في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أثار الدور البارز لعملاء جهاز "الموساد" الإسرائيلي في تنفيذ ضربات نوعية داخل الأراضي الإيرانية، طالت قيادات بارزة وعلماء نوويين ومواقع عسكرية حساسة، تساؤلات عديدة حول أسباب إخفاق الأجهزة الأمنية الإيرانية في كشف وتعقب "جواسيس" الاستخبارات الإسرائيلية طوال السنوات الماضية.
تظهر المعلومات التي كشفتها مصادر إسرائيلية أن الهجوم الأخير على طهران لم يكن رد فعل عابر، بل ثمرة خطة محكمة وعمليات استخبارية طويلة الأمد، تضمنت "زرع" طائرات مسيّرة مفخخة داخل العمق الإيراني، وتجهيز بنى تحتية سرية تم تفعيلها في اللحظة المناسبة.
وفتح هذا التطور الباب أمام احتمالات تصعيد أمني خطير في المنطقة، وسط مساع إقليمية ودولية مكثفة لاحتواء الموقف ومنع انزلاقه إلى مواجهة أوسع.
"جواسيس الموساد" في قلب طهران
بحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، بدأت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قبل أشهر عمليات تهريب لطائرات مسيّرة وصواريخ إلى داخل إيران، تم من خلالها إنشاء "قاعدة داخلية للطائرات المفخخة"، وهو ما يمثل اختراقا أمنيا غير مسبوق للسيادة الإيرانية.
ومع انطلاق الهجمات فجر الجمعة، تم تفعيل الطائرات المخبأة التي استهدفت مواقع صاروخية بالقرب من العاصمة، في هجوم يُشبه من حيث الأسلوب ضربات أوكرانيا ضد القواعد الروسية الجوية، وإن "لم يكن هناك تنسيق مباشر" بحسب وصف المصادر.
وأوضحت تقارير إسرائيلية أن عناصر من الموساد زرعوا أسلحة دقيقة قرب بطاريات الدفاع الجوي الإيراني، تم تفعيلها بالتزامن مع بدء القصف، مما ساهم في تحييد تلك الأنظمة.
كما أفادت مصادر استخباراتية بأن الموساد جهز مركبات داخل إيران بأنظمة هجومية متقدمة، تم تركيبها سرًا لاستهداف القدرات الدفاعية الإيرانية من الداخل.
وبرز ذلك من خلال مقطع مصور بثته وسائل إعلام إسرائيلية، يُظهر عناصر يرتدون خوذات مزودة بكاميرات أثناء تركيب أسلحة في منطقة مهجورة داخل إيران.
اختراق واسع النطاق
من لندن، يؤكد الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن، في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية"، أن الاختراقات الإسرائيلية في إيران ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى سنوات مضت، وتعمّقت تدريجيًا مع تصاعد التوترات بين البلدين.
ويشير عبد الرحمن إلى أن إسرائيل استطاعت تجنيد عملاء داخل مؤسسات إيرانية حساسة، ليس فقط داخل الأجهزة الأمنية، بل حتى في صفوف الحرس الثوري ومؤسسات الدولة العليا، ما يفسر قدرة الموساد على تنفيذ هجمات دقيقة داخل إيران مرارًا، آخرها استهداف مواقع لتصنيع أجهزة الطرد المركزي في كرج وأصفهان بطائرات مسيّرة.
ويضيف: "من المرجح أن غالبية العملاء هم من الإيرانيين الذين تم تجنيدهم، لكن لا يُستبعد وجود عناصر إسرائيلية فاعلة على الأرض أيضًا، بالنظر إلى هذا الاختراق العميق".
ويتابع: "تمكنت إسرائيل من رصد تحركات قيادات بارزة مثل إسماعيل هنية، الذي اغتيل داخل مقر للحرس الثوري، بنفس الطريقة التي تم بها تصفية علماء ومهندسين إيرانيين في السابق، مما يكشف حجم الثغرات داخل المنظومة الأمنية الإيرانية".
ويعتقد عبد الرحمن أن طهران باتت "مكبّلة اليدين" في الرد على الهجوم الإسرائيلي، لعدة عوامل، أبرزها استهداف بنيتها التحتية الدفاعية ومنصات الصواريخ وقياداتها، مرجّحًا أن يكون الرد الإيراني محدودًا لعدة عوامل على رأسها استهداف القيادات الرئيسية، واستهداف القدرات والدفاعات، وأيضًا منصات إطلاق الصواريخ.
ولفت مسؤول مسؤول أمني لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، إلى أن عمليات إسرائيل اعتمدت على "تفكير مبتكر، وتخطيط جريء، وتنفيذ دقيق باستخدام تكنولوجيا متقدمة، وقوات خاصة وعملاء يعملون في قلب إيران، بينما يتفادون أعين الاستخبارات المحلية".
خطة "داغان".. الجذور العميقة
بحسب ما ورد في كتاب "التاريخ السري للاغتيالات المستهدفة في إسرائيل"، للمؤلف الإسرائيلي رونين بيرغمان، فقد رسم رئيس الموساد الأسبق مئير داغان، منذ توليه رئاسة الجهاز عام 2002، استراتيجية تضع البرنامج النووي الإيراني في صدارة التهديدات الوجودية لإسرائيل.
وانطلاقًا من هذه الرؤية، أعاد داغان هيكلة عمل الموساد ليتركز على هدفين رئيسيين: الأول، منع خصوم إسرائيل، وفي مقدمتهم إيران، من امتلاك قدرات نووية؛ والثاني، مواجهة التنظيمات المسلحة كحزب الله وحماس.
وتضمنت الخطة التي وُضعت عام 2003 استخدام مزيج من أدوات "القوة الخشنة والناعمة"، شملت أنشطة تخريبية داخل إيران، واغتيالات دقيقة لعلماء نوويين، إلى جانب دعم جماعات معارضة وأقليات بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي، فضلاً عن دور دبلوماسي مكثف وعقوبات اقتصادية محكمة.
كما سعت الخطة إلى عرقلة حصول طهران على المعدات والتقنيات اللازمة لتطوير برنامجها النووي، عبر عمليات اعتراض دولية وتخريب مباشر، وهو ما تجسّد في سلسلة طويلة من الهجمات السيبرانية والتفجيرات في منشآت نووية.