الرباط– دعا ملك المغرب محمد السادس مواطنيه إلى تعليق شعيرة النحر في عيد الأضحى لهذه السنة بسبب التراجع الكبير في أعداد المواشي جراء الجفاف الذي تمر به البلاد وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية.
وقال الملك في رسالة قرأها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق في القناة الأولى الحكومية مساء الأربعاء: "حرصنا على تمكينكم من الوفاء بهذه الشعيرة الدينية في أحسن الظروف، يواكبه واجب استحضارنا لما يواجه بلادنا من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية".
وأضافت: "ولهذه الغاية، وأخذا بعين الاعتبار أن عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، فإن القيام بها في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضررا محققا بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لا سيما ذوي الدخل المحدود".
وثمنت أحزاب سياسية من الأغلبية والمعارضة هذه الدعوة، واعتبرتها قرارا حكيما استدعته الضرورة والمصلحة.
ونوه حزب التجمع الوطني للأحرار -الذي يقود الائتلاف الحكومي- بهذا القرار، وقال إنه يعكس حرص الملك على رفع الحرج والضرر عن المغاربة، والتيسير في إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية.
ودعا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (معارض) كل الجهات المسؤولة إلى الاقتداء بالخطوة الملكية في رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير عن جماهير المسحوقين والفئات الهشة.
وقال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية (معارض) نبيل بنعبد الله -في تدوينة على صفحة الحزب في فيسبوك- إن الأسباب الوجيهة التي أدت إلى القرار الملكي "الجريء والحكيم" تستدعي من الحكومة السهر على بلورته بشكل ناجع على أرض الواقع من خلال اتخاذ ما يلزم من إجراءات مواكبة على مختلف الأصعدة ولا سيما على صعيد التدابير الداعمة لمربي الماشية الصغار.
وليست هذه المرة الأولى التي يلغي فيها المغرب شعيرة النحر في عيد الأضحى، إذ ألغى الملك الراحل الحسن الثاني هذه الشعيرة سنوات 1963 و1981 و1996 بسبب الجفاف والأزمات الاقتصادية.
ويشهد المغرب حاليا السنة السابعة لتوالي الجفاف، وهو ما كان له تأثير كبير على القطيع الوطني من المواشي وارتفاع أسعار اللحوم الحمراء.
ودفعت هذه الظروف جمعيات حماية المستهلك وهيئات مدنية أخرى إلى المطالبة بتعليق شعيرة الذبح.
وشهد عيد الأضحى العام الماضي ارتفاعا كبيرا في الأسعار، وكان المركز المغربي للمواطنة (هيئة مدنية) أصدر تقريرا قال فيه إن سنة 2024 شهدت أسعارا قياسية لم يسبق أن عرفها المغرب في ما يتعلق بالأضاحي.
وتراوح سعر الأضحية العام الماضي ما بين 200 و700 دولار.
ولجأت الحكومة إلى الاستيراد لتوفير الأضاحي في الأسواق، وخصصت دعما ماليا قدره 500 درهم (50 دولارا) لفائدة المستوردين من أجل استيراد 300 ألف رأس من الأغنام مع إعفائهم من الرسوم الجمركية، غير أن ذلك لم يكن له تأثير على الأسعار التي ظلت مرتفعة.
وتحدث المركز عن انخفاض نسبة المواطنين الذين قاموا بهذه الشعيرة، مشيرا إلى انخفاض كمية النفايات المنتجة في الدار البيضاء مثلا يوم عيد الأضحى من حوالي 16 ألف طن سنة 2023 إلى 12 ألف طن سنة 2024.
وأشار المركز إلى أنه في عيد الأضحى الماضي تم استهلاك جزء من القطيع الوطني خاصة النعاج والخرفان التي تُعد للموسم المقبل، مما قد يؤثر على عدد القطيع وسعر اللحوم في المستقبل.
وفي عام 2022 أصدرت المندوبية السامية للتخطيط -وهي جهاز حكومي للإحصاء- نتائج البحث الوطني حول مستوى معيشة الأسر، الذي أظهر أن 13% من الأسر المغربية لا تمارس شعيرة عيد الأضحى.
وشهد قطيع الماشية تراجعا ملحوظا خلال السنوات الماضية، وقال وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية في مايو/أيار الماضي إن حجم القطيع الوطني من المواشي بلغ 20.3 مليون رأس سنة 2024 مسجلا انخفاضا بـ 2% مقارنة مع سنة 2023.
ووفق بيانات وزارة الفلاحة لعام 2021، فقد تشكل القطيع الوطني من حوالي 21.6 مليون رأس من الأغنام و6 ملايين رأس من الماعز و3.3 ملايين من الأبقار و192 ألف رأس من الإبل.
وقال وزير الفلاحة في مؤتمر صحفي منتصف فبراير/شباط الجاري إن القطيع الوطني تراجع بنسبة 38% مقارنة مع سنة 2016.
وكانت وزارة الفلاحة قد أجرت سنة 2016 الإحصاء العام الفلاحي تم خلاله إحصاء أعداد المواشي، كما أطلقت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بالتنسيق مع الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز عملية الإحصاء العام لقطيع الماشية الوطني استهدف حوالي 35 ألف قرية مغربية.
وأوضح وزير الفلاحة أن الأرقام تظهر نقصا حادا في القطيع، مما أثر على إنتاج اللحوم، مشيرا إلى أنه في السنوات العادية كان يتم ذبح نحو 230 ألف رأس، وحاليا يتم ذبح حوالي 150 ألف رأس.
ولتوفير اللحوم في الأسواق والحفاظ على استقرار الأسعار، لجأت الحكومة إلى الاستيراد، وإلى غاية 12 فبراير/شباط الجاري تم استيراد 21 ألفا و800 رأس من الأبقار و124 ألف رأس من الأغنام و704 أطنان من اللحوم الحمراء.
من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي بدر زاهر الأزرق إن تعليق شعيرة الذبح في عيد الأضحى المقبل كان ضروريًا واقتضته الحاجة تجنبًا لنتائج خطيرة كانت ستحدث بعد العيد، مثل استنزاف قطيع الماشية وارتفاع أسعار اللحوم والضغط على القدرة الشرائية للمواطنين.
وأشار زاهر -في حديث للجزيرة نت- إلى أن هذا القرار كان متوقعا بالنظر للأرقام التي أعلن عنها وزير الفلاحة هذا الشهر والتي كشفت عن تراجع حاد في حجم القطيع الوطني.
وأوضح أن هذا القرار ستكون له انعكاسات سلبية عل مربي الماشية أو "الكسابة" كما يطلق عليهم في المغرب، لكن آثاره الإيجابية ستشمل القطاع ككل والنشاط الفلاحي وأيضا القدرة الشرائية للمواطنين.
ويسهم عيد الأضحى في تحقيق رقم معاملات تصل إلى 14 مليار درهم (1.4 مليار دولار) تذهب جلها إلى الريف.
وأضاف: "أتوقع أن يسهم القرار في إنقاذ قطيع الماشية وترميم القدرة الشرائية للمواطنين بالحفاظ على استقرار أسعار اللحوم وأيضا العودة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم المحلية".
من جهته، قال الخبير الاقتصادي رشيد ساري إن قرار تعليق شعيرة الذبح سينقذ قطاع اللحوم مما سماها "السكتة القلبية"، مشيرا إلى أن إحياءها بعد تدهور وضع القطيع على امتداد السنوات الماضية يعد "إعداما للقطاع".
ولفت المتحدث إلى أن الأرقام التي أعلنها وزير الفلاحة بخصوص تراجع القطيع بحوالي 38% مقارنة مع سنة 2016 مقلقة.
وأوضح في حديث للجزيرة نت أنه في عام 2016 بلغ حجم قطيع الماشية 29 مليون رأس، وفي هذا العام تراجع ليصل إلى 17 مليون رأس، 30% منها خرفان ومليون منها فقط صالحة للذبح.
وعدد الخبير تداعيات إحياء شعيرة الذبح في ظل وضعية القطيع المتدهورة، منها اللجوء للاستيراد المكثف لتلبية طلب حوالي 6.5 ملايين أسرة.
وقال: "تبلغ حاجيات الاستيراد حوالي 5 ملايين رأس، لكننا لن نستطيع تجاوز مليون رأس وستكون تكلفتها المالية كبيرة".
ومن التداعيات الأخرى التي يتوقعها ساري في حال إحياء شعيرة الذبح هذا العام ارتفاع أسعار اللحوم، وقال "إذا كان سعر كيلو من اللحوم الحمراء حاليا يتراوح ما بين 120 و130 درهما (ما بين 12 و13 دولارا)، فإنه في حال ذبح الأضاحي في ظل وضعية القطيع الحالية، فإن الأسعار ستواصل الارتفاع، وأرجح أن تتراوح ما بين 160 و180 درهما (ما بين 16 و18 دولارا)".
أما على المدى المتوسط والبعيد، فتوقع المتحدث أن يفقد المغرب سيادته الغذائية ويضطر إلى الاعتماد بشكل كامل على الاستيراد.
وأكد رشيد ساري أن وضعية قطيع الماشية ليس نتيجة التقلبات المناخية والجفاف فقط، بل أيضا نتيجة السياسات الفلاحية المعتمدة منذ سنوات، داعيا إلى مراجعتها وإعادة النظر فيها.
وقال إن تعليق ذبح الأضاحي سيحقق استقرار أسعار اللحوم واستعادة القطيع الوطني الذي استنزف في السنوات الماضية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، غير أنه يؤكد أن هذه النتيجة لن تتحقق إلا باتخاذ إجراءات مواكبة وتدابير عملية من بينها: