يتواصل مسلسل تعثر مشروع الخط البحري الرابط بين ميناء أكادير والعاصمة السنغالية دكار، رغم مرور قرابة سنة كاملة على توقيع البروتوكول المتعلق به، من طرف كريم أشنكلي، رئيس مجلس جهة سوس ماسة، بصفته الطرف المؤسساتي في الاتفاقية، إلى جانب الطرف الثاني الذي جرى الإعلان عنه خلال حفل التوقيع والمتمثل في غريغوري دارلين، مدير شركة “أطلس مارين”، وذلك تحت إشراف والي جهة سوس ماسة سعيد أمزازي، ووسط وعود واسعة بتعزيز التبادل التجاري مع دول غرب إفريقيا وتقليص تكاليف النقل ورفع نجاعة سلاسل الإمداد، ليظل المشروع موقوف التنفيذ إلى اليوم.
وجرى تقديم هذه المبادرة، لحظة إطلاقها في الحادي عشر من دجنبر 2024، على أنها خطوة استراتيجية لتنويع الشراكات الاقتصادية لجهة سوس ماسة وربطها بشكل مباشر بأسواق غرب إفريقيا مطلع 2025، غير أنها ظلت تراوح مكانها، وسط غموض يلف جاهزيتها التقنية والإدارية، ما أعاد إلى الواجهة تساؤلات ملحة حول أسباب هذا التأخر وحدود مسؤولية الجهات المتدخلة في تتبع تنزيلها.
وفي غشت الماضي، أي بعد نحو ثمانية أشهر من توقيع البروتوكول، صرح إدريس بوتي، بصفته رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب بجهة سوس ماسة وأحد الحاضرين في حفل التوقيع، لجريدة “العمق المغربي”، أن التأخير في إطلاق الخط راجع إلى تحديات تقنية ولوجستية معقدة، وليس إلى ارتجال أو غياب تصور واضح لدى القائمين عليه، مشيرا إلى أن المشروع يتطلب الحصول على تراخيص من دولتي المغرب والسنغال، وتجهيز بنية تحتية خاصة في الموانئ، مثل توفير أرصفة ثابتة وقارة لاستقبال البواخر، وهو أمر غير متوفر ويتطلب وقتا لتجهيزه، مشددا على أن آخر أجل متوقع لإطلاق الخط كان محددا في أواخر أكتوبر أو بداية نونبر 2025.
وبعد مرور أكثر من شهر على هذا الموعد الذي حدده بوتي، عادت جريدة “العمق المغربي” لتسأله عن مستجدات المشروع، فجاء رده كاشفا عن استمرار التعثر من “الجانب السنغالي”، حسب تعبيره، إذ قال: “آخر الأخبار التي أتوفر عليها هي أنهم وجدوا بعض العراقيل التقنية المينائية في السنغال”، وهو ما يؤكد استمرار العوائق التي تواجه خط أكادير– دكار.
وأشار ذات المتحث في جوابه إلى إطلاق خطين بحريين مباشرين من أكادير، أحدهما نحو إنجلترا، والآخر نحو بلجيكا وهولندا، مؤكدا أن هذين الخطين عرفا إقبالا مهما منذ أول رحلة، غير أن هذه الخطوط، على أهميتها، تختلف جوهريا عن الخط المعلن عنه بين أكادير ودكار، فهي خطوط لنقل المقطورات وليس الشاحنات، ولا صلة لها بالاتحاد العام لمقاولات المغرب أو بجهة سوس ماسة، بل أطلقتها فاعلون دوليون كبار في مجال النقل البحري.
ففي نونبر 2025 أعلنت مجموعة “موانئ دبي العالمية” عن إطلاق خط بحري جديد يحمل اسم “أطلس”، يربط بين موانئ أكادير والدار البيضاء من جهة، وموانئ المملكة المتحدة وشمال أوروبا من جهة أخرى، عبر سفينتين مخصصتين لنقل المقطورات والحاويات، كما أطلقت شركة الشحن الأوروبية “سامسكيب” في فبراير 2025 مسارا بحريا يربط أكادير والدار البيضاء بروتردام وموانئ تيلبري وتامس بورت في المملكة المتحدة، ويؤمن هذا المسار رحلات أسبوعية مباشرة موجهة أساسا لنقل المنتجات الطازجة، مع خدمات “من الباب إلى الباب” تشمل التخليص الجمركي والنقل الداخلي، ما يتيح وصول المنتجات المغربية إلى أسواق مثل النرويج وبولندا وفنلندا والسويد والدول البلطيقية، بل وحتى إيرلندا، في أقل من ستة أيام من مغادرة أكادير.
ومع أن هذه الخطوط الجديدة تعزز مكانة أكادير كميناء للصادرات الطازجة نحو أوروبا، إلا أنها لا تعالج السؤال الجوهري المرتبط بمصير الخط البحري نحو دكار، الذي كان يفترض أن يشكل بوابة استراتيجية للمغرب نحو غرب إفريقيا، فالعراقيل التقنية المينائية التي تحدث عنها بوتي في السنغال تضاف إلى تأخر سابق في التراخيص والبنية التحتية والتجهيزات اللوجستية، وهو ما يجعل مستقبل المشروع مفتوحا على احتمالات عديدة، في ظل غياب أي موعد رسمي جديد لإطلاقه.
وكانت معطيات حصلت عليها جريدة “العمق المغربي” قد كشفت في وقت سابق أن الاتفاق المرتبط بالمشروع لم يعرض على التداول المسبق داخل مجلس جهة سوس ماسة قبل توقيعه، رغم تضمنه مقتضيات مالية تهم دعم الخط في حالة ضعف نسب الملء، وهو ما يطرح، حسب مختصين في التدبير الترابي، إشكالات مرتبطة بالمساطر القانونية و الحكامة المؤسساتية.
كما أن وثائق رسمية حصلت عليها “العمق” تفيد أن الاتفاق المرتبط بالمشروع لم يبرم مع الشركة التي تم تقديمها للرأي العام خلال حفل التوقيع، بل مع كيان حديث التأسيس يحمل اسم “خط أكادير دكار”، وهو ما فتح نقاشا واسعا داخل الأوساط المهنية والسياسية بالجهة، حول مدى وضوح المسطرة التي جرى اعتمادها في اختيار الشريك المتعاقد.
ويرى متابعون أن هذا المعطى يضع مجلس جهة سوس ماسة، الموقع على البروتوكول، باعتباره الطرف المؤسساتي الرسمي، أمام مساءلة سياسية وأخلاقية حول آليات التعاقد والتتبع، فيما ذهب بعض الفاعلين إلى اعتبار ما وقع “مناورة تواصلية” أو “تقديم صورة غير مكتملة للرأي العام” دون أن تصدر، إلى حدود الساعة، أية توضيحات رسمية مفصلة من الجهة بشأن هذه النقطة المثيرة للجدل.
كما أكد مهنيون في قطاع النقل البحري أن ميناء أكادير لا يتوفر حاليا على أرصفة قارة مخصصة لاستقبال بواخر نقل الشاحنات والسائقين، مدعين أن توقيت الإعلان عن المشروع ارتبط بسياق سياسي واقتصادي خاص، حيث “حاول المروجون للمشروع استغلال عاملين رئيسيين لخلق “وهج إعلامي وسياسي” حول هذا الخط البحري، أولهما هو تزامن الإعلان مع المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس لتعزيز التعاون مع دول غرب إفريقيا، وثانيهما القرار المفاجئ الذي اتخذته موريتانيا، في وقت سابق، برفع الرسوم الجمركية، وهو ما وظفه البعض لتبرير الحاجة إلى خط بحري بديل، رغم أن تلك الظروف كانت ظرفية وسرعان ما تغيرت.
وأمام استمرار هذا التعثر، ما تزال فئات واسعة من المصدرين والفاعلين الاقتصاديين بجهة سوس ماسة تواجه صعوبات حقيقية في الولوج إلى أسواق غرب إفريقيا، بسبب تعقيد المسارات البرية وارتفاع التكاليف، في ظل غياب خط بحري مباشر يمثل بديلا عمليا ومستداما، إذ عبر عدد منهم، خلال حديثهم للعمق، عن إحباطهم من تأخر تنزيل هذا المشروع، معتبرين أن طموحاتهم في تعزيز الحضور الاقتصادي للجهة بإفريقيا ظلت رهينة وعود لم تغادر، إلى اليوم، دائرة التصريحات والبلاغات الرسمية.
المصدر:
العمق