آخر الأخبار

مقترح الحكم الذاتي بالصحراء المغربية .. الرباط تعبر عن الإرادة السياسية

شارك

أعاد الاجتماع الذي جمع مستشاري الملك محمد السادس بقيادات الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان ترتيب أولويات النقاش الوطني حول المبادرة المغربية للحكم الذاتي، في ظل متغيرات إقليمية ودولية تعيد رسم موازين التفاعل مع هذا المقترح الخاص بتاريخ الملف الصحراوي داخل الأمم المتحدة.

اللقاء، الذي عُقد في المشور السعيد بحضور وزيري الداخلية والخارجية، حمل رسائل متعددة، أبرزها العودة إلى المقاربة التشاركية التي أرساها الملك في تدبير ملف الوحدة الترابية للمملكة، واستحضار مختلف المكونات الوطنية في بلورة الصيغة المحدّثة من مبادرة الحكم الذاتي.

وفي هذا الصدد تفاعل الرأي العام في الأقاليم الجنوبية مع فحوى هذا الاجتماع بشكل مطرد، معتبرا أنه يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من النقاش الوطني الهادئ والمسؤول حول مستقبل النموذج المغربي في الحكم الذاتي.

ويتوقع عدد من الفاعلين السياسيين والمدنيين بكبرى حواضر الصحراء المغربية أن يتجه النقاش خلال الأسابيع المقبلة نحو إشراك الساكنة المحلية في صياغة تفاصيل المقترح المحدث قبل رفعه إلى المنتظم الأممي، تأكيدا لمبدأ القرب وإرساء لثقافة التشارك في القرارات المصيرية.

ويرى متتبعون أن هذا الانفتاح يعكس إرادة سياسية واضحة في إشراك كل المكونات الوطنية، بما فيها المؤسسات الاستشارية والمجالس المنتخبة، وفي مقدمتها المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، لضمان أن تكون الصيغة النهائية للمقترح معبّرة عن إجماع وطني واسع يدمج الأبعاد السياسية والتنموية والحقوقية للأقاليم الجنوبية.

كما يؤكد خبراء من المنطقة أن تحيين تفاصيل الحكم الذاتي يشكل استمرارية لنهج الإصلاح المؤسساتي الذي يميّز عهد الملك محمد السادس، ويمنح القضية الوطنية قوة إضافية على مستوى الترافع الدولي، خصوصا في ظل الدعم المتزايد الذي حظيت به المبادرة المغربية من قِبل عدد من الدول المؤثرة والهيئات الإقليمية.

وفي انتظار اتساع رقعة النقاش ليشمل مختلف الفاعلين المحليين تراهن ساكنة الأقاليم الجنوبية على أن تُترجم هذه الدينامية السياسية إلى مشاورات ميدانية تعيد الاعتبار لصوت المواطن الصحراوي في بناء النموذج الذاتي المنشود، بما يعزز الاستقرار والتنمية ويكرّس صورة المغرب كفاعل مسؤول في محيطه الإقليمي والدولي.

مشاورات مرتقبة

إبراهيم بلالي اسويح، المحلل السياسي وعضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، قال إن “المقاربة التشاركية كانت منذ أن أعلن جلالة الملك محمد السادس في خطابه لشهر يوليوز 2006 عزمه تقديم مقترح الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية؛ إذ شملت كل المكونات الحية بالبلاد، بما في ذلك المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (الكوركاس)”، مشيرا إلى أن “هذه المشاورات أفرزت المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي قُدمت للأمين العام للأمم المتحدة يوم 11 أبريل 2007، وشكلت منذ ذلك التاريخ أحد الأسباب الرئيسية في تشبث مجلس الأمن بثوابت العملية السياسية إلى غاية صدور القرار الأخير رقم 2797”.

وأضاف اسويح، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن اللافت في المرحلة الراهنة هو الإرادة الملكية في ترسيخ الإجماع حول القضية الوطنية، من خلال هذا التواصل الداخلي بشأن مستجدات ملف الوحدة الترابية للمملكة، لافتا إلى أن “توالي دعوات جلالته لتعبئة كل القوى الحية بالبلاد شكلت محورا ثابتا في مختلف خطاباته الأخيرة، في وعي ملكي عميق بأهمية الجبهة الداخلية في تعزيز الموقف المغربي، الذي يرى أن حل النزاع، وإن كان توافقياً، فإنه سيتم في إطار مغرب جديد تحكمه الديمقراطية التشاركية، حيث تبقى المصالح العليا للوطن فوق أي اعتبارات سياسية أو فئوية”.

وأوضح المحلل السياسي ذاته أن “الرسالة الضمنية من الاجتماع الذي جمع مستشاري الملك بقيادات الأحزاب تتمثل في إعطاء أبعاد سياسية وتدبيرية وقانونية لأي تعديل دستوري محتمل، وفي إغناء الصيغة الجديدة من مقترح الحكم الذاتي بمقترحات ميدانية راكمتها هذه الأحزاب عبر تجربتها في تدبير الشأنين المركزي والمحلي”، موردا أن “إعداد المبادرة السابقة مرّ عليه عقدان من الزمن، وبالتالي تقتضي المرحلة الحالية تفصيل بعض الفقرات وتحيينها بما يعكس التحولات المؤسساتية والتنموية التي شهدها المغرب”.

ونبه المتحدث إلى أن “منطوق القرار الأممي الأخير يدعو الأطراف إلى التعاون مع الوسيط الأممي من أجل إطلاق مفاوضات جديدة بعد توقف دام أكثر من ست سنوات، على أساس المقترح المغربي كقاعدة للعملية السياسية”، مؤكدا أن “قوة هذا المقترح تكمن في الإجماع الوطني الذي يحظى به، خصوصا أن المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عبّر عن انتظاره هذه النسخة الجديدة باعتبارها رهانا رئيسيا يعزز دعم مجلس الأمن لجهوده الرامية إلى تيسير المسار التفاوضي بين الأطراف، انطلاقا من مبادرة مغربية محينة ومفصلة”.

ولفت الخبير في النزاع الانتباه إلى أن “الإشارة المهمة في خطاب جلالة الملك عقب صدور قرار مجلس الأمن كانت دعوته إلى تفصيل وتحيين المقترح المغربي، وهو ما يعني أن المسودة الأصلية ستظل قائمة في جوهرها، لكنها ستُوسع وتُفصل بشكل أدق في بعض مضامينها”، وتابع: “إن النسخة الأولى ركزت على المبادئ الكبرى دون الخوض في التفاصيل، بينما بات المغرب اليوم مؤهلا لتوضيح هذه الجوانب بفضل ما راكمه من إصلاحات جوهرية وأوراش كبرى، سواء في مجال الجهوية المتقدمة أو من خلال النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، اللذين مهدا فعليا لتنزيل مقترح الحكم الذاتي بالصحراء المغربية”.

كما سجل اسويح أن “الملامح الكبرى للصيغة المحدثة ستراعي التقسيم الوارد في المسودة الأصلية، لكونها تأخذ بعين الاعتبار خصوصية النزاع المفتعل”، مبرزا أن “الفصل الأول سيجدد التأكيد على التزام المملكة بالعمل على إيجاد تسوية توافقية ونهائية، في حين سيشمل الفصل الثاني تفاصيل دقيقة تتعلق بالعلاقة بين المركز والجهة، وطبيعة الاختصاصات والهياكل وأجهزة الحكم الذاتي، بينما سيبقى الفصل الثالث مرتبطاً بمسار التفاوض ومراحل تنزيل المشروع”.

واسترسل المتتبع ذاته بأن “المستجدات التي عرفها المغرب خلال العقدين الماضيين أثرت بعمق في نضج المبادرة على المستويين الدبلوماسي والمؤسساتي”، مردفا بأن “سياسة اللاتمركز الإداري وما رافقها من دينامية تنموية في الأقاليم الجنوبية سيكون لها انعكاس مباشر على مضمون النسخة الجديدة من المبادرة، سواء من حيث عدد الفقرات أو ترتيبها، خاصة تلك الواردة في الفصول الخمسة والثلاثين من المسودة الأصلية”.

وفي هذا السياق يرى إبراهيم بلالي اسويح أن تحيين وتفصيل المبادرة المغربية للحكم الذاتي “يمثل محطة جديدة في مسار التوافق الوطني، ويعكس نضج التجربة المغربية في الدفاع عن وحدتها الترابية بمنطق مؤسساتي منفتح على الإصلاح، ومتماسك بجبهة داخلية موحدة تُدرك حجم الرهانات وتستوعب أبعاد المرحلة المقبلة في مسار هذا النزاع الإقليمي المفتعل”.

رهانات التحديث

من جانبه سجل الطالب بويا اباحازم، أحد شيوخ القبائل الصحراوية، أن “الاجتماع الذي ترأسه مستشارو جلالة الملك محمد السادس مع قيادات الأحزاب الوطنية، الممثلة في البرلمان، يندرج في إطار الحرص الدائم لجلالته على تكريس المقاربة التشاركية مع مختلف الفعاليات الوطنية كلما تعلق الأمر بالقضايا الكبرى للوطن”، مضيفا أن “هذا اللقاء يجسد ترجمة عملية للتعليمات الملكية السامية الواردة في خطاب 31 أكتوبر الماضي، الذي دعا إلى تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية الكاملة”.

وأكد اباحازم، ضمن حديث لهسبريس، أن “هذه المبادرة ليست مجرد تفاعل سياسي مرحلي، بل امتداد لمقاربة ملكية راسخة تعتبر أن قضية الصحراء قضية كل المغاربة دون استثناء”، وزاد: “جلالة الملك، من موقعه كأمير للمؤمنين وضامن لوحدة الأمة المغربية، ظلّ حريصا على إشراك جميع مكونات الشعب المغربي في تدبير الملفات المصيرية، استلهاما لقوله تعالى: ‘وأمرهم شورى بينهم'”.

وأوضح نائب رئيس الاتحاد الدولي لدعم الحكم الذاتي أن “المرحلة المقبلة مرشحة لتوسيع دائرة المشاورات لتشمل باقي الفاعلين الوطنيين، من مؤسسات استشارية وفعاليات المجتمع المدني، وعلى رأسها شيوخ وأعيان ونخب القبائل الصحراوية، الذين يتطلعون إلى المساهمة بفعالية في بلورة النسخة المحدّثة من مشروع الحكم الذاتي، بما يضمن للساكنة المحلية تدبير شؤونها بنفسها في إطار السيادة المغربية، ويفتح الباب أمام عودة المحتجزين بمخيمات تندوف إلى وطنهم الأم في أجواء من الكرامة والوحدة والازدهار”.

وأورد المتخصص في مجال سوسيولوجيا التنمية أن “هذه الدينامية الوطنية المتجددة تعبّر عن لحظة تعبئة شاملة للجبهة الداخلية، وتؤشر على وعي جماعي بأهمية المرحلة التي تسبق عرض النسخة المحدثة من المقترح المغربي على المنتظم الأممي”، مردفا بأن “المطلوب اليوم هو تعزيز التماسك الوطني وتوحيد الرؤى من أجل بلورة مشروع متكامل يحظى بإجماع كل المغاربة من طنجة إلى الكويرة، ويشكل أرضية تفاوضية صلبة للحسم النهائي في قضية الصحراء المغربية”.

وخلص الطالب بويا اباحازم إلى أن “العالم يترقب المقاربة المغربية الجديدة في إدارة هذا النزاع الإقليمي، فيما المملكة مؤهلة لتقديم نموذج متوازن يجمع بين العمق السياسي والتدبير المؤسساتي الرشيد، يساهم في جعل الأقاليم الجنوبية قاطرة للتعاون الإفريقي ومركز إشعاع للاستقرار والتنمية في المنطقة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا