في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يروي جهاد خليل العقاد -من مدينة حماة الواقعة وسط سوريا- قصة اعتقاله مع ابنته من قبل أجهزة أمن النظام المخلوع بسبب اتصال هاتفي أجراه مع قريب له رغم أن الطرف الآخر لم يرد عليه.
وربما سبب الاعتقال ليس غريبا على أجهزة النظام التي عانى السوريون من قمعها على مدار عقود، ولكن الفريد أن حسن حظ جهاد وابنته كان أن موعد اعتقالهما سبق وصول قوات ردع العدوان إلى حماة بيوم واحد قبل أن تلحقهما إلى العاصمة دمشق بعد أن تم ترحيلهما إليها حيث أطلق سراحهما من سجون النظام هناك مع الآلاف من المعتقلين.
ولمدينة حماة تاريخ طويل من الصراع مع حكم آل الأسد، مما جعل أهلها عرضة للقمع على مدى حكم حافظ الأسد وابنه بشار، إذ شهدت المدينة عام 1982 واحدة من أسوأ المجازر في تاريخها حين قصفها جيش الأسد بالأسلحة الثقيلة، وقتل عشرات الآلاف وارتكب جرائم وحشية بحق المدنيين.
ومنذ ذلك الوقت، صبّت الأجهزة الأمنية تركيزها على أهالي المدينة بملاحقتهم والتجسس عليهم ومضايقتهم، ومع اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011، عادت مخابرات الأسد للتضييق على المدينة واعتقال عدد كبير من أبنائها.
وخلال جولة الجزيرة نت في حماة، روى لنا جهاد العقاد حادثة اعتقاله المؤلمة مع ابنته التي تبلغ من العمر 15 عاما قبل يوم واحد من تحرير المدينة ودخول قوات "ردع العدوان" إليها في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويقول جهاد "اعتقلت في 4 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي بعد أن رصدت أجهزة المخابرات في عهد الأسد اتصالاً مني بابن خالتي، ولكنه لم يجب عليه لأنه كان مشاركا في القتال مع الجيش السوري الحر. وتم رصد هذا الاتصال ومراقبتي، ومن ثم اعتقالي بتهمة التخابر مع الإرهابيين".
ويضيف "دخلوا علي، طبعا ليس من باب البيت، بل تسلقوا من على سطوح الجيران ونزلوا إلى شقتي. أنا أسكن في الطابق الأخير، والأسطح متلاصقة. وبعد صلاة الفجر، اقتحموا البيت وتم اعتقالي أنا وابنتي. سرقوا الهواتف الخمسة الموجودة في البيت، بالإضافة إلى جهاز الحاسوب المحمول الخاص بي".
ويتابع "اعتقلوا ابنتي لأنهم وجدوا في هاتفها فيديو لإعلامي يحذر أهالي حماة من أن الجيش الحر قد يصل في أي لحظة، ويطلب منهم الاستعداد".
وعن لحظة الاعتقال، يقول "أخذوني فورا إلى السيارة، وعيناي معصوبتان ويداي مكبلتان. واقتادوني إلى فرع المخابرات الجوية عند دوار بلال. وكانت ابنتي معي في ذلك الوقت".
ويصف تجربة الاعتقال قائلا "تم اعتقالي بعد صلاة الفجر، وحوالي الساعة السابعة والربع نقلوني إلى دمشق، إلى مطار المزة العسكري. ولم أكن أعرف أنني في المطار حتى خرجت منه. وفي التحقيقات سألوني إن كنت أعرف أي فرع مخابرات، فأجبت بالنفي".
وعن ظروف الاحتجاز، يقول "وضعوني في زنزانة انفرادية. وكان السجانون يجلسون بجانب باب زنزانتي، وكنت أسمع حديثهم من خلال الفتحات السفلية في الباب الحديدي. وكانت معنوياتهم منخفضة، وهذا ما كان يريحني نوعا ما".
وعن لحظة الإفراج، يختم "عندما جاء وقت الإفراج، لم يكن هناك أي ضابط أو جندي، فقط العميد. رفضنا الخروج دون بقية السجناء. قمنا بكسر الأقفال وإخراج بقية المعتقلين. وكانت لحظة مؤثرة عندما رأيت والدي. خرجنا جميعا وبقينا مع رفاقنا الذين كانوا معنا في السجن".
وتروي سارة العقاد، الفتاة المعنية بالحادثة -للجزيرة نت- تفاصيل تجربتها المريرة مع قوات الأمن، إذ بدأت الحادثة باعتقال والد سارة، وتبعه اقتحام منزل العائلة، وتقول سارة "لم يدخلوا من الباب الرئيسي، بل تسللوا عبر الأسطح. فتشوا غرفنا والمنزل بأكمله، واستولوا على هاتفي المحمول".
وتصف سارة لحظة اعتقالها بقولها "أخذوني أمام أمي وأخواتي. قالوا لي إن أبي يريد رؤيتي، وإنه طلب إحضاري لشدة تعلقه بي" ولم يُسمح لها بارتداء ملابسها المناسبة أو تغطية رأسها بشكل لائق، وفق ما تقول.
وفي طريقهم إلى الفرع الأمني، تم إجبار سارة على خفض رأسها طوال الوقت. والتقت بوالدها في السيارة، لكن سرعان ما تم فصلهما.
وعند الوصول إلى الفرع الأمني، بدأت جلسات التحقيق. وتقول سارة "كان التحقيق الأول صعبا للغاية. أخبروني أنني في فرع المخابرات، وحاولوا إجباري على الإدلاء باعترافات كاذبة ضد أبي".
واستمر احتجاز سارة لمدة 4 أيام، خضعت خلالها لعدة جلسات تحقيق. وتصف الظروف داخل المعتقل بأنها كانت مضطربة، مع وجود تواصل محدود بين المعتقلين.
واليوم الرابع، حدث تحول مفاجئ، تقول سارة "كان الوضع مضطربا، وفجأة تم إبلاغنا بإطلاق سراحنا". لكن عملية الإفراج لم تكن سلسة، إذ واجه المعتقلون صعوبات في الخروج من الزنازين.
وتختتم المعتقلة المفرج عنها روايتها بلحظة مؤثرة "عندما تمكنا أخيرا من فتح زنزانة الرجال، وجدت أبي. كانت لحظة لا تُنسى".
وتعد هذه الحادثة واحدة من مئات آلاف الحوادث التي تسلط الضوء على واقع الاعتقالات التعسفية في سوريا بعهد حكم آل الأسد، وتبرز معاناة المدنيين، خاصة القاصرين، في ظل الظروف الأمنية المعقدة.