الرباط – دخلت احتجاجات حركة " جيل زد 212″ بالمغرب أسبوعها الثاني، في تعبير واضح عن حالة الغضب والإحباط من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
ورغم تنوع الشعارات المرفوعة في الوقفات الاحتجاجية، فإن القاسم المشترك بينها هو المطالبة بتحسين الخدمات الصحية والتعليمية وتوفير فرص العمل.
وتعد البطالة من أبرز التحديات التي تواجه المغرب منذ سنوات، خصوصا في صفوف خريجي الجامعات.
ويعزى هذا الاحتقان الاجتماعي أيضا إلى تراكم أزمات أخرى مرتبطة بغلاء المعيشة، وتراجع القدرة الشرائية لعدد كبير من الأسر، إضافة إلى اتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية بين المدن الكبرى التي تستفيد من نسب عالية من الاستثمار، وبين المدن الصغرى والقرى التي تعاني من ضعف البنيات التحتية وغياب فرص التنمية.
وفي ظل هذه الأوضاع، باتت أصوات الشباب المحتج تعبر عن جيل جديد يطالب بفرص متكافئة وحلول عاجلة وملموسة لا بمجرد وعود مؤجلة، في محاولة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وتخفيف حدة الاحتقان الاجتماعي المتزايد، وفق محللين.
وانطلقت الاحتجاجات غير المسبوقة للمجموعة مطلع الأسبوع الماضي، وتشكلت على موقع ديسكورد إثر مظاهرات في أغادير منتصف سبتمبر/أيلول الماضي عقب وفاة 8 حوامل في المستشفى العمومي أثناء عمليات ولادة قيصرية.
ويطالب المحتجون بمحاربة الفساد وتحسين خدمات الصحة والتعليم وتوفير فرص العمل.
وجدد وزير الشباب والتواصل المغربي محمد المهدي بنسعيد دعوة الحكومة المحتجين من مجموعة "جيل زد 212″ إلى الحوار، وذلك بالتزامن مع دخول هذه الاحتجاجات أسبوعها الثاني.
وكانت الحكومة المغربية التي يرأسها عزيز أخنوش قد دعت المحتجين إلى "حوار شفاف وتقديم مقترحات عملية لحل الإشكالات المطروحة".
ويرى الخبير في التخطيط الإستراتيجي أمين سامي أن ما تشهده المملكة من احتجاجات شبابية لا يمكن اختزاله في ردود فعل ظرفية، بل هو "انعكاس حي لدينامية مجتمع واعٍ يبحث عن تحسين جودة الخدمات الأساسية، وعلى رأسها التعليم والصحة، وفرص العمل الكريمة".
وأشار في حديث "للجزيرة نت" إلى أن هذه المطالب تندرج في صميم توجهات ملك المغرب محمد السادس منذ سنوات، من خلال التأكيد المتكرر على أولوية النهوض بالمدرسة العمومية، والرفع من جودة المنظومة الصحية، وإحداث فرص عمل للشباب.
وأمام محدودية فرص العمل، يضطر العديد من الشباب لممارسة أعمال جزئية غير مرغوب فيها وفق ما كشف تقرير حديث للمركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة.
وأظهر التقرير أن 40% من خريجي التعليم العالي يعملون في مجالات غير متصلة بتعليمهم مقابل 35% فقط ممن يعملون في مجال دراستهم، ما يعكس ضعف ملاءمة التدريب الأكاديمي مع متطلبات سوق العمل.
بالمقابل، تتجه فئة من الشباب للعمل في القطاع غير المهيكل الذي يشغل 33% من اليد العاملة غير الفلاحية أي حوالي 2.5 مليون شخص سنة 2023، ويوجد أساسا في المدن بنسبة 77.6 %، ما يعكس هشاشة الأوضاع المهنية وغياب الحماية الاجتماعية.
وتتركز44 % من فرص العمل في هذا القطاع في مجال التجارة، والخدمات بنسبة 28.7% فالصناعة بنسبة 15% ثم البناء بنسبة 12%.
يقول الخبير الاقتصادي بدر زاهر الأزرق إن "الاحتجاجات الحالية لها بعد اقتصادي واضح، رغم أن الصورة الظاهرة توحي بأنها ذات طابع اجتماعي مرتبط بخدمات الصحة والتعليم.
