آخر الأخبار

منظمات توثق تورط الجزائر والبوليساريو في العبودية بمخيمات تندوف

شارك

بينما يحيي العالم اليوم الدولي لإلغاء الرق، الذي يصادف 2 دجنبر من كل سنة، تاريخ اعتماد الأمم المتحدة لاتفاقية تتعلق بمكافحة الاتجار بالأشخاص واستغلال بغاء الغير، تتجدد الدعوات الحقوقية إلى كشف حقيقة ما يجري داخل مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري، حيث تتواصل ـ وفق شهادات ـ ممارسات تُعيد إنتاج أنماط جديدة من الاستعباد والتمييز ومختلف الانتهاكات التي تنخر حياة فئات محرومة أصلا من أبسط شروط الكرامة الإنسانية.

وتؤكد أصوات حقوقية، تحدثت لجريدة هسبريس الإلكترونية في هذا الشأن، ضرورة كسر جدار الصمت الذي يحيط بهذه المخيمات؛ من خلال تحرك جدي يشمل توثيق حالات الاسترقاق والحرمان من الحقوق والحريات على أسس تمييزية تطال سكان هذا الفضاء، إلى جانب إنهاء حالة الإفلات من العقاب، منتقدة في الوقت ذاته تواطؤ السلطات الجزائرية التي فوّضت لجبهة “البوليساريو” تسيير هذه المخيمات.

رق متوارث

قالت مينة لغزال، منسقة “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية”، إن “اليوم الدولي لإلغاء الرق يُعد فرصة لتعزيز المعرفة وتسليط الضوء على أشكال الرق المعاصر، متجاوزا بذلك حصر الأمر في تجارة الرقيق التاريخية عبر المحيط الأطلسي، ليشمل الأشكال المعاصرة للرق؛ مثل العمل القسري، والزواج القسري، والاتجار بالبشر، والتجنيد القسري للأطفال لاستخدامهم في النزاعات المسلحة، وغيرها من الممارسات الاستغلالية”.

وأضافت لغزال، في تصريح لهسبريس، أن “التحالف باعتباره منصة للتثقيف وتعزيز الوعي بحقوق الإنسان وقف على حالات من الاسترقاق المرتبطة بالعبودية القسرية والرق المتوارث والاستعباد المنزلي والعمل القسري للنساء والأطفال؛ كالممارسات ذات الصلة بالرق في مخيمات تندوف، حيث نبهت منظمات غير حكومية متعددة باستمرار إلى وجود تلك الممارسات وتجدد ظهورها، واصفة ممارسات الرق المستمرة في سياق منطقة تندوف بأنها حالات رق متوارث وفصل عنصري يستهدف الصحراويين ذوي البشرة السوداء أو الأشخاص ذوي الأصول الخاضعة لنظام العبودية في المجتمع القبلي”.

وزادت منسقة “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية”: “العائلات المالكة للعبيد بالمخيمات تحرم الذكور الخاضعين لنظام الاسترقاق من الزواج بسبب أصول عائلاتهم العبودية؛ كحالة شاب صحراوي يدعى محمد سالم، كانت قد تم تسليط الضوء على قضيته في الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان، كما يفيد بعض النشطاء بأن تلك الممارسات تُستخدم من طرف تنظيم “البوليساريو” كأدوات للتحكم والسيطرة الاجتماعية والسياسية على فئات من قاطني المخيمات، أو للقيام بأعمال شاقة كالسقي ورعي الإبل وبناء الدور الصفيحية بالمخيمات وكافة المهن الخدمية التي تحتاجها “البوليساريو” لتدبير شؤون المخيمات”.

وذكرت الفاعلة المدنية أن “تقريرا لهيومن رايتس ووتش صدر عام 2014 أثبت أن الاستعباد المنزلي غير الطوعي كالعمل المنزلي القسري، من تنظيف وغسيل ورعاية الأطفال، لا يزال مستمرا بين أقلية من ساكنة المخيمات”، مبرزة أن “استمرار الانتهاكات ذات الصلة بالرق في مخيمات تندوف له عواقب وخيمة وطويلة الأجل على الصحراويين، ينتج عنها انتهاك للكرامة الإنسانية والمساواة في الحقوق، حيث يجد الأشخاص المولودون في ظل وضعية عبودية أنفسهم مستبعدين اجتماعيا، وممنوعين من الزواج أو العمل بحرية أو حتى الهروب من الاستعباد المنزلي القسري، بالإضافة إلى تكريس الظلم المتوارث عبر الأجيال”.

مسؤولية جزائرية

أوضح عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، أن “استمرار مظاهر العبودية والاسترقاق بمخيمات تندوف جنوب غربي الجزائر له أسباب رئيسية تجعل من الصعب القضاء على هذه الظاهرة ما لم يتم اتخاذ تدابير وإجراءات حازمة لحماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات بتلك المنطقة من قبل الدولة الحاضنة للمخيمات والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين؛ وفي مقدمتها دراسة المشكلة وتفكيك عناصر استدامتها والظروف المشجعة على استمراريتها وكذا اقتراح السبل الكفيلة بمعالجتها”.

ومن تلك الأسباب، أضاف المتحدث لهسبريس، ما يتعلق بـ”الإرث التاريخي للظاهرة، حيث كان الرق والممارسات القائمة على أساس العبودية موجودة في المجتمعات البدوية في الصحراء قبل الحقبة الاستعمارية؛ بما في ذلك بين مجموعات القبائل الناطقة بالحسانية، ويغلب على تلك المظاهر الطابع العرقي أو القبلي. ومن جانب آخر، يبرز الانتماء الطبقي الاجتماعي والتمييزي، حيث في الغالب يتأثر الصحراويون من ذوي البشرة السوداء أو ممن تعرضوا للاستعباد بقيود غير متناسبة مقارنة بغيرهم من الأصناف الأخرى”.

وزاد الكاين قائلا: “يضاف إلى تلك الإكراهات التاريخية والاجتماعية غياب حكامة ورقابة فعالة لإدارة شؤون المخيمات، باعتبار ما يقع من ممارسات تمييزية وانتهاكات تقع غالبا خارج رادار مراقبة المؤسسات الجزائرية أو بمباركتها، وفي حلٍّ من أي رقابة أممية أو مساءلة قانونية أو رصد مستقل بسبب الإغلاق المحكم لفضاء المخيمات، ناهيك عن سيادة الإفلات من العقاب تجاه المخالفين لأسباب قبلية أو مصلحية أو تبعية للجزائر، والوصول المقيد للمراقبين الدوليين المستقلين”.

وشدد رئيس منظمة “أفريكا ووتش” على أن “غياب توافر إرادة سياسية للسلطات الجزائرية لإلغاء تفويضها لولايتها القانونية لتنظيم “البوليساريو” يجعل من الحظر القانوني للرق والعبودية في المخيمات أمرا مستحيل التحقق”.

وفي هذا الصدد، أكد الفاعل الحقوقي ذاته أن “نهاية ظاهرة العبودية بمخيمات تندوف تتطلب إصلاحا منهجيا على المستوى القانوني والمؤسسي والإنساني، وليس مجرد خطوات تدخل معزولة لتزييف الحقائق، خاصة ما يتعلق بإلغاء تفويض اختصاصات الجزائر لـ”البوليساريو” وإفساح المجال لجميع فئات قاطني المخيمات لتنفس الحقوق والحريات وفق مقتضيات القانون الدولي”.

وخلص عبد الوهاب الكاين إلى أن “الحصول على معلومات موثقة بشأن حالات تعرضت للاسترقاق وممارسات عبودية كحالة عائلة أهل الشيدة المكونة من عشرة أفراد، وحالة خديجة يكبر، وافطيم سالم، وامبيريك ولد سالم، وسلطانة وغيرهم، يشي بوجود العديد من الحالات الأخرى التي ظلت في الظل بسبب العزلة والوصول المقيد وغياب رصد مستقل لحقوق الإنسان داخل المخيمات، لصعوبة التحقق من نطاق وحجم الانتهاكات”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا