في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في حدث وصف بأنه نقطة تحول في سوريا الجديدة، أعلنت الرئاسة السورية، يوم الاثنين 10 مارس/آذار الجاري، توقيع اتفاق بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي ، يقضي باندماج الأخيرة في مؤسسات الدولة، وتأكيد وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم.
وأوضحت الرئاسة، أن الاتفاق الذي جاء بعد اجتماع بين الشرع وعبدي، ينص على ضمان حقوق كل السوريين في التمثيل والمشاركة السياسية. كما ينص على وقف إطلاق النار في كافة الأراضي السورية، وأن المجتمع الكردي أصيل في الدولة وحقه مضمون في المواطنة والدستور.
وتطرح هذه الاتفاقية المُعلن عنها فجأة أسئلة تحتاج إلى إجابات تساهم في فهم أوسع للمشهد.
جاء الإعلان عن الاتفاق بعد عدة جلسات مفاوضات بين الحكومة وقسد، بدأت باجتماع مباشر بين الشرع وعبدي في مطار ضمير العسكري قبل نحو شهرين، واستمرت على شكل اتصالات هاتفية بينهما.
التسريبات التي رشحت عن المفاوضات السابقة تفيد، أن الحكومة السورية عرضت على قسد تثبيت حقوق المكوّن الكردي في الدستور المستقبلي، وإتاحة المجال للمهجّرين للعودة إلى مدنهم، لكن بقي الخلاف حول الطريقة التي ستندمج بها قسد في الجيش السوري، وهل ستدخله على شكل أفراد كما كانت تطلب دمشق أم ستبقى كتلة بحسب مطالب قسد؟
وكانت الإدارة الذاتية في منطقة شمال شرقي سوريا في اجتماع مشترك مع أذرع قسد السياسية والعسكرية، قد أعلنت في منتصف فبراير/شباط الماضي، موافقتها على عرض دمشق الاندماج، مع تأكيد استمرار مناقشة الملفات العالقة.
رغم المسار الطويل نسبيا للمفاوضات، ورغم أن الاتفاق تم التوصل إليه فعليا قبل أسابيع، فإن توقيعه في هذا التوقيت حمل -بحسب مراقبين- دلالات مهمة من حيث السياقات التي جاء في خضمها.
فالاتفاق جاء بعد ساعات من إعلان وزارة الدفاع السورية انتهاء الحملة العسكرية لملاحقة فلول الأسد في مناطق الساحل السوري، بعد ما رافقها من انتهاكات وعمليات قتل أقرّت بها الحكومة ونسبتها إلى مجموعات مساندة غير منضبطة وبدأت بمحاسبة المتورطين فيها.
وكانت الخلافات بين دمشق وتيار في السويداء على رأسه شيخ عقل الدروز حكمت الهجري قد تفاقمت في الأيام الأخيرة، وظهرت دعوات لإدارة مستقلة للمحافظة أو فدرالية، كما أصدر الهجري خلال أحداث الساحل بيانات دعا فيها إلى تدخل دولي، وهو ما أثار غضب السوريين، كما استدعى من الشرع "تجريم أي دعوة للتدخل الخارجي" في سوريا.
وشجعت الأوضاع الخاصة لكل من محافظة السويداء والأكراد السوريين إسرائيل على العبث بالمكونات السورية، واتخاذها ذريعة لمزيد من التدخل في الأراضي السورية وتعزيز وتعميق وجودها العسكري في المنطقة العازلة بالجولان.
كما جاء الاتفاق بين الشرع وعبدي بعد مؤتمر دول الجوار السوري الذي انعقد في العاصمة الأردنية عمّان، وأكد وحدة وسلامة الأراضي السورية، في حين شكّلت رسالة مؤسس حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، من محبسه في تركيا -والتي دعت أذرع الحزب إلى ترك السلاح ونبذ العنف والاندماج في الدولة- ضغطا على قسد.
المعلومات المتداولة ضمن أوساط قوات سوريا الديمقراطية تؤكد أنهم حصلوا على إشارات واضحة من واشنطن بخصوص قرب موعد إعادة انتشار القوات الأميركية، حيث ستحتفظ على الأغلب بقاعدة أو قاعدتين على الحدود السورية العراقية فقط، ولذا اتجه مظلوم عبدي إلى إعلان الاتفاق الذي كتبت بنوده أواخر فبراير/شباط الماضي.
وأفادت تقارير صادرة عن وسائل إعلام سورية، أن عبدي وصل إلى دمشق يوم توقيع الاتفاق على متن مروحية أميركية أقلته من القامشلي، حيث تشرف القوات الأميركية منذ البداية على مسار المفاوضات وتتوسط في تسهيلها.
من جهة أخرى، أكدت مصادر في دمشق لموقع الجزيرة نت، أن الحكومة السورية تفضل منذ البداية الحل السياسي على استخدام الحل العسكري، لأنها ترغب في الاستقرار والتركيز على إقناع المجتمع الدولي برفع العقوبات لتحسين الاقتصاد.
لم يتطرق الاتفاق إلى مصير المنطقة الجغرافية الخاضعة لسيطرة قسد، مع الإشارة فقط إلى دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، مع الإشارة إلى وحدة الأراضي السورية.
ونفى الناطق باسم قسد، فرهاد الشامي، الأنباء التي تم تداولها عن توجه رتل عسكري تابع للقوات الحكومية في وقت قريب إلى الحسكة من أجل استلام المعابر والمقرات، وأكد أنه لا يوجد تغيير على المستوى الميداني.
وتبلغ مساحة الأراضي التي تسيطر عليها قسد ما يقرب من ثلث الأراضي السورية، أي ما يعادل قرابة 60 ألف كيلومتر من إجمالي مساحة سوريا البالغة 185 ألف كيلومتر.
وتمتاز الجغرافيا الخاضعة لسيطرة قسد بأهميتها الاقتصادية، حيث تحتوي على أكبر الحقول التي تنتج النفط، مثل رميلان والعمر والجفرة، ووصلت ذروة إنتاج هذه الحقول عام 1995 إلى ما يزيد على 591 ألف برميل، وفق تقديرات حكومية، إضافة إلى حقول غاز أبرزها كونيكو.
وتشتهر مناطق شمال شرقي سوريا بإنتاج محصول القمح، وتوصف بأنها سلة غذاء سوريا، فضلا عن تربية المواشي.
أصدرت وزارات الخارجية في كل من قطر والسعودية وفرنسا بيانات رسمية رحبت فيها بالاتفاقية.
وبينما انتظرت تركيا قليلا في إصدار تعليق رسمي واضح، باستثناء تصريحات أدلى بها مسؤول لم يكشف عن اسمه لوكالة رويترز، أكد فيها، أن أنقرة لديها تفاؤل حذر حيال الاتفاق، وهي في الوقت ذاته متمسكة بمطلب نزع سلاح قسد وحل نفسها؛ أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان ترحيبه بالاتفاق، قائلا" إن الفائز فيه هو جميع السوريين، داعيا إلى تنفيذ كامل له.
الموقف التركي المتدرج من التفاؤل الحذر إلى الترحيب والإشادة، جاء بعد شنّ الطيران الحربي التركي غارات جوية على مواقع تتبع قسد قرب سد تشرين شمال شرقي حلب، بعد ساعات من الإعلان عن الاتفاق، على الرغم من تضمنه بندًا ينص على وقف إطلاق النار، في رسالة فهمت في حينها، أنه عدم رضا تركي عن الاتفاق.
لكن موقف أردوغان الصريح، إلى جانب تقارير تفيد أن الاتفاق حاصل في الأصل بين تركيا والولايات المتحدة، يؤكد رضا أنقرة عن مضمونه، إلا أن ذلك قد لا يعكس الثقة في تنفيذ ما وقّع عليه قائد قوات سوريا الديمقراطية مع الإدارة السورية.
لا يخلو الاتفاق من عوائق محتملة من الممكن أن تحول دون تنفيذه، وأبرزها وجود تيار ضمن قسد موالٍ لحزب العمال الكردستاني وقيادته في جبل قنديل، وخاصة تشكيل الشبيبة الثورية التي تضم مسلحين منهم غير سوريين موالين لحزب العمال الكردستاني .
وبادر تنظيم الشبيبة الثورية إلى تفريق مظاهرة شعبية خرجت في محافظة الحسكة بعد ساعات من إعلان الاتفاق من أجل تأييده، وقام بإنزال العلم السوري من إحدى الساحات الرئيسية، كما نظم مظاهرات في 11 مارس/آذار الجاري للتنديد بالانتهاكات التي وقعت في الساحل السوري خلال الحملة التي نفذتها قوات حكومية وشعبية ضد فلول الأسد، وهو ما فهم على أنه خطوة تصعيدية ضد الحكومة.
أيضاً، كان قائد قسد مظلوم عبدي أكد في مقابلة صحفية وجود اتفاق حول وحدة سوريا وتوحيد المؤسسة العسكرية، لكن سيتم نقاش آلية التنفيذ، والمفاوضات ستستمر إلى أن تحل الأمور بما فيها الطريقة التي ستتم هيكلة الجيش بها، مما قد يعني احتمال حصول خلافات لاحقة سبق أن أعاقت التوصل للاتفاق، عندما تمسّكت قسد بالحفاظ على قواتها كتلة واحدة ضمن الجيش السوري.
شكلت منطقة شمال شرقي سوريا عقدة كبيرة في الملف السوري لسنوات طويلة، كما أن تمسك قسد في الفترات السابقة بمطلب الإدارة الذاتية شجّع أطرافا أخرى في محافظة السويداء -مثل حزب اللواء السوري- على طرح الأمر.
ومع تطبيق الاتفاق الذي ينص على وحدة الأراضي السورية، من المتوقع أن يفتح الطريق أمام حل عقدة السويداء التي شجع استعصاء ملف قسد بعض الأطراف فيها على عدم الانفتاح على الحكومة السورية، وحضرت مؤتمر الحوار الذي رعاه مجلس سوريا الديمقراطية (الجناح السياسي لقسد) منتصف شهر فبراير/شباط الماضي في الرقة، عقب مؤتمر الحوار الوطني السوري العام بدمشق.
وظهرت بالفعل مؤشرات على وجود تقدم في ملف السويداء، حيث أعلنت حركة رجال الكرامة -أكبر فصيل عسكري في المحافظة- أنها وصلت إلى تفاهمات نهائية مع دمشق على تشكيل أجهزة أمنية تتبع للحكومة ومكونة من أبناء المحافظة.
من جهة أخرى، فإن تنفيذ الاتفاقية سينهي حالة التوتر في محافظة حلب، التي تتمركز قوات تابعة لقسد في بعض أحيائها، حيث أدى هذا التوتر إلى استمرار سقوط ضحايا مدنيين بين الحين والآخر.
ومن المتوقع أيضًا أن يتيح الاتفاق لكامل سوريا الاستفادة من الموارد الطبيعية وعلى رأسها النفط والغاز، مما يعني حصول تحسّن في مستوى الخدمات وزيادة الفترة التي تصل فيها الكهرباء للمواطنين، نظرا لزيادة القدرة على تشغيل محطات الطاقة الحرارية باستخدام الوقود.
التوافق بين الحكومة والمكونين الكردي والدرزي، سيحدّ من قدرة إسرائيل على الاستثمار في ملف حماية الأقليات والتدخل في الشأن السوري، حيث باتت تتخذه أخيرا ذريعة لمنع القوات الحكومة من دخول الجنوب السوري عبر استهداف مواقعها بالطائرات الحربية، كما عملت على تطوير علاقاتها مع قسد مستغلة حاجتها للدعم في ظل التصعيد التركي والتلويح بالخيار العسكري ضدها.