في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أثار هجوم تنظيم الدولة على قاعدة عسكرية للقوات المحلية في ولاية بونتلاند الصومالية، في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قلقا محليا وإقليميا حول قدرة التنظيم على المواجهة والصمود والانتشار في منطقة معزولة جغرافيا في أحد أكبر أقاليم الصومال .
كما أعاد هذا الهجوم -الذي أدى إلى مقتل نحو 20 من القوات المحلية وتدمير جزئي للقاعدة العسكرية في منطقة طرجالي في مديرية إسكوشوبان- المخاوف المحتملة من تنامي نفوذ تنظيم الدولة، والسيطرة على المناطق الحيوية في بونتلاند، تمهيدا للوصول إلى المنافذ بحرية في هذا الإقليم، خصوصا في ظل مشاركة 12 مقاتلا ينتمون إلى جنسيات عربية وأفريقية وآسيوية.
وحول خلفيات نشأة تنظيم الدولة وأسباب صعوده الميداني منذ عام 2015، نشر مركز الجزيرة للدراسات بحثا تحليليا بعنوان " من الموصل إلى بونتلاند: الحرب على تنظيم الدولة.. الأجندات والأبعاد والسيناريوهات "، استشرف فيها الباحث الشافعي أبتدون الدوافع والأسباب الكامنة وراء الحملة التي تخوضها بونتلاند ضد هذا التنظيم.
تأسس تنظيم الدولة في الصومال على يد القيادي المنشق عن حركة الشباب عبد القادر مؤمن، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، مع نفر من المقاتلين لا يزيد عددهم على 30 مسلحا.
ويمكن القول إن عددا من العوامل قدز ساعد التنظيم في إيجاد موطئ قدم في مناطق بونتلاند:
ويمكن ملاحظة صعود تنظيم الدولة في الصومال من خلال ارتفاع عدد عناصره الذي كانوا في حدود الـ30 مقاتلا ووصلوا إلى نحو 1500 مقاتل بحلول العام الجاري، وفق تقديرات مراكز الأبحاث الأمنية المحلية.
وكان التنظيم في الصومال يكافح من أجل إيجاد مصادر تمويل محلية، وتمكن من فرض الإتاوات وجمع الضرائب من التجار في عموم الصومال، تحت تهديد السلاح، ما رفع إيراداته من حوالي 70 ألف دولار شهريا في عام 2018، إلى أكثر من مليوني دولار في النصف الأول من عام 2022.
أطلقت ولاية بونتلاند المحلية بمفردها حملة عسكرية واسعة النطاق سميت "حملة البرق" لاجتثاث جذور تنظيم الدولة في إقليم بري، وهي تدخل شهرها الرابع على التوالي، وحققت تقدما كبيرا بتحرير عشرات البلدات من قبضة التنظيم، من بينها مقار عسكرية وإدارية ومنازل تابعة لقيادات من التنظيم.
وأطلق رئيس ولاية بونتلاند سعيد عبد الله دني، أواخر فبراير/شباط 2025، المرحلة الثالثة لاستمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الذي فقد الكثير من مسلحيه وخسر أيضا مناطق شاسعة، تفوق نحو أكثر من 60 موقعا في سلسلة جبال علي مسكاد.
وأعلنت قيادات عسكرية عن مواجهة مسلحين من 32 دولة حول العالم ينتمون لتنظيم الدولة في الصومال، تمكنت القوات من القضاء على نحو 300 منهم، تعود جنسياتهم إلى المغرب وسوريا والسعودية وإثيوبيا والسودان ومالي، من دون وجود مقاتلين صوماليين للتنظيم سقطوا في المواجهات الأخيرة، وذلك وسط تقدم القوات المحلية شيئا فشيئا نحو المعقل الرئيسي للتنظيم.
وتشن القيادة الأميركية في أفريقيا ( أفريكوم ) سلسلة غارات عنيفة ضد التنظيم منذ فبراير/شباط الماضي، وذلك بهدف إضعاف قدراته ودعم جهود العمليات الأمنية للقوات المحلية.
وتسعى الولايات المتحدة من خلال الضربات إلى تعزيز الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، وهو ما يفسر عودة الضربات بشكل عنيف إلى مناطق في الصومال، خاصة تلك التي تستهدف تنظيم الدولة.
