في الوقت الذي يضغط فيه المجتمع الدولي والمعارضة المحلية في مالي لعودة الحياة السياسية وإنهاء الفترة الانتقالية، يبدو المجلس العسكري الحاكم غير مكترث بتلك الأصوات ويقرر المضي قدما في تحقيق ما سماه بالسيادة الاقتصادية واستعادة ثروات البلاد.
وبعد مجيئه عبر انقلاب أغسطس/آب 2020، طرح المجلس العسكري بزعامة الجنرال عاصيمي غويتا فكرة "تحرير البلاد بتحرير الاقتصاد" إذ أراد أن تكون المؤسسات المساهمة في تعبئة موارد الميزانية العامة تابعة للدولة، أو تملك فيها حصصا لا تنقص عن 30%.
بدأ في مراجعة العقود وإعادة التفاوض مع الشركات الأجنبية وخاصة العاملة في قطاع المناجم الذي يشكل أكثر من 70% من صادرات البلاد.
ويوم الخميس الماضي، أعلنت "شركة باريك غولد" الكندية العاملة في مجال تعدين الذهب أنها قامت بتسوية نزاعها مع السلطات في باماكو، حيث ستدفع 438 مليون دولار إلى خزينة الدولة المالية مقابل إطلاق الإفراج عن موظفيها المعتقلين بتهمة الاحتيال والتهرب الضريبي.
وفي سنة 2023 أصدرت الحكومة قانونا للتعدين يهدف إلى السيطرة على ثروة المناجم من خلال إلزام الشركات بالإفصاح عن حجم الإنتاج الفعلي من دون مغالطات.
واعتبرت الحكومة أن الشركات تحقق أرباحا كبيرة بينما تستغل العمالة المحلية في تشغيلها بمبالغ زهيدة، وتعمد إلى التهرب الضريبي عبر تقديم الرشوة لبعض المسؤولين.
ومن أبرز نتائج قانون التعدين الجديد في مالي ما يلي:
وفي وقت سابق، قال وزير الاقتصاد الحسيني سانو إن قانون التعدين الجديد سينعكس بتحسينات سنوية على ميزانية الدولة العامة التي تبلغ 500 مليار فرنك أفريقي (803 ملايين دولار).
ومع وصول المجلس العسكري للحكم أسس "شركة البحث واستغلال الموارد المعدنية" (سوريم) ودخلت العمل في مجال المعادن لتمثل توجه الدولة في تعزيز السيادة الاقتصادية، والعمل على منافسة الشركات الأجنبية في استخراج ثروة الذهب.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024 أصدرت الحكومة مرسوما بتأميم منجم "ياتيلا" بعدما وقعت عقد تنازل مع شركتي "أنغلوغولد أشانتي" الجنوب أفريقية، و"أمغولد" الكندية.
كما قامت السلطات بتغريم العديد من شركات تعدين الذهب واعتقلت مسؤولين كبارا في إداراتها مثل شركة "ريزولت ماينينغ" الأسترالية، وكذلك "بي تو غولد" و"روبيكس كولد" الكنديتين.
واعتقلت الحكومة الرئيس التنفيذي لشركة "ريزولت ماينيغ" الأسترالية واثنين من معاونيه نهاية العام 2024 بتهمة الاحتيال والتهرب الضريبي وغسيل الأموال.
كما احتجزت السلطات بداية العام الجاري 4 مسؤولين من شركة "باريك غولد" وأصدرت مذكرة اعتقال في حق مديرها التنفيذي مارك بريستو، وصادرت 3 أطنان من مخازنها.
وفي النهاية، اختارت أغلب هذه الشركات الاستجابة لمطالب الحكومة ودفعت غرامات مالية تصل في مجملها إلى قرابة 800 مليون دولار أميركي.
وفي مقابل المكاسب التي حققتها الحكومة من هذه الإجراءات، فإن أرباح الشركات تراجعت بشكل عام رغم التفاوت في الحجم، حيث وصل إنتاج الذهب في العام المنصرم إلى 51 طنا متريا، وهو ما يشكل انخفاضا بنسبة 23% مقارنة بالعام الماضي الذي وصل فيه إلى أزيد من 66 طنا.