أثار المحلل السياسي وأستاذ القانون الإداري بجامعة محمد الخامس بالرباط، رضوان اعميمي، عددا من الملاحظات بشأن الدورية الأخيرة لوزارة الصحة حول إعادة تنظيم بنية الاستقبال بالمستشفيات، منتقدا إصدراها باللغة الفرنسية وتجاهل التنوع اللغوي بتجاهل اللغتين العربية والأمازيغية.
ورأى اعميمي أن الدورية، رغم طابعها الإصلاحي وتركيزها على تحسين الاستقبال بالمؤسسات الاستشفائية، تطرح سؤالا بنيويا حول مدى حقيقة الاستقلال التدبيري للمجموعات الصحية الترابية، ما دام تدبيرها يخضع لإشراف مركزي لا يترك لها هامش ابتكار أنظمة استقبال جهوية تستجيب لخصوصيات كل جهة وحاجياتها.
وأشار المحلل السياسي إلى أن “الدورية تسلط الضوء على واحدة من أبرز اختلالات المنظومة الصحية، كضعـف أو سوء استقبال المرضى ومرافقيهم، والذي كثيراً ما يعود، وفق تعبيره، لغياب التكوين المناسب، أو إقحام أشخاص غير مؤهلين في هذه الوظيفة الحسّاسة، أو لعوامل تنظيمية أخرى، كما أن الدورية تحمل، علل حد قوله، بعدا إصلاحيا واضحا من خلال التنصيص الصريح على ضرورة التعيين الفوري للمكلفين بالاستقبال وضبط مهامهم.
غير أن الدورية بالمقابل، يضيف المحلل السياسي، “وبالإضافة لصدورها بلغة أجنبية فإنها تثير، وفق تعبيره، سؤالا بنيويا حول جدوى إحداث المجموعات الصحية الترابية باعتبارها مؤسسات عمومية جهوية مستقلة، لها مجالس إدارة وتمثيلية متعددة، ونظام خاص للحكامة، إذا كانت ستتلقى توجيهات مركزية موحدة على الصعيد الوطني، من قبيل الدليل الوطني لتحسين الاستقبال بالمؤسسات الاستشفائية.
وتابع متسائلا: “كيف يمكن الحديث عن استقلالية تدبيرية وعن حكامة جهوية متقدمة، بينما لا يُفسح المجال لصياغة أنظمة جهوية خاصة بالاستقبال تراعي خصوصيات كل جهة وحاجيات ساكنتها؟”.
كما يطرح الموضوع، وفق الأستاذ الجامعي ذاته، إشكالاً إضافياً يتعلق بواجب احترام التنوع اللغوي للمواطنين، وفي مقدمته اللغة الأمازيغية بصفتها لغة رسمية للدولة، إذ كان المنتظر أن يستحضر النظام الجهوي للاستقبال هذا المعطى من خلال إدماج موظفين قادرين على التواصل بالأمازيغية أو توفير وسائط تواصل مناسبة”، على حد قوله.
وشدد اعميمي على أن “البعد الترابي في تقديم الخدمات العمومية لا ينبغي أن يظل مجرد شعار جذاب، بل ممارسة فعلية ومستمرة في التدبير العمومي، تُترجم استقلالية المجموعات الصحية الترابية وتجعلها قادرة على ابتكار حلول تتماشى مع واقعها الترابي وتحدياتها الخاصة”.
وكان وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، أصدر مذكرة شدّد فيها على ضرورة إعادة تأهيل وإعادة تنظيم وظيفة الاستقبال داخل جميع المؤسسات الاستشفائية، مع منع تدخل حراس الأمن والعاملين في النظافة في مهام الاستقبال.
وشدّد الوزير، في المذكرة ذاتها، على منع تواجد أي عنصر بشري غير معني مباشرة بمهام الاستقبال داخل مسار الاستقبال والتوجيه، سواء من مقدمي الخدمات الخارجية كالنظافة والصيانة أو غيرهم، مؤكدا أن نجاح هذه الإجراءات رهين بانخراط المسؤولين الجهويين وحسهم بالمسؤولية من أجل ضمان استقبال لائق وإنساني يعزز الثقة ويقوي التواصل بين المستعملين والمهنيين الصحيين.
ووجه التهراوي، المذكرة، إلى المدير العام الجهوي لجهة طنجة تطوان الحسيمة وكافة المديرين الجهويين للصحة والحماية الاجتماعية، يدعو فيها إلى إعادة تأهيل وإعادة تنظيم وظيفة الاستقبال داخل جميع المؤسسات الاستشفائية، في إطار تفعيل الأوراش المهيكلة لإصلاح المنظومة الصحية وانسجاماً مع التوجيهات الوزارية الهادفة إلى تحسين تجربة المريض وتجويد خدمات الاستقبال باعتبارها رافعة أساسية في الحكامة الشاملة للوحدات الاستشفائية، ومؤشراً رئيسياً للرفع من جودة الاستقبال وتعزيز إنسانية المرافق الصحية.
وطلب الوزير، في المذكرة، القيام في أقرب الآجال بإعادة تأهيل وتنظيم وظيفة الاستقبال على مستوى كافة البنيات الاستشفائية التابعة للمناطق الصحية، وفق عدد من التوجيهات.
وشملت هذه التوجيهات الشروع في تحديد المناصب المتعلقة بوظيفة الاستقبال وإسنادها إلى عناصر مؤهلة ومتخصصة طبقاً لمتطلبات صفقة الخدمات الخارجية، وفي حالة عدم وجود فريق مخصص، دعا إلى تعيين فريق فوري من الموارد البشرية التابعة للمستشفى لتأمين هذه الوظيفة بشكل مستمر ومنظم بصفة مؤقتة إلى حين توفير الموارد البشرية المتخصصة.
المصدر:
العمق