وانحصر الاستهداف في السابق بقيادات التنظيم، ولم يكن استهدافا عشوائيا، بينما وضعت الضربات الأخيرة التنظيم في مأزق حقيقي، وعطلت تحركاته وتنقلاته أثناء العمليات الأمنية التي تخوضها القوات المحلية في بونتلاند، ففي غضون شهرين نفذت الولايات المتحدة 7 غارات جوية عنيفة بمعدل غارة أسبوعيا تقريبا؛ ما يعكس حجم الاهتمام الأميركي لحماية مصالحها في المنطقة، خاصة قواعدها المنتشرة في الصومال وجيبوتي وكينيا.
وتعد منطقة القرن الأفريقي حلبة صراع وعرة بين الصين وروسيا وإيران والولايات المتحدة، لكن تراجع الدعم الأميركي لدول المنطقة والذي كان يتم عبر الوكالة الأميركية للتنمية (USAID) يمكن أن يعطي ضوءا أخضر للتنين الصيني لسد هذه الثغرة وتوفير الدعم لهذه الدول، كما أن عرض الصومال للولايات المتحدة لمنحها قواعد وموانئ حيوية قد يغري واشنطن بلا شك ويدفعها للحفاظ على مصالحها والتنسيق أكثر مع الحكومة الصومالية، لمواجهة الحركات الانفصالية والأخطار الأمنية المتنامية وتكثيف هجماتها ضد تنظيم الدولة وحركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة.
أولا: الرابحون
تُعد بونتلاند الرابح الأول في تفكيك خلايا تنظيم الدولة في الصومال، لأن ذلك يعود بالنفع على السكان أولا، خصوصا التجار منهم الذي يضطرون لدفع إتاوات مالية ضخمة للتنظيم خشية الابتزاز والاغتيالات التي استهدفت العشرات منهم.
كما يستفيد رئيس الولاية سعيد عبد الله دني من هذه الحرب أيضا؛ إذ يمكنه توظيف هذا النصر سياسيا في الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2026، أو تعزيز رصيده المحلي ومكاسبه السياسية داخل الولاية، ويمكن أن يوحد الجبهة الداخلية في بونتلاند في صراعه السياسي المرير مع حكومة مقديشو.
وعلى الجانب الآخر، تقف الحكومة الفدرالية موقف المتفرج على العمليات التي تخوضها ولاية بونتلاند، لكنها عبّرت عن تأييدها لهذه العملية ورحّب بها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، باعتبارها خطوة أساسية لمكافحة التنظيمات المسلحة خارج إطار القانون التي تمثل تهديدا للجمهورية الصومالية الثالثة، وهو ما يعطي الحكومة الفدرالية خيارات أكثر وفرصة كبيرة في مواجهة حركة الشباب النشطة في الجنوب ووسط البلاد.
وترى حركة الشباب في القضاء على تنظيم الدولة فرصة ثمينة للانتشار، إذ كان التنظيم يشكل خطرا كبيرا على وجودها، نظرا لأنه يستمد قوته من القوى العشائرية المحلية في بونتلاند، وحقق نصرا عسكريا حاسما في جولات المعارك التي خاضها ضد حركة الشباب.
ثانيا: الخاسرون
يخشى تنظيم الدولة من تكرر سيناريو هزيمته في الموصل عام 2017، وذلك بعد أن فقد جُل معاقله ومواقعه الرئيسة في سلسلة جبال علي مسكاد وشيوع أنباء عن هروب الكثير من عناصره إلى الخارج.
ولا شك أن ارتباطات التنظيم مع عصابات التهريب كانت نقطة ارتكاز بالنسبة لانتشاره في شمال شرق الصومال، ولهذا فإن ضرب التنظيم من الداخل يصدّع جداره الخلفي ويكشف مزيدا من التفاصيل والغموض حول الجهات المتعاونة معه والتي تمده بالقوة.
تزداد الشكوك المحلية حول وجود دول إقليمية وجماعات مسلحة لها تأثير مباشر في تغذية الإرهاب والتطرف في الصومال منذ عام 2000، خاصة بعد الكشف عن جوازات سفر أجنبية للمقاتلين الأجانب بعضها حديث يحمل بيانات دول عربية وأفريقية.
يمكن القول إن 3 سيناريوهات تحدد مستقبل تنظيم الدولة: