تركز جولة الصحف، الجمعة، على الحدث الذي يجذب الأنظار في الشرق الأوسط والعالم، وهو سقوط حكم الأسد في سوريا، وردود الفعل المختلفة، إقليمياً ودولياً، وتناقش الصحف العالمية والعربية أيضاً أدوار هيئة تحرير الشام في المستقبل.
يروي سامر العطروش في مقال في صحيفة "التايمز" البريطانية بعنوان "من هو أبو محمد الجولاني؟ زعيم سوري مهذب يعود إلى المنزل"، قصة عودة القيادي في هيئة تحرير الشام أحمد الشرع إلى منزله في دمشق.
ففي الوقت الذي كانت فيه قوات المعارضة تسيطر على دمشق وتفرج عن السجناء، كان لدى أبو محمد الجولاني مهمة شخصية: "أراد العودة إلى المنزل"، وفق العطروش.
صعد الشرع إلى الطابق العاشر من بناية في منطقة المزة في دمشق عبر مصعد، برفقة أربعة حراس مسلحين، وقرع جرس أحد الأبواب.
كان وصول الشرع بمثابة صدمة للمهندس الميكانيكي أحمد سليمان وزوجته، ساكني الشقة الحاليين، ووفقاً لحارس المبنى، عامر، الذي حضر المشهد، كان الجولاني "مهذباً للغاية".
سأل الشرع: "هل تمانع في إخلاء هذه الشقة؟" "كما ترى، فإن والديّ لديهما ذكريات جميلة عن هذا المكان ويرغبان في العودة إليها."
يقول العطروش: "تغير كل شيء في سوريا في غضون ساعات قليلة صباح يوم الأحد. بالنسبة للأزواج مثل سليمان وزوجته، كانت لحظة مخيفة. حصل الزوجان على الشقة من قبل نظام الأسد، الذي صادر الممتلكات بعد أن أصبحت هوية الشرع كزعيم مسلح معروفة وهرب والداه إلى مصر".
ونقل العطروش عن هيئة تحرير الشام، التي تشارك في السيطرة الآن على سوريا، قولها بعدم حاجة أحد للخوف على مستقبله، ما لم تكن يديه ملطخة بالدماء.
وتقول الجماعة إن استعادة الحقوق - بما في ذلك حقوق الملكية - سيتم الإشراف عليها سلمياً، وأشار العطروش في مقالته إلى إمهال الشرع لسليمان عدة أيام لحزم أمتعته.
يرى الكاتب أن الشرع الذي كان حتى الأسبوع الماضي بمثابة عدو لسوريا، يحاول الآن ترسيخ سمعته كجهادي متسامح، على الرغم من ماضيه في القتال لصالح تنظيم القاعدة في سوريا والعراق.
يرى الكاتب أن عودة الشرع للمزة، غريبة للغاية، فهي ترتبط في أذهان كثيرين بـ"نظام الأسد"، فهي المكان الذي يعيش فيه كبار المسؤولين ورجال الأعمال الأثرياء، بالقرب من المطار العسكري من جهة وقطاع مليء بالوزارات.
يقول الكاتب إن "صورة الشرع كإرهابي مخيف، والتي تبثها وسائل الإعلام الحكومية، يصعب تجاهلها، ولكن من الصعب تجاهل فكرة المقاتل من أجل الحرية الذي أطاح بنظام مكروه على نطاق واسع، والذي انهارت سمعته في نهاية المطاف حتى في المناطق الموالية".
وفي صحيفة القدس العربي يناقش الكاتب يحيى الكبيسي في مقال "عملية الانتقال في سوريا والدرس العراقي!"، فكرة المقارنة بين التجربتين العراقية والسورية بعد انهيار حكم حزب البعث في البلدين.
يعتقد الكبيسي أن "السوريين لم يتعلموا من درس العراق الأول وهو أن الجيوش التي يتم تطويع عقيدتها لحماية الأنظمة، وليس الأوطان، تسقط مع سقوط النظام نفسه. وسيدفعون ثمناً أكبر إذا لم يتعلموا من درس العراق الثاني وهو الفشل في بناء النظام السياسي، وبناء الدولة، وبناء القوات العسكرية والأمنية".
ويرى الكاتب أن نجاح هيئة تحرير الشام في إدارة سوريا مسألة مختلفة عن إدارة إدلب التي نجحت الهيئة فيها إلى حد كبير في إدارتها عندما شكلت "حكومة الإنقاذ".
ودعا إلى أن يتعلم السوريون من "درس فشل المعارضة العراقية، وألّا يقعوا في الخطايا التي حكمت بناء الدولة العراقية".
"لا يمكن لهيئة تحرير الشام أن تحتكر حكم سوريا، وهي لا تملك القوة الذاتية أصلاً لكي تفرض ذلك حتى لو أرادت"، يقول الكاتب الكبيسي.
وقال إن "الدول لا تُبنى بمنطق القوة، ولا بمنطق الغلبة، بل تبنى فقط بالتوافق بين أبنائها، وشعورهم بأنهم مواطنون لديهم الحقوق نفسها. وعليهم أن يتعلموا أنه في الدول ذات المجتمعات التعددية إثنياً ودينياً ومذهبياً، مثل سوريا، لا يمكن لأي جهة أن تحتكر السلطة، وأن تفرض هوية أحادية".
"الدول لا يمكن لها أن تبنى، أو أن تستقر، إلا إذا حظيت باعتراف مواطنيها جميعا بسلطتهم عليها"، يختم الكبيسي.
وكتب شادي حامد في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية مقالاً بعنوان "الأسد كان الشيطان الذي نعرفه، لكنه لا يزال الشيطان".
يرى حامد أن المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين على مدى عقود من الزمان، كانوا غير مرتاحين للفوضى الحتمية التي يفرضها التغيير الديمقراطي، مضيفاً "هذا هو السبب بالتحديد وراء تقويضهم للحركات المؤيدة للديمقراطية في العالم العربي، بما في ذلك من خلال دعم الحلفاء الاستبداديين بمليارات الدولارات في هيئة مساعدات عسكرية".
وقال حامد إن "الدروس المستفادة من سقوط بشار الأسد الذي ظل في السلطة لنحو ربع قرن مدمرة، ولكنها أيضاً دروس لا يبدو أن الولايات المتحدة وحلفائها يتعلمونها أبداً".
ويشير الكاتب إلى تحرك الحكومات العربية "بحماس" وحتى قبل مدة قصيرة نحو تطبيع العلاقات مع حكم الأسد. مضيفاً: "بعد الانتهاء من مراجعة السياسة الداخلية تجاه سوريا، أرسلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إشارات إلى أنها لن تقف في طريق التطبيع بعد الآن".
"ما فات مسؤولي الولايات المتحدة أن الأنظمة الاستبدادية شرسة لكنها هشة. فقوتها الظاهرية تخفي ضعفاً أساسياً".
ورأى حامد أن أحد الأسباب التي أدت إلى تردد الولايات المتحدة يتلخص في حماية إسرائيل من أي معارضة محتملة.
"قال لي أحد كبار مساعدي الرئيس باراك أوباما ذات يوم إن الديمقراطية قادرة على جلب منظمات معادية لإسرائيل إلى السلطة، وهي المنظمات التي سوف تهدد أمن إسرائيل".
ونقل حامد عن مارتن إنديك أحد كبار الشخصيات في إدارة الرئيسين بيل كلينتون وباراك أوباما، وصفه "التزام الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة بتعزيز الديمقراطية في كل مكان باستثناء هنا (الشرق الأوسط)" بأنه "استثنائية الشرق الأوسط".
يرى حامد أن نموذج الاستقرار جذاب وخطير في الوقت نفسه، فهو يخلط بين الوحشية والقوة.
ويضيف أن: "الوحشية ليست قوة، بل هي علامة على الضعف، والنظام لا يستطيع الحكم إلا بالقوة لأنه يفتقر إلى أي مصدر آخر للشرعية. وكلما طالت مدة بقاء مثل هذه الأنظمة، كلما زادت احتمالات سقوطها".
"الواقع أن الأنظمة الاستبدادية مثل نظام الأسد التي تعتمد على الدعم الأجنبي قد تدوم لفترة طويلة. ولكنها لا تدوم إلى الأبد،ـ ولا تستطيع أن تدوم إلى الأبد"، يختم حامد.
الختام مع مقال لدرور زئيفى في صحيفة هآرتس الإسرائيلية عنوانه "إستراتيجية إسرائيل الأمنية تضيع فرصة في سوريا"، والذي ينتقد فيه سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه سوريا بعد سقوط حكم الأسد.
وقال زئيفي إن "سكان المنطقة يدركون الأهمية الرمزية لدمشق، وما يحدث هناك سوف يؤثر على المنطقة بأسرها. وتصريحات وأفعال القيادة الإسرائيلية لا تسبب سوى الضرر".
وأشار زئيفي إلى أن الشرع يتحدث من كل المنابر الممكنة بشأن رغبته في تشكيل حكومة تمثيلية تتسامح حتى مع العلويين الذين يتماهون مع النظام القديم.
"ربما يثبت في النهاية أنه إرهابي يقود شعبه إلى شن هجوم على إسرائيل. لكن الهستيريا التي أثيرت حول هذه القضية مبالغ فيها"، يقول الكاتب.
ويعتقد الكاتب الإسرائيلي أن وجود ديمقراطية في سوريا تعترض على التدخل الإيراني، أمر يشكل ميزة كبيرة لإسرائيل، ومن شأنه أن "يضمن وقف عمليات نقل الأسلحة إلى حزب الله، والتخلص من المليشيات الإيرانية التي تحصنت في سوريا، وتحويل خطة إيران للقيام بعملية مشتركة متعددة الجبهات لتدمير إسرائيل إلى حبر على ورق. كما من شأنه أن يخلق فرصة للسلام في المستقبل".
وقال إن إسرائيل تتصرف بوحشية وقصر نظر، فقد احتلت أراضي في سوريا ووضعت نفسها منذ البداية في موقف معاد لسوريا، وبدلاً من ذلك، كان ينبغي للقادة الإسرائيليين فور "سقوط النظام" أن يتمنوا للسوريين النجاح في استبدال "نظام الأسد الشرير" وأن يقولوا إنهم سيكونون سعداء بإقامة علاقات سلمية وأخوية مع سوريا.
ورأى أن التفكير الاستراتيجي الذكي من شأنه أن يحتضن سوريا الجديدة ويدعوها للانضمام إلى الكتلة المعتدلة.