في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
غزة- على نحو مفاجئ، وخلال كلمته أمام القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة مساء الثلاثاء، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس استحداث منصب وتعيين نائب لرئيس منظمة التحرير ودولة فلسطين.
كذلك قرر إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من حركة فتح واتخاذ الإجراءات التنظيمية الواجبة لذلك، وإعادة هيكلة الأطر القيادية، وضخ دماء جديدة في المنظمة وحركة فتح وأجهزة الدولة.
تكشف إجابات الأسئلة التالية عن السياقات التي اتخذ فيها الرئيس عباس هذه القرارات، ومدى ارتباطها باليوم التالي سواء للحرب على غزة أو لغيابه عن المشهد السياسي الفلسطيني.
تأزمت العلاقة بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد دحلان عقب الاقتتال الفلسطيني صيف عام 2006 الذي أفضى إلى انقسام سياسي تولت على إثره حركة حماس مهام الحكم في غزة.
ومنذ ذلك الحين دبّ الخلاف بين عباس ودحلان المتهم بالمسؤولية عما وصف فتحاويا "بسقوط غزة بيد حماس"، ومن ثم اتهمته أوساط قيادية فتحاوية وأمنية بالسعي لتعزيز نفوذه داخل الأجهزة الأمنية والوزارات في الضفة الغربية، وتحريض شخصيات قيادية فتحاوية على رئيس السلطة.
بلغت تلك الخلافات ذروتها في يونيو/حزيران 2011 عندما قرر الرئيس عباس فصل دحلان من حركة فتح، وأتبع ذلك بجملة قرارات فصل طالت قيادات فتحاوية بتهمة "التجنّح"، من بينهم توفيق أبو خوصة ونعمة الشيخ ونجاة أبو بكر وعدلي صادق.
وفي مارس/آذار 2021، قرر رئيس السلطة فصل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ناصر القدوة بعد تشكيله قائمة منفصلة لخوض الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في مايو/أيار من العام ذاته بعيدا عن حركة فتح، وذلك قبل أن يقرر عباس إلغاء الانتخابات.
وفي التوقيت ذاته، زادت التوترات بين رئيس السلطة والقائد في حركة فتح الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي مروان البرغوثي الذي انضمت زوجته فدوى البرغوثي للقائمة الانتخابية التي شكلها ناصر القدوة، في إشارة إلى مدى الخلاف بين عباس والبرغوثي.
وفي أغسطس/آب 2022 توترت العلاقات بين الرئيس عباس وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح توفيق الطيراوي الذي كان يترأس جهاز المخابرات العامة للسلطة الفلسطينية، ووصلت إلى سحب عباس امتيازات الطيراوي، ومن ثم علق حضوره لجلسات اللجنة المركزية لحركة فتح.
خلال السنوات الماضية، سعت عدد من الدول العربية لا سيما دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية لإتمام مصالحة بين الرئيس عباس ودحلان الذي بات يرأس ما أطلق عليه "التيار الإصلاحي بحركة فتح"، وتمكن خلال الأعوام الماضية من استقطاب أعداد كبيرة من عناصر الحركة الساخطين على أداء رئيس السلطة محمود عباس.
لم تفلح الجهود لإقناع عباس بإعادة دحلان إلى حركة فتح والسلطة، وبقي متمسكا بقرار فصله دون الرضوخ لكل الوساطات، مما أثر على علاقات السلطة الفلسطينية بمصر والإمارات.
وفي الفترة الأخيرة تنوعت الضغوط التي تعرض لها الرئيس عباس بين الداخلية الفلسطينية والعربية والدولية.
فعلى الصعيد الداخلي ازداد الانقسام داخل حركة فتح مما أضعفها وأثار مطالبات بإصلاحها وإعادة توحيدها، وزاد تراجع الشرعية الشعبية لرئيس السلطة من الضغط لإجراء إصلاحات تعيد الثقة بالنظام السياسي.
أما على الصعيد العربي، فقد أبدت كل من مصر والإمارات استياء من رفض عباس المصالحة مع دحلان، رغم أن الدولتين تدعمان وجود عباس لأنهما تريان فيه شخصية قادرة على لعب دور في استقرار غزة، ورغبتهما في رؤية قيادة جديدة.
وترى بعض الدول العربية أنه يجب إعادة الوحدة لحركة فتح للتعامل مع التغيرات الإقليمية بما في ذلك التطبيع العربي مع إسرائيل.
وعلى الصعيد الدولي، أرادت الولايات المتحدة بالتزامن مع إثارتها "صفقة القرن" في الفترة الأولى لولاية الرئيس دونالد ترامب أن تفرض قيادة فلسطينية تتماشى مع السياسات الأميركية.
بناء على قرار رئيس السلطة محمود عباس، سيعود إلى حركة فتح كل أعضاء قيادتها المفصولين منها وعلى رأسهم محمد دحلان وناصر القدوة، وسيزداد حضور القيادي الأسير مروان البرغوثي، لا سيما مع احتمال الإفراج عنه في المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل.
وقد يعني هذا أن الطموحات السياسية لقيادة حركة فتح والسلطة الفلسطينية ستعود لكثير من الشخصيات التي تم استبعادها خلال الفترة الماضية، وسينسحب البساط من تحت أقدام الشخصيات التي تهيأت لها الأسباب خلال الفترة الماضية لحجز مكان متقدم في التسلسل الهرمي للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.
ازدادت التخوفات من غياب خليفة واضح للرئيس عباس مع تقدمه في العمر، وهو الذي يقف على أبواب التسعينيات الآن، مما دفع أصواتا داخلية وخارجية إلى المطالبة بترتيب انتقال السلطة، بما في ذلك اقتراح تعيين نائب له.
واتخذ الرئيس عباس خلال السنوات الماضية قرارات عدة مخالفة للقانون الأساسي الفلسطيني، إذ تنص المادة (37) من القانون الأساسي المعدل لعام 2003 على أن يتولى رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة الوطنية في حال شغور المنصب، لمدة مؤقتة لا تزيد على 60 يوما تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقا لقانون الانتخابات الفلسطيني.
وبينما أفرزت الانتخابات التي أجريت في الأراضي الفلسطينية مطلع عام 2006 أغلبية من حركة حماس، أصدر رئيس السلطة بنهاية مارس/آذار من العام 2016 قرارا بتشكيل المحكمة الدستورية التي أصدرت بدورها قرارا في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2018 بحل المجلس التشريعي.
وعاد الرئيس عباس ليصدر إعلانا دستوريا في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2024 يتولى بموجبه رئيس المجلس الوطني الفلسطيني مهام رئيس السلطة مؤقتا في حال شغور مركزه، وذلك لحين إجراء الانتخابات الرئاسية.
ويأتي قرار الرئيس خلال القمة العربية الطارئة بتعيين نائب له، تماشيا مع رؤية دول المنطقة التي تريد مواجهة خطة تهجير سكان قطاع غزة، باتخاذ خطوات فعلية على الأرض تتماشى مع التوجه الأميركي الذي يريد ضخ دماء جديدة في السلطة الفلسطينية، وتولّي شخصيات جديدة زمام الأمر على أن تكون مقبولة لدى أميركا وإسرائيل.
ولعل القرار الذي اضطر عباس إلى اتخاذه بعد سنوات طويلة من تولّيه الحكم يعيد السيناريو ذاته الذي فرضته الولايات المتحدة على الرئيس الراحل ياسر عرفات، عندما أجبرته على استحداث منصب رئيس الوزراء عام 2003 بهدف سحب الصلاحيات منه، وتم حينذاك تكليف محمود عباس برئاسة الوزراء.
تعالت الأصوات الأميركية والأوروبية المطالبة بإحداث إصلاحات داخل السلطة الفلسطينية، وإعادة هيكلتها، وذلك بهدف استمرار التعامل معها ومواصلة دعمها المادي واللوجستي، مما يدلل على أن الرئيس عباس جاء بهذا القرار لإظهار استجابته لتلك المطالب، بعدما اتخذ خطوات سابقة بهذا الشأن.
وكان وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن قال مطلع يناير/كانون الثاني 2024 إنه بحث مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أهمية تنفيذ إصلاحات في السلطة الفلسطينية، لتتحمل مسؤولية الحكم في قطاع غزة.
وفي هذا الإطار، كلف الرئيس عباس في منتصف مارس/آذار 2024 محمد مصطفى بتشكيل حكومة تكنوقراط جديدة خلفا لحكومة محمد اشتية، والتي توصلت بدورها في 19 يوليو/تموز من العام الماضي إلى "إعلان نوايا" مع مفوضية الاتحاد الأوروبي يتيح تقديم دعم مالي عاجل مقابل تنفيذ الحكومة الفلسطينية حزمة إصلاحات مالية وإدارية لترشيد الإنفاق ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية.
تنظر مصر والأردن إلى خطة ترامب باعتبارها تهديدا وجوديا، لذلك سارعت وبوقت قياسي لتقديم بديل لخطته بتوافق عربي.
وتعتقد الدول العربية المحيطة بفلسطين أن الخطة البديلة تستوجب أن تتخذ السلطة الفلسطينية خطوات تتماشى مع الإجماع العربي ومقنعة للجانب الأميركي بما فيها تغييرات جذرية في السلطة الفلسطينية ومواقفها.
وظهر غضب الزعماء العرب جليا على الرئيس عباس عندما لم تتم دعوته للقمة المصغرة التي عقدت في الرياض الأسبوع الماضي، والتي تناقش أساسا القضية الفلسطينية، مما دفع رئيس السلطة إلى اتخاذ هذه القرارات في القمة العربية الطارئة بعدما شعر أنه يمكن أن يتم التخلي عنه.
وذهب الرئيس عباس من خلال تلك القرارات لتقديم السلطة الفلسطينية نفسها على أنها البديل الجاهز لحكم حماس في غزة، والقادرة على أن تكون مرجعية اللجنة التي ستتولى إدارة القطاع وإعادة إعماره، وذلك بعدما تعرضت سلطته لانتقادات حول فسادها.
ويبدو أن الحرب القاسية التي شنتها إسرائيل على غزة والضربات غير المسبوقة التي تلقتها حركة حماس واغتيال الصف الأول من قيادتها دفع الرئيس عباس إلى التحضير لليوم التالي لغياب حماس، لكن المفاجأة والأحداث والقرارات الأخيرة التي أعلنها في القمة العربية تشير إلى أن الدول العربية وبدعم دولي تدفع أيضا نحو تحضير المشهد الفلسطيني لليوم التالي لمحمود عباس.