في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي
تظل كتابات إدوارد سعيد جاذبة للباحثين وتثير الاهتمام والجدل، وهو ما دفع يحيى بن الوليد، الباحث الأكاديمي والناقد الثقافي المغربي لتعزيز الطبعة الثالثة من كتابه "الوعي المحلق.. إدوارد سعيد وحال العرب".
وتبدو الحاجة ملحة اليوم إلى المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد أكثر من أي وقت مضى، خاصة في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، والرقعة العربية بالتحديد، لأن هذا المفكر الاستثنائي استطاع أن يزلزل الكثير من الأطروحات الغربية المهيمنة، وعلى رأسها الاستشراق.
وفكك إدوارد سعيد النصوص الاستشراقية التي مهدت للاستعمار، عبر الاعتماد على العدة المفاهيمية الغربية وأدوات من داخل هذه المنظومة، حيث لم يكن أمر استدعائه والتساؤل عما كان سيقوله أو يكتبه عن أحداث "الربيع العربي" مثلا، أو عن "طوفان الأقصى" وما يحدث حاليا في غزة وفلسطين؛ بالأمر المستغرب.
ولعل هذا الأمر هو ما دفع الباحث الأكاديمي والناقد الثقافي المغربي، يحيى بن الوليد، كما يقول في حواره مع الجزيرة نت، إلى تعزيز الطبعة الثالثة من كتابه "الوعي المحلق.. إدوارد سعيد وحال العرب"، الصادرة بالأردن عن "دار خطوط وظلال"، بفصل بعنوان "إدوارد وثورات الربيع العربي"، في دلالة على نوع من الحاجة إلى منجز هذا الرجل، حيث أحصى في إثر انطلاقة "الربيع العربي" ما يقرب من 50 مقالة تتحدث أو تخمن كيف كان إدوارد سعيد سيقرأ هذه الأحداث، خاصة من ناحية تأثير الغرب؛ الغرب الذي كان في أساس تشكيل العالم الثالث والتخلي عنه لنوع من "الاستعمار الداخلي".
ويضيف الأكاديمي المغربي أن كتابات المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد ما زالت تُحدث تأثيرا مذهلا على الكثير من الباحثين، وتثير الكثير من الاهتمام والجدل، كما أن "سوء الفهم" ما زال يحيط بها من قبل الباحثين الغربيين والعرب على حد سواء، ولهذا فهو يسعى إلى الغوص في أسباب سوء الفهم هذا، ويتخذ من النقد الثقافي بمعناه التحليلي والمرن، مدخلا لمقاربة إنتاجات هذا المفكر، كما يقول في هذا
لأن إدوارد نفسه حافظ على روح الناقد في تعاطيه مع نقد الاستشراق وفي كتاباته عن فلسطين، وخاصة كتابيه "المسألة الفلسطينية" و"سياسة التجريد.. كفاح شعب فلسطين لتقرير المصير"، وفي كتاباته الأخرى التي همت مواضيع الهوية والعنصرية والنسوية والأدب والسينما والموسيقى والعمارة والترجمة والصحافة والذاكرة والجغرافيا الثقافية والحرب الثقافية والإرهاب والعولمة وصدام الحضارات، وغيرها من المواضيع التي تشكل "المنجز السعيدي"، كما يسميه بن الوليد، المتميز بإمكانات منهجية وتصورية غنية، والذي لا ينحصر
وبعد كتابه "الوعي المحلق.. إدوارد سعيد وحال العرب" الصادر في ثلاث طبعات بالقاهرة والأردن، سيصدر له قريبا كتاب جديد عن المفكر إدوارد سعيد عن دار "العائدون" للنشر في الأردن، يحمل عنوان "خارج العالم الأنغلو أميركي.. إدوارد سعيد في ثقافات محتدمة"، يطرح فيه إشكالية تلقي كتابات هذا المفكر في إيران وإسرائيل وفرنسا وغيرها من البلدان الغربية والعربية، ومسألة التصنيفات التي طالته، رغم أن هذا المفكر "عدو للتصنيفات وخطابات الهوية والقومية.. إلخ"، كما يوضح يحيى بن الوليد، أستاذ التعليم العالي لمادة النقد الثقافي ودراسات ما بعد الاستعمار بجامعة عبد المالك السعدي في طنجة المغربية، والذي يأمل أن يطوي صفحة انشغاله بهذا المفكر بعد كتابه الثالث "إدوارد سعيد.. فرنسيا" الذي سيصدر قريبا أيضا عن "دار الفاصلة" بالمغرب.
ويشير بن الوليد إلى أن إدوارد سعيد عصيّ على التصنيف، فهو ناقد أدبي وثقافي وناقد للاستشراق، وفيلسوف للاختلاف، ورجل سياسة حاذق، وصدامي رفيع، وسجالي ملتزم، وشاهد حر، كما أنه أستاذ جامعي مهيب، وأكاديمي مبهر ومثقف، ومفكر إنسي صلب، ومفكر حداثي ما بعد كولونيالي، ومفكر إمبراطوري ما بعد إمبريالي وما بعد قومي، وهنا تكمن خطورته، لأن ارتكازه على السند الأكاديمي ووضوحه في مقاربة الخطاب ما بعد الكولونيالي هو سر نجاح كتاباته والهجوم عليه في آن، فإلى الحوار:
أولا أسعد بأن يدرج اسمي ضمن كوكبة من الأسماء العربية البارزة والمهتمة بالمنجز الأكاديمي والفكري لإدوارد سعيد، مثل صبحي حديدي وفخري صالح وكمال أبو ديب وفواز طرابلسي وثائر ديب ومحمود درويش… واللائحة قد تطول بعض الشيء، ومن غير أن نتغافل عن المداخل المختلفة بالنسبة إلى هؤلاء على مستوى التعاطي مع إدوارد سعيد في جبهاته الأكاديمية والثقافية والفكرية والفنية، التي تعامل معها إدوارد سعيد بعُدة معرفية محكمة وحاذقة.
وهذه الجبهات تتوزع على النقد المدني والنقد الثقافي والنقد الموسيقي والنقد الحداثي، فضلا عن السرد الثقافي والمقال المضغوط والكثيف، والتعليق على الأحداث والوقائع والمستجدات التي كانت تعصف بالعالم وقت كان إدوارد سعيد على قيد الحياة، وذلك كله حتى لا ننغلق في جبهة "نقد الاستشراق" بمفردها.
أما مدخلي على مستوى التعاطي مع المنجز "السعيدي"، فهو مدخل أكاديمي صرف، وهو أيضا مدخل النقد الثقافي بمعناه التحليلي والمرن في آن واحد. لذلك حاولت، وفي السياق العربي تحديدا، أن أراعي أكبر قدر ممكن من هذه الجبهات.
وفي النظر الأخير، يظل إدوارد سعيد ناقدا أدبيا وناقدا حاذقا وبارعا، وقد حافظ على هذا الناقد في تعاطيه مع نقد الاستشراق وفي كتاباته عن فلسطين، وخاصة كتابيه "المسألة الفلسطينية" و"سياسة التجريد".
وبالنسبة إلى النقد الموسيقي، أو "المكتبة الموسيقية" كما اصطلح عليها فواز طرابلسي، فتكاد تكون غائبة في التعاطي العربي مع المنجز السعيدي. ولعل هذا ما جعلني أفيد من هذه المكتبة في كتاب من كتبي الأخيرة الذي هو بعنوان "في الموسيقى التقليدية بالمغرب.. جهجوكة، بول بولز والعالمية"، وجعلني أطرح موضوع الاستشراق النظري والعملي في الوقت نفسه، وإشكال التمثيل الثقافي والأنثروبولوجي في طبيعة هذه الموسيقى التقليدية بالمغرب، وكيف كان للغرب الدور الحاسم في الارتقاء بهذه الموسيقى إلى مصاف العالمية.
أجل، لا يمكن لأي عاقل أن ينفي هذه التحولات والمتغيرات المتسارعة التي نعيشها، وكما أشرت إليها، وأضيف أنها تحولات ومتغيرات تسير في أكثر من اتجاه وأحيانا في وقت واحد؛ مما يربك المحللين والأكاديميين على مستوى التقاط أو استخلاص دلالات هذه المتغيرات الجامحة، ومما يلزمهم بمداخل محددة في التعامل معها. وعلى مستوى آخر، لا ينبغي أن نرادف بين إدوارد سعيد والأكاديميا، أو أن نجعل منه القضية مثلما نجعل من القضية إدوارد سعيد.
لكن هذا لا ينفي التأثير المذهل لإدوارد سعيد لا من ناحية استعادة أفكاره واستنساخ آرائه، خاصة أن الرجل كان عدوا للتصنيفات، وقدم إنجازات مهمة في الفكر والأدب والنقد وحتى في مجال النقد الموسيقي. ولعل الأهم فيما يتيحه المنجز السعيدي من إمكانات منهجية وتصورية غنية لدراسة قضايا عديدة لا تنحصر في الاستشراق فقط، بل تمضي إلى مواضيع الهوية والعنصرية والنسوية والأدب والسينما والموسيقى والعمارة والترجمة (بوصفها "إمبراطورية") والصحافة والذاكرة والجغرافيا الثقافية والحرب الثقافية والإرهاب والعولمة وصدام الحضارات… إلخ.
ولعل الأهم فيما يتيحه المنجز السعيدي من إمكانات منهجية وتصورية غنية لدراسة قضايا عديدة لا تنحصر في الاستشراق فقط، بل تمضي إلى مواضيع الهوية والعنصرية والنسوية والأدب والسينما والموسيقى والعمارة والترجمة (بوصفها "إمبراطورية") والصحافة والذاكرة والجغرافيا الثقافية والحرب الثقافية والإرهاب والعولمة وصدام الحضارات.. إلخ.
وهذه القضايا جديرة بأن تحررنا من القراءة النمطية التي عادة ما تحصر إدوارد سعيد، وبكثير من الوثوقية، في كتاب "الاستشراق" و"تغطية الإسلام" و"الثقافة والإمبريالية".. أو جبهة "نقد الاستشراق" بصفة عامة، ومن منظور خطاطة المستعمِر (Colonizer) والمستعمَر (Colonized)، ومن غير إيلاء أهمية لإشكالات تحليل الخطاب وسياسات التمثيل في نظرية الخطاب ما بعد الكولونيالي.
حقا لقد طبع هذا الكتاب ثلاث طبعات آخرها طبعة "دار خطوط وظلال" الأردنية التي عززتُها ببحث بعنوان "إدوارد وثورات الربيع العربي"، في دلالة على نوع من الحاجة إلى منجز الرجل.
فقد أحصيت في إثر انطلاقة "الربيع العربي" ما يقرب من 50 مقالة تتحدث أو تخمن كيف كان إدوارد سعيد سيقرأ أحداث "الربيع العربي"، خاصة من ناحية تأثير الغرب؛ الغرب الذي كان في أساس تشكيل العالم الثالث والتخلي عنها لنوع من "الاستعمار الداخلي".
وأصل الداء هو الاستعمار، وهذا موضوع آخر، لكنه يندرج ضمن محور "العرب وإدوارد سعيد" الذي يشغل حيزا كبيرا في الكتاب، ثم مقابله محور "إدوارد سعيد والعرب"، في دلالة على التحوط اللازم في التعامل مع إدوارد سعيد حتى لا نجعل منه عربيا محضا.
صحيح أنه يقول عن نفسه إنه "عربي بالاختيار"، لكنه يظل منتوجا أكاديميًّا غربيًّا، فضلا عن أنه حتى لمّا ينتقد الغرب فهو ينتقده بعُدة أكاديمية غربية وبأسماء غربية. الأسماء العربية نادرة في إحالاته، ولا تعدو كونها مجرد إشارات كما في إشارته ....