لسنوات طويلة، ظلت " آبل " رمزا للاستقرار والثبات التقني بفضل طبقة الإدارة العليا في الشركة التي ظلت مستقرة لفترة طويلة، فضلا عن تقديمها مجموعة متنوعة من التقنيات الموجهة للمستخدمين أولا.
ولكن في الشهور الماضية، خسرت "آبل" العديد من كبار موظفيها، بدءا من مدير التصميم الذي انتقل إلى " ميتا " مرورا بالمدير المسؤول عن طرح شرائحها الذكية، وحتى تيم كوك الذي ينوي التنحي عن منصبه خلال الشهور المقبلة.
ويتزامن هذا التغيير مع تأخر "آبل" في طرح مزايا الذكاء الاصطناعي التي سبقتها العديد من الشركات إليها، وقد يؤثر تغير إدارة "آبل" في تغير الآلية التي تطرح بها الشركة هذه المزايا.
والأكيد أن التغييرات المستمرة في إدارة "آبل" كان لها أثر مباشر على أسهم الشركة، إذ شهدت هذا العام ارتفاعا بمقدار 12% مقارنة مع 30% في العام الماضي وفق تقرير "سي إن إن".
كشفت التقارير عن مجموعة من الأسماء البارزة التي تنوي مغادرة إدارة "آبل" خلال الأسابيع المقبلة، ومن بينها ليزا جاكسون نائبة رئيس الشركة لشؤون البيئة والسياسة والمبادرات الاجتماعية إلى جانب المستشارة العامة كيت آدامز وآلان داي الذي ينتقل إلى "ميتا" بصفته رئيس قسم التصميم وجون جياناندريا الرئيس الأول لآليات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي.
فضلا عن جوني سروجي نائب الرئيس الأول لتقنيات الأجهزة، الذي أعرب لتيم كوك عن نيته في مغادرة الشركة خلال الفترة المقبلة، وفق تقرير منفصل نشرته "فورتشن".
ولا يتوقف الأمر على موجة المغادرة هذه، إذ استقطبت "آبل" مديرة الشؤون القانونية السابقة في "ميتا" جينيفر نيوستيد لتتولى قيادة الشؤون الحكومية وتصبح مستشارة عامة جديدة لها.
وترفع تقارير فرق المبادرات البيئية والاجتماعية إلى صابح خان الرئيس التنفيذي للعمليات في "آبل"، كما استطاعت "آبل" إقناع أمار سوبرامانيا الذي كان نائب رئيس " مايكروسوفت " للذكاء الاصطناعي بالانضمام إلى الشركة وشغل منصب نائب رئيس "آبل" الجديد للذكاء الاصطناعي.
وبينما شهد قطاع التكنولوجيا بشكل عام تغيرات عديدة هذا العام في كافة الشركات، فإن التغيرات التي شهدتها "آبل" هي الأبرز كونها تمثل تغيرا في سياسة الشركة التي عرفت بارتباطها وتماسك موظفيها.
وأكد دان آيفز الرئيس العالمي لأبحاث التكنولوجيا في شركة "ويدبوش" للأوراق المالية أثناء حديثه مع "سي إن إن" أن ما يحدث في "آبل" الآن يتعارض بشكل واضح مع ثقافة "آبل" التقليدية، مضيفا: "لأن إستراتيجية الذكاء الاصطناعي كانت غير مرئية، وهذا سيحدد إرث كوك، وكيفية تعامله مع هذا الفصل".
أجلّت "آبل" في الأسابيع الماضية تحديثا كان يفترض به أن يجعل "سيري" أقرب إلى "شات جي بي تي" و"جيميناي"، محولا الأداة إلى مساعد شخصي حقيقي قادر على استخدام التطبيقات المختلفة الموجودة في هاتف المستخدم لتلبية احتياجاته.
ويعرف هذا التحديث باسم "سيري" المعززة بالذكاء الاصطناعي، وقد أعلنت عنها الشركة للمرة الأولى في العام الماضي مع الكشف عن نظام "آي أو إس 18" ومزايا الذكاء الاصطناعي "آبل إنتيليجنس"، ولكنها أجلته لأكثر من مرة.
كما أن نظارات "آبل" للواقع الافتراضي والمعزز ما زالت جهازا مهمشا ومقدما لفئة بعينها من المستخدمين، وذلك تزامنا مع تسارع خطى " غوغل " و"ميتا" و" سامسونغ " في قطاعات الذكاء الاصطناعي والنظارات الذكية.
كما أن شركات الذكاء الاصطناعي دخلت مرحلة جديدة من السباق مع طرح "أوبن إيه آي" لمزايا التسوق داخل "شات جي بي تي" والمتصفح الخاص بها، بالإضافة إلى أداة "جيميناي 3" من "غوغل" التي أذهلت العالم بعد طرحها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
يسعى المستثمرون للعثور على الإجابات حول خطط الذكاء الاصطناعي لدى "آبل"، إذ يتساءلون حول دور "سيري" في دفع المنتجات الجديدة وتهديد أدوات الدردشة بالذكاء الاصطناعي على مكانة "آبل".
ومن جانبه، يرى إيدي كيو نائب رئيس الشركة للخدمات أن الناس قد لا يحتاجون هاتف "آيفون" خلال السنوات العشر المقبلة، وذلك وفق تصريحاته في محاكمة "غوغل" لمكافحة الاحتكار.
وربما كان انتقال كيو إلى "ميتا" مرتبطا برؤيته هذه، إذ تعمل "ميتا" على تطوير مجموعة من منتجات الذكاء الاصطناعي المبتكرة لمنافسة "أوبن إيه آي".
ويشير تقرير نشرته "سي إن إن" إلى أن انتقال كيو إلى "ميتا" يمثل خطرا حقيقيا على "آبل" أكثر من بقية الانتقالات التي تمر بها الشركة، وذلك وفق تصريحات جو تياغي مدير المحفظة في صندوق "راشونال إيكوتي آرمور فاند" (Rational Equity Armor Fund).
ورغم كل هذه التقلبات التي تمر بها "آبل" في قطاع الذكاء الاصطناعي، فإن مبيعات "آيفون 17" كانت كافية لرفع أرباح الشركة عن السنوات الماضية، وذلك وسط توقعات بتربع "آبل" على عرش الهواتف الذكية خلال هذا العام متخطية بذلك "سامسونغ" خلال هذا العام للمرة الأولى منذ 2011.
كما أن "آبل" من الشركات القليلة التي تمكنت من تخطي حاجز 4 تريليونات دولار في الأرباح مع "إنفيديا" وغيرها من شركات الذكاء الاصطناعي.
ويرى البعض مثل روبرت سيغل، وهو من خبراء رأس المال الاستثماري منذ فترة طويلة ومحاضر في كلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال في جامعة ستانفورد أن التغيير ليس أمرا سيئا خاصة في الأوقات التي تشهد طرح تقنيات جديدة وثورية.
ويضيف أن هذه التغييرات "تقدم وجهات نظر مختلفة في وقت تعلق به الشركة بآلية تفكير وطرح منتجات مكررة".
ولكن لا يسعنا إلا الانتظار لنرى ماذا يحمل المستقبل لشركة بحجم "آبل"، وهل سيكون الذكاء الاصطناعي المسمار الأخير في نعش الشركة مثلما حدث مع "نوكيا" والهواتف الذكية؟
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة