا اللاحقة.
أما النائبة ناديا نايجي عن حزب "الخضر" (Groen)، فقد أعربت خلال جلسة برلمانية عن استيائها من صمت الحكومة، قائلة إن "موانئنا لا يجب أن تكون ممرا لأسلحة الإبادة".
وتزامنا مع الجدل السياسي، أطلقت منظمات حقوقية حملة بعنوان "أوقفوا تصدير السلاح لإسرائيل "، شملت عريضة شعبية لجمع التوقيعات، وحملة تمويل جماعي لتغطية نفقات الدعوى، وسط دعم لافت من المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان .
من جهتها، أعلنت الحكومة الفلمنكية أنها أوقفت الحاوية الثانية وتقوم بتفتيشها، مؤكدة أنه إذا ثبت طابعها العسكري، فسيتم منع عبورها، غير أن المنظمات الحقوقية تعتبر هذه الخطوة متأخرة، خاصة أن شحنة أولى مرت بالفعل دون أي رقابة أو ترخيص.
تعتمد الدعوى القضائية على مرسوم فلمنكي يمنع تصدير أو عبور المعدات العسكرية دون ترخيص، لا سيما في حال وجود احتمال لاستخدامها في جرائم ضد الإنسانية، كما تستند إلى اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، التي تحمّل الدول مسؤولية قانونية في حال تقديم دعم مادي أو لوجيستي لمرتكبي الإبادة.
وفي حال نجاح الدعوى، ستكون سابقة قانونية في أوروبا ورسالة قوية ضد التورط غير المباشر في النزاعات. أما في حال فشلها، فقد ينظر إلى ذلك كدليل على خضوع للضغوط السياسية والاقتصادية.
وفي تصريح صحفي، قالت إيزابيل فان برابانت من منظمة إنتال "INTAL" "في زمن الإبادة، لا مجال للحياد. عبور هذه الشحنة يجعل بلجيكا شريكة في الجرائم التي نتابعها يوميا".
وأضافت "نريد حظرا عسكريا حقيقيا، لا شعارات. هذه ليست فقط قضية قانونية، بل اختبار أخلاقي للدولة والمجتمع البلجيكي".