في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
كرنفال البندقية (Venice Carnival) يعتبر واحدا من أشهر وأقدم المهرجانات في العالم، حيث يعقد في مدينة البندقية الإيطالية الساحرة، ويجمع بين العراقة والغموض في أجواء من السحر والفخامة. وجذب الكرنفال بأقنعته الفريدة وأزيائه التاريخية المذهلة الزوار من مختلف أنحاء العالم للمشاركة في احتفالاته، التي تستمر لأيام في شوارع وساحات تلك المدينة العائمة. وقد يصل عدد الوافدين للمهرجان خلال اليوم الواحد حوالي 30 ألف زائر، بينما يحضر الكرنفال بأكمله حوالي 3 ملايين شخص خلال فترة إقامته.
ومنذ قرون، بدأت فكرة الكرنفال في العالم المسيحي، إذ كان أتباع المذهب الكاثوليكي في إيطاليا يرتدون أزياء زاهية للاحتفال بيوم واحد قبل أربعاء الرماد، وهو اليوم الذي يسبق بداية الصوم الكبير الذي يمتنعون خلاله عن تناول اللحوم. ومن هنا جاء تسمية الكرنفال من مصطلح "Carnevale" بالإيطالية، والذي يعني حرفيا "الابتعاد عن اللحم".
ومع مرور الوقت، تحول هذا التقليد إلى مهرجان شهير امتد ليشمل دولا كاثوليكية أخرى في أوروبا، ثم انتشر لاحقا في مختلف أنحاء العالم، خاصة في البلدان التي تأثرت بالثقافة الكاثوليكية نتيجة الاستعمار الأوروبي. أما اليوم، فقد أصبح الكرنفال احتفالا موسميا سنويا يبدأ عادة في الأحد الأخير قبل أربعاء الرماد، أو حتى قبل ذلك بعدة أيام وليال.
وتتنوع الفعاليات خلال هذا الوقت، من عروض الأزياء والمسابقات لاختيار أفضل لباس إلى الحفلات التنكرية الفاخرة والمواكب الضخمة في الساحات الشهيرة مثل ساحة ماركو بولو الشهيرة في وسط جزر البندقية. ويبدأ الكرنفال هذا العام تقريبا في 14 فبراير/شباط، ويستمر حوالي أسبوعين حتى الرابع من مارس/آذار، أي قبل حوالي أسبوعين من أربعاء الرماد في الديانة المسيحية الكاثوليكية، وينتهي يوم ثلاثاء الشرف، وهو اليوم الذي يسبق أربعاء الرماد.
يهدف كرنفال البندقية إلى تحقيق عدة أهداف ثقافية واجتماعية، من أبرزها:
يستعرض هذا الفيديو الخاص بالجزيرة نت هذا المهرجان وأبعاده المختلفة التاريخية والثقافية والرمزية. ويتضمن شهادات لمجموعة من الزوار، بل أيضا أحد أساتذة الأنثروبولوجيا، بالإضافة لفنانين، ومنظمي الحدث، مسلطا الضوء على عدة نقاط:
استطاع الوثائقي المزج بين الجانب الترفيهي، والتاريخي، والأنثروبولوجي لهذا الحدث المهم، لتحقيق فهم أعمق لأحد أشهر المهرجانات في العالم.
يعود تاريخ كرنفال البندقية إلى القرن الـ12، حيث أقيم لأول مرة عام 1162 احتفالا بانتصار جمهورية البندقية على مدينة أكويليا. وتعبيرا عن الفرح والفخر بالنصر، اجتمع سكان المدينة للاحتفال في أجواء فريدة مليئة بالبهجة.
وفي القرن الـ13، أصبح المهرجان حدثا سنويا رسميا، واستمر في التطور ليصبح واحدا من أهم الأحداث الثقافية والاجتماعية في أوروبا خلال عصر النهضة، وكان يجتمع به الناس ويرقصون، مرتدين أقنعة غامضة تُخفي وجوههم، تخليدا لذكرى هذا النصر في ميدان سان ماركو، الساحة العامة الرئيسية في البندقية بإيطاليا، والتي تُعرف أيضا باسم "الساحة" (la Piazza)، مكونا حدثا استثنائيا يجمع بين الترفيه والثقافة.
ورغم ازدهاره الكبير، واجه الكرنفال بعض التحديات، فبعدما أصبح المهرجان احتفالا رسميا في عصر النهضة، وكان في ذروته، فإنه ما لبث أن أُلغي خلال القرن الـ18، وهذا بعدما ارتبط بالمرح، والفنون المسرحية، والموسيقى. ففي عام 1797، أصدر نابليون بونابرت قرارا بإيقاف المهرجان، مما أدى إلى تراجع الاحتفالات لعقود طويلة. ومع ذلك، لم يختفِ الكرنفال تماما، فقد تم إحياؤه رسميا في عام 1979، بفضل جهود السلطات الإيطالية للحفاظ على التراث الثقافي للمدينة. ومنذ ذلك الحين، استعاد الكرنفال مكانته كأحد أروع المهرجانات العالمية، مستقطبا ملايين الزوار من جميع أنحاء العالم كل عام.
يتميز كرنفال البندقية الفريدي بطابع متفرد يجمع بين التاريخ والفن والغموض، تلعب فيه الأقنعة والأزياء دورا أساسيا محوريا لإضفاء أجواء احتفالية خيالية على المهرجان.
فيمكننا ملاحظة الأقنعة الفينيسية، والتي تُعد من أبرز رموز الكرنفال، وتعود جذورها إلى العصور القديمة، حيث كان استخدامها يهدف إلى إخفاء الهوية والتخلص من الفوارق الاجتماعية، مما يسمح للجميع بالمشاركة بحرية دون تمييز. وتأتي هذه الأقنعة بتصاميم متنوعة، فنجد منها البسيط بالألوان المحايدة، ومنها المزخرف والمميز بتفاصيل فاخرة مثل الريش والأحجار الكريمة، مما يضفي لمسة من الفخامة والسحر على الزوار خلال المهرجان.
ولتوغل الكرنفال الفينيسي في القدم، يمكننا الانتباه كذا للأزياء التاريخية، التي تُستلهم من أزياء العصور الوسطى وعصر الباروك، فيرتدي المشاركون أزياء تعكس الأناقة والرقي، اللذين كانا يميزان تلك الفترات الزمنية. أما عن التفاصيل الدقيقة فتلك الأزياء كانت تصنع من الأقمشة الفاخرة المطرزة وبتصاميم تحاكي ملابس النبلاء والأرستقراطيين في أوروبا القديمة.
هذا الجو من الغموض والتمثيل المسرحي يضفي طابعا دراميا وغامضا على الكرنفال، ويجعل المشاركة فيه تجربة مميزة ومثيرة للزوار. فالمحتفلون يشعرون وكأنهم جزء من مشهد مسرحي كبير، يندمج فيه الواقع بالخيال في أجواء من السحر والاحتفال، في تجربة لا مثيل لها.
كرنفال البندقية يمتد لأكثر من أسبوعين، وتتعدد فيه الفعاليات، وتشتمل على:
ارتبط كرنفال البندقية، منذ قرون، بعدد من الشخصيات التقليدية، والتي تتكون الفعاليات المسرحية من خلالها، ومنها:
هذا بالإضافة للعديد من الأقنعة الأخرى المميزة والفريدة.
ارتبط كرنفال البندقية بالفنون المسرحية والموسيقية، ولعبت عروض "كوميديا مرتجلة" (كوميديا دي لارتي) دورا مهما به على مر العصور، لذا تأثر المسرح بالأزياء الملكية الأوروبية والاحتفالات الأرستقراطية، مما جعل منه مزيجا فريدا بين التراث والتقاليد العريقة.
ومثل كرنفال "ريو" في البرازيل وكرنفال "نيس" في فرنسا، أصبح كرنفال "البندقية" نموذجا للعديد من المهرجانات حول العالم. فلا يقتصر تأثيره على الاحتفالات، بل يمتد إلى السينما والأدب، إذ استُخدم كخلفية لأفلام وروايات مشهورة، مثل فيلم "قناع الفروسية" (The Mask of the Red Death) ورواية "الموت في البندقية" للأديب توماس مان، حيث كان كرنفال البندقية هو الإطار الذي يعكس التوترات الثقافية والاجتماعية بتلك الأعمال. كما أن الاحتفالات ذات الطابع التاريخي والغامض التي تميز الكرنفال ألهمت العديد من الفنانين والمخرجين، ليصبح رمزا في أعمالهم للتناقض بين الفخامة والهروب من الواقع، ومكانا للمسرح والمغامرة.
ويمثل الكرنفال أروع التقاليد الإيطالية التي تعكس تاريخ المدينة الغني وثقافتها الفنية. لذا سواء كنت من محبي الأزياء التاريخية، أو المسرح، أو الموسيقى، فإن زيارة البندقية خلال الكرنفال تمنحك تجربة لا تنسى وسط أجواء من السحر والغموض والاحتفال بالحياة.