في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
عمّان – مع انطلاق موسم عصر الزيتون في الأردن مطلع الشهر الماضي وبدء المعاصر في استقبال الثمار، سرعان ما اتضح أن المشهد هذا العام لا يشبه ما سبقه، فالإنتاج محدود، والأسعار ترتفع بوتيرة متسارعة، والضغوط المناخية تشتد عاما بعد آخر، حتى إن آلات العصر تتوقف أحيانا لندرة المحصول، في هذا السياق تبدو ملامح موسم يصفه العاملون بأنه "الأضعف منذ أكثر من عقدين".
وتشير تقديرات نقابة أصحاب المعاصر ومنتجي الزيتون إلى أن إنتاج الأردن من الزيت هذا العام لن يتجاوز 18 إلى 20 ألف طن، مقارنة بمتوسط إنتاج سنوي يتراوح عادة بين 25 و40 ألف طن، ويُرجع عضو مجلس إدارة جمعية أصحاب معاصر الزيتون الأردنية، محمود العمري، التراجع الكبير في الإنتاج هذا العام إلى شح الأمطار وموجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، خصوصا في مناطق الزراعة البعلية غربي البلاد.
ويشير العمري في حديثه للجزيرة نت إلى أن موسم الزيتون الحالي يعد الأضعف منذ فترة طويلة، ليضيف مستدركا إلى أن جودة زيت الزيتون هذا الموسم جاءت "ممتازة جدا"، نتيجة الحمل الخفيف على الأشجار الذي ساهم في إنتاج زيت ذي نقاء عال وقيمة غذائية مرتفعة.
ولفت العمري إلى أن نحو نصف الموسم قد انقضى حتى الآن، مع توقعات بأن تسهم مزارع "المرورية" (التي يبدأ قطافها متأخرا) في تعويض جزء من النقص في الكميات خلال الأسابيع المقبلة.
على الطرف الآخر من الأزمة، يقف المستهلكون أمام موجة أسعار غير معتادة، فبينما حددت النقابة سعرا استرشاديا يتراوح بين 100 و120 دينارا (140- 170 دولارا) للتنكة (16 كيلوغراما)، قفزت الأسعار في بعض الأسواق إلى 140 و150 دينارا (197-211 دولارا)، في سابقة لم تُسجل بهذا الاتساع، ومع ارتفاع الطلب التقليدي للموسم، ترتفع مخاوف المستهلكين من أن تصبح المادة الأساسية خارج متناول الكثيرين.
وفي مواجهة هذه الموجة، أعلنت وزارة الزراعة وقف تصدير زيتون المائدة بشكل كامل، رغم وجود تعاقدات سنوية تقدر بـ4 آلاف طن، ويأتي القرار لإعطاء الأولوية للسوق المحلية وتوجيه الكميات للعصر، حفاظا على الحد الأدنى من توازن العرض والطلب.
لكن الأزمة أكبر من أن تُحل بوقف التصدير وحده بحسب خبراء؛ إذ تشير بيانات دائرة الإحصاءات إلى أن إنتاج زيت الزيتون حتى الأول من نوفمبر/تشرين الثاني بلغ 1419 طنا فقط، أي ما يعادل 55.8% من المعدل الموسمي، وهي أرقام تكشف حجم الانكماش الذي أصاب الإنتاج، وتفسر اضطرار بعض المعاصر إلى التوقف أياما لعدم توفر كميات كافية لتشغيلها بكامل طاقتها.
ومع تفاقم الأزمة وارتفاع الأسعار، أعلنت وزارة الزراعة نيتها فتح باب استيراد زيت الزيتون لأول مرة منذ عقود؛ في خطوة وصفتها بأنها "ضرورة لحماية السوق"، وتهدف الحكومة إلى سد النقص الكبير في المعروض المحلي ومنع مزيد من الارتفاع في الأسعار، مع تأكيده الالتزام بالمواصفات الأردنية وضوابط الجودة.
ولا يمكن فصل أزمة زيت الزيتون عن الأزمة الأكبر التي يخوضها القطاع الزراعي في الأردن، خصوصا في وادي الأردن، فالمزارعون هناك يواجهون انخفاض أسعار بيع المحاصيل إلى ما دون كلف الإنتاج، وارتفاع درجات الحرارة، وتراجع مياه الري، وتزايد ملوحة الآبار الجوفية مع تأخر الأمطار.
ويرى المزارعون أن الموسم الحالي ينذر بتراجع كبير في المساحات المزروعة العام المقبل، مع اضطرارهم لترك أراض بور بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع العوائد، ويؤكد معاوية الهواري، وهو تاجر زيت، أن الأزمة التي يشهدها قطاع الزيتون في الأردن هذا العام غير مسبوقة منذ أكثر من عقدين، مرجعا السبب في حديثه للجزيرة نت إلى "تراجع الهطول المطري خلال الموسم الماضي، لا سيما في المناطق التي تعتمد على الزراعة البعلية".
ويوضح أن ضعف الأمطار كان "السبب الأول والأخير" في انخفاض إنتاج الزيتون وعدم توفر الكميات التي يحتاجها السوق المحلي.
ويؤكد الهواري أن الحل الوحيد أمام الحكومة يتمثل في استيراد زيت الزيتون من دول مجاورة، مشيرا إلى أن وزارة الزراعة بدأت فعليا إجراءات بهذا الاتجاه، لكنه دعا إلى تأجيل أي عمليات استيراد واسعة حتى نهاية الموسم الحالي تفاديا لإلحاق الضرر بالمزارعين المحليين.
ومع تراجع الإنتاج المحلي، وارتفاع الأسعار، وتفاقم آثار التغير المناخي ، يبدو قطاع الزيتون أمام منعطف حساس، فالمؤشرات الحالية تدل على أن التحولات المناخية ليست أزمة عابرة، وأن مواسم الزيتون المقبلة قد تواجه واقعا أكثر تعقيدا ما لم تُعتمد حلول مستدامة تشمل إدارة المياه، وتنويع مصادر الري، وتطوير البنية الزراعية.
وعلى الرغم من الإجراءات الحكومية، تبقى القدرة على تخفيف حدة الأزمة مرهونة بالوقت والموارد، في حين ينتظر المواطن الأردني موسما لا يشبه ما اعتاده، وزيتا قد يصبح أغلى من القدرة على اقتنائه.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة