آخر الأخبار

أين تتجه إيران بعد انهيار "محور المقاومة"؟

شارك الخبر
مصدر الصورة

وسط الزجاج المحطم والأعلام التي ديست بالأحذية، تناثرت صور المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي ممزقة على أرضية السفارة الإيرانية في دمشق، وهناك صور ممزقة أيضاً للأمين السابق لجماعة حزب الله اللبنانية، حسن نصر الله، الذي قُتل في غارة جوية إسرائيلية على بيروت في سبتمبر/أيلول الماضي.

في الخارج، مازال البلاط الفيروزي المزخرف على واجهة السفارة سليماً، ولكن الصورة العملاقة المشوهة لقائد الحرس الثوري الإيراني السابق ذي النفوذ الواسع قاسم سليماني، الذي قُتل بأوامر من دونالد ترامب خلال رئاسته الأولى، هي تذكير آخر بسلسلة الضربات التي واجهتها إيران، والتي بلغت ذروتها يوم الأحد الماضي بسقوط حليف رئيسي، هو الرئيس السوري بشار الأسد.

وفي الوقت الذي تلعق فيه الجمهورية الإسلامية جراحها وتستعد لرئاسة جديدة بقيادة دونالد ترامب، فهل تقرر اتباع نهج أكثر تشددا أم أنها ستجدد المفاوضات مع الغرب؟ وإلى أي مدى يُعد النظام مستقرا؟

قصة وزارة الاستخبارات الإيرانية التي صعدت حربها ضد الموساد وأجهزة مخابرات إسرائيلية

"إنهاء نظام خامنئي الخيار الوحيد أمام إسرائيل في صراعها مع إيران" – يديعوت أحرونوت

مصدر الصورة

في أول خطاب له بعد الإطاحة بالأسد، كان خامنئي يتظاهر بالشجاعة في مواجهة الهزيمة الاستراتيجية، والآن بعد أن بلغ من العمر 85 عاماً، يواجه تحدي الخلافة الوشيك، بعد أن ظل في السلطة العليا في إيران منذ عام 1989.

وأضاف قائلا: "إن إيران قوية وستصبح أقوى".

وأكد أن التحالف الذي تقوده إيران في الشرق الأوسط، والذي يضم حماس وحزب الله والحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية العراقية، "محور المقاومة" ضد إسرائيل، سوف يتعزز أيضا.

وقال: "كلما زادت الضغوط، تصبح المقاومة أقوى، وكلما زادت الجرائم التي ترتكب ضدها تصبح أكثر تصميماً، وكلما حاربتها، يتسع نطاقها".

ولكن الهزات الإقليمية التي أعقبت الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023، والذي أشادت به إيران إن لم تكن دعمته، تركت النظام في حالة من الترنح.

لقد أدى رد إسرائيل على أعدائها إلى خلق مشهد جديد في الشرق الأوسط، حيث أصبحت إيران في موقف دفاعي للغاية.

ويقول جيمس جيفري، الدبلوماسي الأمريكي السابق ونائب مستشار الأمن القومي، والذي يعمل الآن في مركز ويلسون للأبحاث غير الحزبي: "لقد سقطت كل أحجار الدومينو".

ومضى قائلا:"لقد سحقت إسرائيل محور المقاومة الإيراني، والآن تم تفجيره بسبب الأحداث في سوريا، ولم يعد لإيران أي وكيل حقيقي في المنطقة سوى الحوثيين في اليمن".

ولا تزال إيران تدعم الميليشيات القوية في العراق المجاور. ولكن وفقاً لجيفري: "فإن هذا انهيار غير مسبوق لقوة إقليمية مهيمنة كإيران".

وكان آخر ظهور علني للأسد في اجتماع مع وزير الخارجية الإيراني في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري، عندما تعهد بـ "سحق المتمردين" الذين يتقدمون نحو العاصمة السورية، وقال الكرملين إنه موجود الآن في روسيا بعد فراره من البلاد.

لقد وصف السفير الإيراني في سوريا حسين أكبري الأسد بأنه "الواجهة الأمامية لمحور المقاومة"، ولكن عندما حانت نهاية بشار الأسد، لم تتمكن إيران التي تم إضعافها، والتي أصابها الذهول بسبب الانهيار المفاجئ لقواته، موجودة للقتال من أجله، ولم تكن راغبة في ذلك.

وفي غضون أيام قليلة، اختفت الدولة الأخرى الوحيدة في محور المقاومة (دولة الأسد) والتي كانت تمثل العمود الفقري له.

كيف بنت إيران شبكتها؟

لقد أمضت إيران عقوداً من الزمن في بناء شبكتها من الميليشيات للحفاظ على نفوذها في المنطقة، فضلاً عن الردع ضد الهجمات الإسرائيلية، ويعود تاريخ العمل على بناء هذه الشبكة إلى عام 1979 عندما اندلعت الثورة الإسلامية في إيران.

وفي الحرب مع العراق التي تلت ذلك، دعم حافظ الأسد، والد بشار، إيران.

لقد ساعد التحالف بين رجال الدين الشيعة في إيران وأسرة الأسد (التي تنتمي إلى الطائفة العلوية، وهي فرع من الإسلام الشيعي) في ترسيخ قاعدة القوة الإيرانية في الشرق الأوسط الذي يهيمن عليه السنة.

وكانت سوريا أيضًا بمثابة طريق إمداد حيوي لإيران لحليفها في لبنان، حزب الله، وغيره من الجماعات المسلحة الإقليمية.

لقد سبق لإيران أن هبَّت لمساعدة الأسد من قبل، فعندما بدا الأسد ضعيفاً بعد أن تحولت الانتفاضة الشعبية في عام 2011 إلى حرب أهلية، زودته طهران بالمقاتلين والوقود والأسلحة، وقُتِل أكثر من ألفي جندي وجنرال إيراني هناك أثناء خدمتهم ظاهرياً كـ"مستشارين عسكريين".

وتقول الدكتورة سنام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاتام هاوس للأبحاث: "نعلم أن إيران أنفقت ما بين 30 و50 مليار دولار في سوريا منذ عام 2011 ".

والآن تم قطع الطريق الحيوي الذي من الممكن أن تحاول إيران من خلاله في المستقبل تزويد حزب الله في لبنان وربما آخرين بالإمدادات اللازمة.

وترى الدكتورة فاكيل أن "محور المقاومة كان عبارة عن شبكة انتهازية مصممة لتزويد إيران بعمق استراتيجي وحمايتها من الضربات والهجمات المباشرة، ولكن هذه الاستراتيجية فشلت بوضوح".

وسوف تتأثر حسابات إيران لما يجب أن تفعله في المرحلة التالية ليس فقط بزوال الأسد، بل وأيضاً بحقيقة أن جيشها خرج أسوأ كثيراً من إسرائيل في المواجهات المباشرة الأولى على الإطلاق بين البلدين في وقت سابق من هذا العام.

لقد تم اعتراض أغلب الصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران على إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على الرغم من أن بعضها تسبب في أضرار لعدة قواعد جوية فيما تسببت الضربات الإسرائيلية في أضرار جسيمة للدفاعات الجوية الإيرانية وقدرات إنتاج الصواريخ. ويقول جيفري: "لقد ثبت أن التهديد الصاروخي مجرد نمر من ورق".

وكان اغتيال زعيم حماس السابق إسماعيل هنية في طهران في يوليو/تموز الماضي بمثابة إحراج عميق لإيران.

التوجه المستقبلي للبلاد

تُعد الأولوية الرئيسية للجمهورية الإسلامية من الآن فصاعدا هي بقاؤها. وتقول الدكتورة فاكيل: "ستسعى إيران إلى إعادة تموضع نفسها، وتعزيز ما تبقى من محور المقاومة، وإعادة الاستثمار في العلاقات الإقليمية من أجل البقاء في مواجهة الضغوط التي من المرجح أن يمارسها ترامب".

لقد أمضى دينيس هوراك 3 سنوات في إيران بصفته القائم بالأعمال الكندي. ويقول: "إن النظام الإيراني يتمتع بقدرة هائلة على الصمود، ولديه أدوات هائلة للقوة، ويمكنه أن يطلق العنان لقدر أعظم من القوة".

ويؤكد أن إيران لا تزال تمتلك قوة نيرانية قوية، يمكن استخدامها ضد دول الخليج العربية في حالة المواجهة مع إسرائيل. ويحذر من الاستهانة بقوة إيران.

ولكن هذه القوة ضعفت بشدة على المستوى الدولي في وقت يتولى فيه دونالد ترامب، الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، رئاسة الولايات المتحدة، وفي وقت أثبتت فيه إسرائيل قدرتها على إيذاء أعدائها.

وتقول الدكتورة فاكيل: "من المؤكد أن إيران ستعيد تقييم عقيدتها الدفاعية التي كانت تعتمد في المقام الأول على محور المقاومة".

وأضافت قائلة: "سوف تدرس أيضا برنامجها النووي وتحاول أن تقرر ما إذا كان من الضروري زيادة الاستثمار في هذا البرنامج لتوفير قدر أكبر من الأمن للنظام".

الإمكانات النووية

تصر إيران على أن برنامجها النووي سلمي بالكامل، لكن هذا البرنامج أحرز تقدما كبيرا منذ تخلى دونالد ترامب عن الاتفاق الذي تم التفاوض عليه بعناية في عام 2015، والذي حد من أنشطتها النووية مقابل رفع بعض العقوبات الاقتصادية.

وبموجب الاتفاق، سُمح لإيران بتخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء 3.67 في المئة، ويمكن استخدام اليورانيوم المنخفض التخصيب لإنتاج الوقود لمحطات الطاقة النووية التجارية. وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إن إيران تزيد الآن بشكل كبير من المعدل الذي يمكنها به إنتاج اليورانيوم المخصب إلى 60 في المئة.

وقالت إيران إنها تفعل ذلك رداً على العقوبات التي أعاد ترامب فرضها والتي ظلت سارية بينما حاولت إدارة بايدن دون جدوى إحياء الاتفاق.

واليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة، والذي تحتاجه القنبلة النووية، يجب أن يكون مخصبًا بنسبة 90 في المئة أو أكثر.

وأشار رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إلى أن ما تفعله إيران قد يكون ردا على انتكاساتها الإقليمية.

وتقول داريا دولزيكوفا، الخبيرة في مجال الانتشار النووي في معهد الخدمات المتحدة الملكي للأبحاث: "إن الوضع مثير للقلق، فالبرنامج النووي الإيراني أصبح في وضع مختلف تماما عما كان عليه في عام 2015".

مصدر الصورة

وتشير التقديرات إلى أن إيران قادرة الآن على تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لصنع سلاح في غضون أسبوع تقريبا، إذا قررت ذلك، على الرغم من أنها ستحتاج أيضا إلى بناء رأس حربي وتركيب نظام تسليم، وهو ما يقول الخبراء إنه قد يستغرق شهورا أو ربما يصل إلى عام.

وتضيف دولزيكوفا قائلة: "نحن لا نعلم مدى اقترابهم من امتلاك سلاح نووي قابل للاستخدام، ولكن إيران اكتسبت قدراً كبيراً من المعرفة".

ويقول الدكتور راز زيمت، كبير الباحثين في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي وجامعة تل أبيب: "من الواضح أن ترامب سيحاول إعادة فرض استراتيجيته المتمثلة في ممارسة أقصى درجات الضغط على إيران".

وأضاف قائلا: "لكنني أعتقد أنه سيحاول أيضاً إشراك إيران في مفاوضات جديدة لمحاولة إقناعها بالتراجع عن قدراتها النووية".

وعلى الرغم من رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المعلنة في تغيير النظام، يعتقد الدكتور زيمت أن إسرائيل سوف تنتظر الوقت المناسب، وتنتظر لترى ما سيفعله دونالد ترامب وكيف سترد إيران.

ومن غير المرجح أن ترغب إيران في إثارة مواجهة شاملة.

ويقول ناصر هديان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران: "أعتقد أن دونالد ترامب، كرجل أعمال، سيحاول التواصل مع إيران وإبرام صفقة معها".

ومضى قائلا: "إذا لم يحدث ذلك، فإنه سيلجأ إلى ممارسة أقصى قدر من الضغط من أجل تحقيق الهدف".

ويعتقد أن التوصل إلى اتفاق هو أكثر احتمالا من الصراع، لكنه يضيف: "هناك احتمال أنه إذا سعى إلى ممارسة أقصى قدر من الضغط، فإن الأمور قد تسوء ونحصل على حرب لا يريدها أي من الطرفين".

"تصاعد الغضب الشعبي"

وتواجه الجمهورية الإسلامية أيضًا مجموعة من التحديات الداخلية، في إطار استعدادها لخلافة المرشد الأعلى علي خامنئي.

وتقول الدكتورة فاكيل: "خامنئي يذهب إلى السرير وهو قلق بشأن إرثه وانتقال السلطة ويبحث عن ترك إيران في مكان مستقر".

لقد تعرض النظام لاهتزاز شديد بسبب الاحتجاجات التي اندلعت على مستوى البلاد في عام 2022 عقب وفاة الشابة مهسا جينا أميني، والتي اتُهمت بعدم ارتداء الحجاب بشكل صحيح.

وشكلت الانتفاضة تحديًا لشرعية المؤسسة الدينية، وتم سحقها بقوة وحشية.

ولا يزال الغضب الشعبي يتصاعد على نطاق واسع ضد النظام الذي أنفق موارده على الصراعات في الخارج بينما يواجه العديد من الإيرانيين البطالة ويكافحون مع ارتفاع معدلات التضخم.

وأصبح جيل الشباب في إيران، على وجه الخصوص، أكثر انفصالاً عن الثورة الإسلامية، حيث يشعر العديد منهم بالاستياء من القيود الاجتماعية التي يفرضها النظام. وفي كل يوم، لا تزال النساء يتحدين النظام، ويخاطرن بالاعتقال إذا خرجن دون تغطية شعرهن.

ولكن هذا لا يعني أن النظام سوف ينهار على نحو مماثل للانهيار الذي حدث في سوريا، كما يقول مراقبو الوضع في إيران.

ويقول جيفري: "لا أعتقد أن الشعب الإيراني سوف يثور مرة أخرى لأن إيران فقدت إمبراطوريتها، والتي لم تكن تحظى بشعبية على أي حال".

ويعتقد هوراك أن تسامح النظام مع المعارضة سوف ينخفض أكثر فأكثر في ظل محاولته تعزيز أمنه الداخلي. ولكن لا يعتقد هوراك أن النظام معرض للخطر في الوقت الحالي، ويقول: "إن الملايين من الإيرانيين لا يؤيدون هذا النظام، ولكن الملايين منهم ما زالوا يؤيدونه، ولا أعتقد أن هذا النظام معرض لخطر السقوط في أي وقت قريب".

ولكن مع تعاملها مع الغضب في الداخل، فإن خسارة دعامتها في سوريا، بعد العديد من الضربات الأخرى لنفوذها الإقليمي، جعلت مهمة حكام إيران أكثر صعوبة.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل سوريا روسيا أمريكا

إقرأ أيضا