وأوضح في حديث للجزيرة نت أن جيل "زد" الذي خرج للشارع للاحتجاج هو الأكثر تضررا من البطالة، مشيرا إلى أن آلاف هؤلاء الشباب لا يعملون ولا يدرسون ولا يتلقون أي تدريب.
وأضاف الخبير أن ما يجري اليوم هو نتيجة تراكم مؤشرات ظلت تنذر بالانفجار منذ سنوات، من بينها محاولات متكررة للهجرة الجماعية غير النظامية ومظاهر الشغب في الملاعب وغيرها وقال "كلها كانت إشارات واضحة لم تُحسن الحكومة قراءتها".
وأكد فشل الحكومة في التقاط تلك الإشارات وتوظيفها لتجويد السياسات العمومية وفشل التدابير الحكومية في امتصاص البطالة وتقوية القدرة الشرائية ساهم في تفجر الوضع الاجتماعي.
ويرى أمين سامي أن هذه المؤشرات خاصة المتعلقة بالبطالة واتساع القطاع غير المهيكل وارتفاع الهشاشة الاجتماعية "تؤكد الحاجة الملحة إلى إصلاحات تسرّع الانتقال نحو نموذج تنموي أكثر إنصافا ونجاعة، يوازن بين البنيات التحتية الضخمة والاستثمار في الرأسمال البشري".
بذلت في العقود الماضية جهود مهمة للقضاء على الفقر والهشاشة، إذ:
والفقر متعدد الأبعاد هو مقاربة تأخذ بعين الاعتبار حرمان الأسر على مستوى القدرة الشرائية وصعوبات الولوج للحاجيات الأساسية مثل الصحة والتعليم ومستوى المعيشة.
وأظهر تقرير للمندوبية نشرته الشهر الماضي اتساع الفوارق في مستوى المعيشة حيث:
ما يعني اتساع متوسط الفجوة في مستوى المعيشة بين هاتين المجموعتين ليصل إلى 7.1 مرة في عام 2022.
وعلى مستوى المؤشرات الدولية:
وأكد بدر زاهر الأزرق أن الحاجة باتت ملحة للإسراع في تطبيق النموذج التنموي الجديد، مشيرا إلى أن "التشخيص الذي قدمته اللجنة الوطنية للنموذج التنموي كان دقيقا، وحدد بوضوح الاختلالات في القطاعات الأساسية ووضع آليات لتجاوزها، لكن التنفيذ ظل بطيئا ومتعثرا".
وشدد على أن "المشكل يكمن اليوم في النخب المشرفة وأنظمة الحوكمة، مما يجعل العديد من الأوراش الكبرى معطلة أو متأخرة"، داعيا إلى "تسريع تنزيل مشاريع كبرى مثل ورش الحماية الاجتماعية والانتقال الاقتصادي وإصلاح الصحة والتعليم".
وأوضح أن تسريع هذه الأوراش سيُمكّننا من تقييم مدى صلاحية النموذج التنموي الحالي، ومعرفة ما إذا كان يحتاج إلى مراجعة بعد 4 سنوات من إطلاقه، مؤكدا أن "البلاد تحتاج اليوم إلى إجراءات عاجلة لتحسين الأوضاع المعيشية، إلى جانب حلول بنيوية تعالج جذور الإشكالات الاقتصادية".
أكد الخبير أمين سامي على أن المرحلة الحالية تفرض مقاربة شمولية ونسقية وعملية في الآن ذاته، ترتكز على:
ونبه المتحدث إلى أن احتجاجات الشباب تشكل "جرس إنذار إستراتيجي" يدعو الجميع إلى تسريع الإصلاحات وترجمتها إلى سياسات ملموسة تُعيد الثقة وتفتح أفقا أوسع للأجيال الجديدة، في سبيل تحقيق تنمية أكثر عدلا وتوازنا، وصون الاستقرار الوطني.
من جانبه، دعا بدر زاهر الأحزاب السياسية المقبلة على الانتخابات إلى تقديم برامج اقتصادية واقعية تضع التشغيل في صلب أولوياتها، والاستفادة من الفرص التي تتيحها الأوراش المفتوحة بمناسبة تنظيم كأس العالم لخلق مناصب عمل جديدة وتحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطنين.