في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي
"الكتابة هي المشكلة وهي الحل" هكذا تكلمت الشاعرة والناقدة والصحفية الكويتية سعيدة مفرح، معتبرة أن المتلقي أو القارئ المحترف لا يهمه الوصول للإجابات وهو يقرأ نصا ما بقدر ما تهمه المتعة أثناء الرحلة ووجود ما يجعله يستمر في المشي بين السطور.
في هذا الحوار الثقافي والمعرفي مع الأديبة والإعلامية الكويتية سعدية مفرح، وجدنا أنفسنا في 3 مسارات، كان أولها عن تجربتها الذاتية وامتداد هذه التجربة إبداعيا في مساحات متعددة وأطوار متنوعة، أما المسار الثاني فكان حول غزة وطوفان الأقصى وماذا يقول المثقف بعد مرور عام عليه، أما المسار الثالث فناقش مع الكاتبة أحوال التنمية الثقافية في الوطن العربي وواقعها والتحديات التي تعيشها.
في رصيد سعدية مفرح 3 عقود من العمل الصحفي، ودواوين شعرية، ومؤلفات تُرجمت إلى لغات مختلفة، ومشاركات ثقافية مهمة في مؤتمرات في دول متعددة، أثرت تجربتها وانعكست في كتاباتها ورؤاها المعرفية والثقافية، فإلى الحوار:
لا أعتبر ذلك مشكلة، بقدر ما أعتبره سؤال الحياة، أو ربما أحد أسئلة الحياة المهمة.
لماذا نكتب؟ لطالما سألت نفسي هذا السؤال منذ أن أدركت أن الكتابة هي قدري الجميل، وهي هوايتي الأثيرة، وأيضا عملي وشغفي واستراحتي أيضا، إجابات كثيرة توصلت إليها على هذا الصعيد، وهي إجابات متغيرة وفق الظروف المتغيرة والاحتياجات المتغيرة والشغف المتغير أيضا. المهم أن أبقى على قيد الكتابة دائما، بحثا عن إجابات لأسئلة مستحيلة تنبثق من عالم الكلمات. ولا أهتم كثيرا إن كانت تلك الإجابات إجابات مقنعة أم لا، فالمهم دائما أن أمضي بها لأستمر، ولتكون وقودي لكتابات جديدة.
في دورات في الكتابة وفي الصحافة التي أقدمها، بل وفي كل دورة أجدني متغيرة أمام المتدربين وإجاباتي أيضا متغيرة في شكلها أمام أسئلتهم. ولذلك أفرح بتلك الأسئلة وأحتفي بكل جديد ومثير منها، أشجعهم على إنتاج المزيد من الأسئلة الصعبة حول ما يتعلق بعالم الكتابة. هل أعتبر الكتابة سرا؟ لعلها كذلك ونحن الكُتاب الباحثون عن الأسرار الخفية وراء الكلمات لا نصل، المهم دائما أن تستمر رحلة البحث، بالنسبة للكاتب وللقارئ أيضا.
ولذلك أنا أرى أن المتلقي أو القارئ المحترف لا يهمه الوصول للإجابات وهو يقرأ نصا ما بقدر ما تهمه المتعة أثناء الرحلة ووجود ما يجعله يستمر في المشي بين السطور.
لكل كاتب عوامله الخاصة منذ طفولته التي تتضافر في تطور شخصيتها لا شكلها، لكنني أرى أن القراءات المبكرة هي واحد من أهم هذه العوامل بالإضافة إلى التربية والتعليم، القراءة تعيد تشكيل أفكارنا ومبادئنا وتدلنا على طرق متشابكة أمامنا لكنها لا تختار لنا. تعطينا مفاتيح كثيرة وعلينا أن نجربها كلها أو بعضها حتى نصل إلى المفتاح الذي يفتح أمامنا بوابة الحياة الكبرى.
وبالتأكيد يستطيع الكاتب أو المرء عموما أن يحرق المراحل نحو ما يطمح إلى تحقيقه، لكن لماذا يفعل ذلك؟ المتعة في الرحلة، وليس في الوصول، وفي سبيل تحقيق الأهداف نجد أنفسنا وقد انشغلنا بالكثير من اللذائذ المعنوية والمادية التي تصادفنا في الطريق، قليلون هم الذين يصلون إلى النهاية، ولعلهم تساءلوا عندما وصلوا إن كانت النهاية تستحق الرحلة أم لا.
في بداياتي كنت من أولئك الذين يجتهدون ليلا ونهارا على صعيد حرق المراحل، أريد أن أقفز لأصل إلى السماء السابعة بما أكتب قبل أن أكتشف الكثير من الجمال الكامن بين حشائش الطريق.
الحكاية كلها بدأت ككل الحكايات الصغيرة في بدايات العمر، ككل الأحلام وكل الجنون الذي نفكر فيه باعتباره العقل الكامل، ثم نصل إلى مرحلة الانغماس الكلي فيه. الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد تدوين أفكاري وأحلامي وطموحاتي وليست تفريغ عاطفي كما يظن كثيرون، بل هي أنا. حتى أنني عندما أريد أن أتذكر متى بدأت الكتابة، تضيع الذكريات، ولا أعرف.
لا أتذكرني بلا فكرة تصلح للكتابة، ولا أتخيلني بعيدة عن الأقلام والأوراق ثم لاحقا عن لوحة المفاتيح. أحيانا أكتب كلمات مبهمة وجملا غير مفهومة، وأعتبر ذلك نوعا من الممارسة اليومية والتدريب المستمر حتى أقنن الأمر وأبرر لنفسي ضياع وقتي في كتابات لا يقرأها أحد، ولكن الحقيقة وراء كل تلك الكتابات العشوائية غير ذلك، إنها نوع من التنفس الذي لا أستطيع الحياة من دونه.
كانت الكتابة ملاذي الجميل وعزلتي المحببة، ولم أكن أعلم أنني سأصل بها، وستصل بي إلى جغرافيات بعيدة جدا لم أكن أعرفها. وعندما بدأت مرحلة نشر ما أكتب في الصحف المحلية في الكويت سرعان ما وجدت نصوصي تحلق بعيدا عني، وتسافر إلى تلك الجغرافيات البعيدة بلغتي العربية وبلغات أخرى حتى قبل أن أتمكن من السفر.
ليس لدي طموح ثقافي محدد، لكي أعرف إذا كانت تجربتي في الكتابة والنشر والترجمة قد لبت طموحي أم لا لكنني وبعد عقود من الزمن في الكتابة والشعر والتأليف والصحافة والنشر وبعد عدد كبير من الكتب التي صدرت لي، أشعر أنني لم أغادر بعد خطوتي الأولى، وأن كلمتي التي أود كتابتها فعلا ما زالت معلقة بانتظار الفتحة والضمة والكسرة والسكون، وأنني ما زلت أتهيب الرحلة رغم الشوق الكبير الذي يعتريني كلما جلست على طاولة الكتابة.
أما الحضور فلا يهم كثيرا لدى الآخر ما دام قد تحقق لدي. نعم، أنا حاضرة أمام ذاتي كشاعرة وككاتبة وكباحثة أبدية عن حقيقة الكلمة، وأنا أيضا في خضم الشك بهذا كله أعيش وأستمر. ولا أريد الوصول النهائي إلى يقين الكتابة، حتى لا تنتهي الرحلة الممتعة. نهايتها بالموت وهذا الموت الجسدي هو اليقين الكبير في حياتنا جميعا.
كانت الكتابة ملاذي الجميل وعزلتي المحببة، ولم أكن أعلم أنني سأصل بها، وستصل بي إلى جغرافيات بعيدة جدا لم أكن أعرفها. وعندما بدأت مرحلة نشر ما أكتب في الصحف المحلية في الكويت سرعان ما وجدت نصوصي تحلق بعيدا عني، وتسافر إلى تلك الجغرافيات البعيدة بلغتي العربية وبلغات أخرى حتى قبل أن أتمكن من السفر، وأنا ممتنة جدا للصحافة
لا أتذكر، أعني لا أتذكر إن كنت فعلا قصدت أن تتنوع تجربتي في الكتابة بين الأدب والصحافة، لكنني وجدتني هكذا منذ أن بدأت النشر. أذكر أنني في المدرسة كنت أقرأ وأكتب كثيرا وأنتمي لكل ما يمكن أن يجعلني جزءا من الكتابة. أنتمي لجماعة الصحافة ولفريق المسرح وأصدقاء المكتبة ومسابقات الشعر والقرآن الكريم، وهذا يعني أنني كنت دائما أنتمي للكلمة بغض النظر عن صورتها النهائية وكيف تصل إلى الآخر وبأي وسيلة تصل إليه.
ورغم أن كثيرا من الأدباء الذين عملوا بالصحافة اشتكوا منها باعتبارها التهمت الكثير من الوقت المخصص للكتابة وأنها ألهتهم عن تتمة مشروعاتهم الإبداعية وأنها طغت على صورتهم الشعرية أو القصصية أو الروائية، وأنها أخذت مواهبهم في الكتابة أكثر مما أعطتهم، فإنني على العكس منهم.
أنا ممتنة جدا للصحافة. أعتبرها إحدى أجمل المهن التي يمكن أن يعمل بها المرء على الإطلاق. سعيت كثيرا للعمل فيها منذ أن كنت طالبة على مقاعد الدراسة الجامعية، وكنت دائما عندما أذهب إلى عملي كأنني ذاهبة إلى أجمل مواعيدي، ورغم مرور أكثر من 3 عقود من الزمن وأنا أعمل في هذه المهنة فإن الشغف بها لم ينته ولم يتزحزح.
ما زلت أذهب إليها بكامل شوقي وبكثير من الفضول الذي يميز العمل الصحفي، الصحافة أهدتني أجمل أيامي وأرفع مقاماتي وأنبل علاقاتي في الحياة، كما أنها وفرت لي فرصا في النشر وفي التواصل مع المثقفين والأدباء وحضور الفعاليات الثقافية وقراءة الكتب التي أحب دائما، وهو ما لم أكن أتصور أنه يتاح لفتاة من بيئة محافظة جدا في ذلك الوقت.
كنت أحلق بجناحين في وقت واحد، جناح الشعر وجناح الصحافة وأذكر أنني بدأت العمل الصحفي بالتوازي مع بدء نشر قصائدي في الصحف، وهو ما جعل عمري الشعري يتوازى مع عمري الصحفي، ولذلك يسعدني دائما القول إنني مدينة للصحافة بالكثير من وجودي الإبداعي والثقافي أيضا.
لقد كانت دائما حنونة علي وعلى تجاربي في الكتابة والنشر، صحيح أنها تلتهم الوقت بسرعة قياسية ولا تكاد تترك لحياتي خارج الكتابة إلا القليل جدا من ساعات اليوم، إلا أن حياتي هي أصلا جلها كتابة، وبالمقابل تعلمت من الصحافة السرعة في اتخاذ قراراتي فالخبر لا ينتظر طويلا، وتعلمت أيضا قبول الرأي المختلف واحترامه والعمل على نشره أيضا، وهو ما ساهم في تكوين شخصيتي العملية جدا ورسم ملامحها بقوة تكاد أحيانا تقترب من القسوة. على أن الشعر يحتاج أحيانا إلى أن يكون منفردا بمساحته الحميمة ووقته الخاص، وهنا كانت الصعوبة أحيانا.
نعم، لنعترف أن القصيدة الحقيقية هي القصيدة التي تمارس غرورها على شاعرها وتطالبه بأن يكون لها وحدها حتى لا تنفر منه.
واقعنا الثقافي العربي يعاني من صنمية الأفكار وصنمية الرموز معا، وهنا تكون الخطورة مضاعفة بالتأكيد. تقديس الفكرة لا يُسمح بنقدها ولا بتغييرها ولا بتطويرها، بل لا يسمح بإنتاج المزيد من الأفكار المشابهة أو المختلفة عنها. وهو ما يسبب شللا للتفكير
واقعنا الثقافي العربي يعاني من صنمية الأفكار وصنمية الرموز معا، وهنا تكون الخطورة مضاعفة بالتأكيد. تقديس الفكرة لا يُسمح بنقدها ولا بتغييرها ولا بتطويرها، بل لا يسمح بإنتاج المزيد من الأفكار المشابهة أو المختلفة عنها. وهو ما يسبب شللا للتفكير وللحالة الثقافية في أي مجتمع من المجتمعات وبالتالي يجعله في ذيل القائمة دائما.
ولكن كثيرين يا للأسف ما زالوا أسرى لصنمية الأفكار بالإضافة إلى صنمية الأشخاص الذين يتحولون إلى رموز مقدسة أو شبه مقدسة كلما زادت الحالة الصنمية. وهو ما يورث التعصب بكل صوره وأشكاله، ويهدد الهوية الثقافية ويجعل من فكرة الانتماء لهوية ثقافية معينة نوعا من التعصب الأعمى غير قابل للتحليل ولا النقاش ولا الانخراط في حوارات مشتركة مع الآخرين المختلفين.
الإجابة التقليدية، تأثرت بكل من قرأت له، بالوعي أو باللاوعي. نحن بالتأكيد صنيعة قراءاتنا وخصوصا في المراحل المبكرة. وفي بداياتي كنت أقرأ كل ما تقع عليه عيناي تقريبا وخصوصا كتب التراث. لكنني لاحقا حاولت تنظيم قراءاتي. لا أدعي أنني نجحت في الأمر لكنني على الأقل حاولت، وحاولت أيضا أن أبقى باحثة عن صوتي الخاص في القصيدة.
لا أريد أن أشبه أحدا ولا أن يلاحظ المتلقي شبها بيني وبين أي شاعر آخر حتى أنني كنت أشعر بالضيق عندما يشبهني أحد النقاد بشاعر كبير على سبيل المدح، لأنني كنت دائما أنتمي لذاتي واستمد شعريتي الخاصة منها وحسب.
الأحرار وحدهم هم الق ....