تمديد توقيف الشقيقين المقدسيين محمود وأحمد مُنى إلى الغد، بعد اعتقالهما بتهمة وجود كتب تحريضية في المكتبة التي يمتلكانها في شارع صلاح الدين في #القدس pic.twitter.com/cfLWV0XO8r
— مؤسسة القدس الدولية (@Qii_Media) February 10, 2025
القدس المحتلة- خلال أسبوعين اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 3 مقدسيين يملكون مكتبات في البلدة القديمة من القدس ومحيطها، في خطوة اعتبرتها شخصيات مقدسية حلقة ضمن مسلسل تهويد المدينة ومحاصرة فكر سكانها الفلسطينيين.
فقد تعرض للاعتقال مالك "مكتبة القدس" هشام العكرماوي في الثاني من فبراير/شباط الجاري لمدة 11 يوما، قبل أن يفرج عنه بشرط الحبس المنزلي ودفع كفالة مالية وإغلاق مكتبته لمدة شهر.
كما اعتقلت قوات الاحتلال الأحد الماضي كلا من أحمد ومحمود منى -وهما مالكا "المكتبة العلمية"- لمدة يومين وأفرجت عنهما الثلاثاء بشرط الحبس المنزلي لمدة 5 أيام والإبعاد عن مكان عملهما لمدة 20 يوما.
ونددت أوساط مقدسية ومؤسسات رسمية فلسطينية والقنصلية الفرنسية في القدس بانتهاك الاحتلال للحريات، ودعت للتوقف عن ملاحقته المكتبات.
وتوجهت الجزيرة نت إلى ناصر عودة، محامي أحمد ومحمود منى -مالكي "المكتبة العلمية"- اللذيْن يملكان 3 أفرع، أحدها يحمل اسم "مقهى القدس الثقافي"، وسألته عن الادعاءات التي وجهها مندوبو الشرطة في المحكمة ضد المقدسييَّن، فقال إنهم "ادّعوا وجود شبهات بأعمال تخل بالنظام العام من خلال بيع كتب تحتوي على مواد تحريضية وهذا يمسّ بالأمن والسلم العام".
وعندما طلب المحامي عرض تفاصيل حول هذه الادعاءات أمام القاضي، رفض مندوبو الشرطة، لكنهم قالوا إن الشبهات تدور حول 8 كتب باللغات الإنجليزية والألمانية والعربية، والمادة الوحيدة التي عُرضت أمام المحكمة هي كرّاسة تلوين للأطفال تحمل عنوان "من النهر إلى البحر".
وفي ردّ المحامي على هذه الادعاءات، قال أمام قاضي المحكمة المركزية الإسرائيلية إن "اقتحام المكتبة ومصادرة الكتب واعتقال القائمين عليها هو جزء من الملاحقة السياسية والفكرية التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية في القدس".
وأضاف أن "ذلك يشكل سابقة أولى وخطيرة لهذه السياسات التي تحد بشكل كبير من حق المواطنين المقدسيين في التعبير عن أفكارهم، في محاولة للسيطرة على المعلومة والوعي للفلسطينيين بالمدينة (…) إن هذا يناقض القانون الإسرائيلي والمواثيق الدولية التي تكفل حق الفلسطينيين في التعبير عن آرائهم الفكرية والسياسية كسكان محميين وفقا للقانون الدولي".
استطلعت الجزيرة نت آراء مثقفين مقدسيين حول هذه الخطوة، من بينهم الأديب والكاتب إبراهيم جوهر الذي قال إن "هذه موجة أخرى من موجات التدمير، فبعد الشجر والحجر والبشر جاء دور الورق والكتاب والفكر".
"أنا ألقب هؤلاء (الإسرائيليين) بتلاميذ غوبلز، نسبة لبول يوزف غوبلز وزير الدعاية في عهد هتلر" أضاف الكاتب المقدسي.
وعند سؤاله إذا ما كانت الهجمة على المكتبات هي المسمار الأخير في نعش القطاع الثقافي بالقدس، أجاب جوهر أن "هذه واحدة من الحلقات في سلسلة تهويد المدينة وتهجير أهلها ومحاصرتها، وهناك حلقات أخرى قادمة ستنتهي حين تكون القدس خالية من أهلها والخلو هنا قد يكون من البشر أو الفكر".
"المكتبة العلمية واحدة من المؤسسات التي ينهض على عاتقها الكيان الثقافي المقدسي، وهي تمارس دورها كما يمارسه مركز يبوس الثقافي والمسرح الوطني (الحكواتي) والمؤسسات الأخرى، ومن هنا ربما جاء الحقد على هذه المكتبة وبقية المكتبات، فكل منها يمارس دوره في إدارة الوعي ودعوة الناس للتشبث بالأرض والقضية" يضيف جوهر.
وعن رؤيته لمستقبل القطاع الثقافي في القدس بعد هذه الخطوة، قال "أظن أن الثقافة قادرة على التحدي، فالمثقف هو متحد، والثقافة تعني الوقوف بوجه الظلام، وبالتالي لن تنجح أي وسيلة في محاربة الفكر والثقافة".
أما الكاتب محمود شقير، فاستهلّ حديثه بالإشارة إلى أهمية وجود المكتبات في القدس من أجل نشر المعرفة والثقافة، "وبالتالي فإن التضييق على أصحابها بالاعتقال أو بإغلاقها أمر مرفوض وغير منطقي ومدان".
وأشار شقير إلى أن الاحتلال يستهدف القطاع الثقافي منذ احتلال شرقي القدس عام 1967، رغم أنه يجب أن تتوفر مساحة للمكتبات والكتب والكُتّاب والمثقفين، لكن الواقع يتلخص باضطهاد الصحفيين والمثقفين ووضع تقييدات عديدة عليهم.
وفي وصفه لخطورة هذه الخطوة، اعتبرها شقير "مؤشرا جديدا على مدى التضييق على المواطنين المقدسيين من خلال المنابر الفكرية، في إطار هذه الحرب التي طالت، ويقصد منها تهجير الفلسطينيين من وطنهم".
وختم الكاتب المقدسي بالتساؤل "متى يحاصر الفكر؟ في زمن القمع والاضطهاد والعنصرية، ويحاصر الآن في ظل مخططات ممنهجة للتضييق على الشعب الفلسطيني".
وندد وزير الثقافة الفلسطيني عماد حمدان -في بيان صحفي- "بالاعتداء السافر على المكتبة العلمية، واقتحام فروعها والاستيلاء على الكتب التي تحمل العلم الفلسطيني، أو تلك التي تُصنّف تعسفياً على أنها مواد تحريضية".
وفي بيان وصل الجزيرة نت، استنكرت المكتبة الوطنية الفلسطينية الاعتداء الذي استهدف مكتبات القدس مؤخرا، واعتبرت ذلك خطوة تصعيدية خطيرة تستهدف المشهد الثقافي والفكري الفلسطيني.
وعدّت المكتبة الوطنيّة هذا الهجوم "جزءا من سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير البنية الثّقافيّة والتّعليميّة الفلسطينيّة في القدس، وإلى فرض الرّقابة القسرية على الإنتاج الفكري الفلسطيني، من خلال تجريم امتلاك كتب تُعبّر عن الهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة، حتّى لو كانت كتب أطفال أو مراجع تاريخيّة".
وأكدت في بيانها أن استهداف المكتبات واعتقال أصحابها يمثل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، وللحق في حرية التعبير والمعرفة، وهو امتداد لمحاولات الاحتلال المستمرة لطمس الذاكرة الوطنية وفرض روايته الأُحادية على المدينة المقدسة.
كما دانت القنصلية الفرنسية مداهمة شرطة الاحتلال المكتبة العلمية وقرار إغلاقها. واعتبرت -في تصريح لها على منصة إكس- أن "هذه الهجمات على مكتبة ومؤسسة ثقافية مرموقة في القدس تشكل انتهاكا صارخا لحرية التعبير والقيم الديمقراطية الأساسي".
الاحتلال يداهم مكتبتين بالقدس ويعبث بمحتوياتهما: بعد اقتحام مكتبة القدس قبل أكثر من أسبوع، اقتحمت قوات الاحتلال المكتبة العلمية في مدينة القدس واعتقلت صاحبيها بذريعة بيع كتب تحريضية. https://t.co/TLb0QgpfF8
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) February 10, 2025
ولم يستغرب المقدسيون الخطوة الجديدة المتمثلة بالهجمة على المكتبات، بل أعادت إلى أذهانهم الهجمة التي شنّتها العصابات الصهيونية على مكتبات الفلسطينيين الخاصة داخل منازلهم التي تم الاستيلاء عليها وسرقة محتوياتها إبّان نكبة عام 1948.
ومن بين هذه المكتبات مكتبة المقدسي خليل السكاكيني في منزله بحي القطمون غربي القدس، التي ودّعها ببضع كلمات بعد طرده من منزله قسرا حيث كتب: "الوداع يا مكتبتي.. يا دار الحكمة يا رواق الفلسفة يا معهد العلم يا ندوة الأدب.. كم أحييت فيك الليالي الطوال أقرأ وأكتب، الوداع يا كتبي النفيسة القيمة المختارة".
ونُقلت كتب السكاكيني إلى "المكتبة الوطنية الإسرائيلية" ووضعت في رفوف يشار إليها بعبارة "أملاك متروكة" في محاولة لتجميل الصورة، لكنها في الواقع سُرقت وأجري حولها عديد من الأبحاث والوظائف لباحثين وطلبة في الدرجات العلمية المختلفة.