تبدأ الثلاثاء في نيويورك محاكمة الشاب الأمريكي من أصول لبنانية هادي مطر، المتهم بمحاولة قتل الكاتب الأمريكي البريطاني سلمان رشدي طعنا في أغسطس/ آب 2022.
وسيحاكم مطر في محكمة مقاطعة تشوتاوكوا حيث ستتوجه وسائل الإعلام العالمية إلى بلدة مايفيل الصغيرة لمتابعة القضية.
وعقب اختيار هيئة المحلفين في محكمة مقاطعة تشوتاوكوا، بدأ المدعون العامون في اطلاع هيئة المحلفين الإثنين على تفاصيل تسلل مطر إلى المكان الذي كان رشدي يلقي فيه محاضرة، قبل أن ينقض على مؤلف "آيات شيطانية"، ويفقده البصر في إحدى عينيه.
ويُحاكم مطر (27 عاماً)، وهو أمريكي من أصول لبنانية بتهمة الشروع في القتل والاعتداء، على خلفية الهجوم الذي وقع في تجمع فني في غرب ولاية نيويورك، كما يواجه محاكمة منفصلة بتهمة "الإرهاب باسم حزب الله" في محكمة فيدرالية.
وكان مطر دفع أمام المحاكم المحلية ببراءته من تهمتَي "محاولة القتل" و"الاعتداء"، وهو يواجه احتمال الحكم عليه بالسجن مدة 25 عاماً.
ومن المتوقع أن يركز المدعون على آليات الهجوم ومقاطع الفيديو الوفيرة وأدلة شهود العيان، بدلاً من الدافع الإيديولوجي لمطر، حسبما ذكرت وسائل إعلام أمريكية.
وأصبح مطر ملاحقاً على المستوى الفدرالي بثلاث تهم بينها "دعم منظمة إرهابية أجنبية"، وفق وثيقة قضائية صادرة بتاريخ 17 يوليو/ تموز أعلنتها المحكمة الفدرالية لغرب ولاية نيويورك.
في مستهل ندوة أدبية على ضفاف البحيرات العظمى غرب ولاية نيويورك على الحدود مع كندا، تعرّض رشدي المولود في الهند للطعن على يد مطر حوالى عشر مرات في العنق والوجه والبطن، قبل أن تتم السيطرة على المهاجم.
وبعد فترة علاج مطولة، فقد سلمان رشدي البالغ 77 عاماً النظر في إحدى عينيه.
وكان رشدي قد أثار موجة من الغضب في العالم الإسلامي بعد صدور كتابه "آيات شيطانية" في العام 1988، والتي أصدر على إثرها مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله الخميني فتوى بهدر دمه في 14 فبراير/ شباط 1989.
واضطُر رشدي عقبها إلى التواري تحت حراسة أمنية والانتقال من مخبأ إلى مخبأ.
وبعدما عاش في مدينة نيويورك لأكثر من 20 عاماً وحصل على الجنسية الأمريكية، استعاد حرية الحركة في السنوات الأخيرة، حتى أنه قال إنه بدأ يشعر بالأمان مجدداً في الولايات المتحدة، وذلك قبل الهجوم عليه في صيف 2022.
أمّا طهران، فقد نفت أي تورط لها في الهجوم. وقالت إن رشدي يتحمل مسؤولية الحادث.
وبعد أيام قليلة من الأحداث، أجرت صحيفة نيويورك بوست مقابلة مع هادي مطر من سجنه أقر فيها بأنه "فوجئ" بنجاة سلمان رشدي. ولم يقل ما إذا كان قد استلهم من الفتوى التي أصدرها الخميني لكنه أشار إلى أنه "لم يكن يحبه" وانتقده لأنه "هاجم الإسلام".
وبحسب والدته التي تحدثت لموقع "ديلي ميل"، فإنه عاد "متغيراً" وأكثر تديناً بعد رحلة قام بها عام 2018 إلى لبنان.
ويقول مراسلنا كسرى ناجي، إنه أول من نبه سلمان رشدي، عن طريق وكيله الأدبي، إلى الفتوى الصادرة ضده في طهران في الرابع عشر من فبراير/شباط 1989.
ويوضح أنه فور سماعه إعلان الفتوى على إذاعة طهران، اتصل بوكيل رشدي، على أمل الحصول على رد فعل. لكنه لم يرد قط وسرعان ما اختبأ.
وجاء في الفتوى، وفق ناجي، "لقد حكم آية الله الخميني على رشدي، إلى جانب ناشريه ومحرريه، بالموت.. أدعو كل المسلمين إلى قتلهم دون تأخير".
وبصفتي منتجاً مبتدئاً في بي بي سي الفارسية في لندن، كنت أتابع نشرة الأخبار اليومية في إذاعة طهران الحكومية.
يؤكد أن إيران شهدت احتجاجات ضد كتاب آيات شيطانية، وأنها كانت المرة الأولى التي تستهدف فيها إيران مؤلفاً أجنبياً.
وحاول الدبلوماسيون الإيرانيون التقليل من شأن الفتوى، ولكن رجال الدين لم يلغوها أبداً. آية الله علي خامنئي، قال "الفتوى تشبه السهم الذي انطلق من القوس، سوف يصيب هدفه عاجلاً أم آجلاً".
والعام الماضي، نشر رشدي مذكرات بعنوان "السكين" روى فيها تجربته مع محاولة قتله.
وكتب رشدي في مذكراته "لماذا لم أقاتل؟ لماذا لم أركض؟ وقفت هناك فقط … وتركته يسحقني".
وتابع "لم أشعر بأن الأمر درامي أو فظيع بشكل خاص. لقد شعرت فقط أنه محتمل.. أمر واقع".
وأوضح رشدي في مذكراته أن الهجوم لم يغير وجهة نظره بشأن أشهر أعماله. بل أكد أنه "فخور بالعمل الذي أنجزه، وهذا يشمل إلى حد كبير رواية آيات شيطانية".
ونشر رشدي المولود في بومباي في يونيو/ حزيران 1947، روايته الأولى "غريموس" في عام 1975، وحصل على جائزة بوكر العريقة في العام 1981 عن رواية "أطفال منتصف الليل" التي تتناول مسيرة الهند من الاستعمار البريطاني إلى الاستقلال والانقسام.
ورفعت محكمة هندية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، الحظر الذي كان يمنع بموجبه نشر كتاب "آيات شيطانية" لسلمان رشدي منذ صدوره.
وبعد أقلّ من شهر من صدور "آيات شيطانية"، منع رئيس الوزراء الهندي آنذاك راجيف غاندي بيعه في البلد، عشيّة انتخابات كان يسعى فيها إلى استقطاب أصوات الأقلّية المسلمة.
ولم يُطرح يوماً كتاب "آيات شيطانية" للبيع في مكاتب الهند، وفق وكالة فرانس برس.
وغير أن محكمة نيودلهي رفعت الحظر الذي كان يطال الكتاب بعد قضّية أحالها عليها قارئ يرغب في مطالعته.
ومن دون التطرّق إلى الأسباب، خلص القضاة إلى أن أيّاً من الطرفين لم يتسنّ له تقديم نسخة عن بلاغ الحظر. وقالوا في قرارهم "ليس لنا خيار سوى الافتراض أن البلاغ ليس موجوداً".