آخر الأخبار

قراءات في كتب الراحل بنيوب تستحضر الحاجة إلى إعادة تعريف الوطنية

شارك

في ندوة تتذكّر الحقوقي والمسؤول الراحل أحمد شوقي بنيوب، قال الأكاديمي و”وسيط المملكة” حسن طارق إن الفقيد كان يعتبر أن هناك حاجة إلى إعادة تعريف الوطنية، بوصفها امتدادا قيميا، قبل أن تكون امتدادا ترابيا، في سياق نقاش “مسألة الحكم الذاتي”.

جاء هذا في لقاء نظمته المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، واستقبلته المكتبة الوطنية، أمس الخميس، بعنوان “قراءات في كتب الأستاذ أحمد شوقي بنيوب، الحقوقي المثقف”، وذكر فيه حسن طارق أن بنيوب كان “نموذجا لأعمال الخبرة المدنية التي تميز فيها وكان فارسها بلا منازع”، وأنه كان ينتصر دائما “لنهج الإصلاح والتوافق والحلول الوسطى، بمبدئية حقوقية ومقاربة إصلاحية”.

مصدر الصورة

وتناول طارق بالقراءة “كتابا غير معروف” لبنيوب هو “قيم المجتمع الديمقراطي”، “له علاقة بلقاء لجمعية بيت الحكمة نظم مكناس في 2008، وهو دراسة دون المائة صفحة، وأسماه تقريرا موضوعاتيا تركيبيا”، وقد اعتبر فيه “فكرة الديمقراطية فكرة ملهمة”، وتحدث عن الكرامة المشتركة لكل القيم، وعن أهمية الاعتراف والمعرفة، وقيمة حرية الرأي، وأهمية الحوار في المشترك الجماعي.

وجاء هذا العمل من منطلق “اعتبار القيم مهمة في التحولات المجتمعية وقيادة المؤسسات والسياسات”، مع تساؤل الراحل عن القيم الصالحة للانتقال الديمقراطي ببلدنا، لأن “القيم الموجهة والملهمة لتحول السياسات والمؤسسات منبنية على الكرامة، والمساواة، والعدل، والإنصاف”، علما أن قيمة القيم عنده هي “الوطنية”؛ وهي “قيمة ألهمت نخب الكفاح الذي صنع الاستقلال، وقيمة ظلت موجهة للجدل طيلة سنوات صراع المغرب المستقل”.

ودافع بنيوب، وفق قراءة طارق، عن “الحاجة الماسة إلى تأصيل الوطنية قيمةً للتحول الديمقراطي والمواطنة”، معتبرا أن أي “حوار حول قيم المجتمع الديمقراطي لا يمكنه تفادي القيمة المتجددة للوطنية”، وأن الديمقراطية “قيمة ملهمة لكل القيم السياسية المحفزة لنهضة حقوق الإنسان”.

مصدر الصورة

وربط بنيوب، حسب القراءة ذاتها، “بين التقدم الديمقراطي وفضيلة المصالحة السياسية”، معتبرا أن “منظومة حقوق الإنسان لا تتعالى على السياسة، بل لها سياستها الخاصة المرتكزة على القيم، وتُؤنسن السياسة”، وأن “حقوق الإنسان ليست دينا مطلقا ولا إيديولوجية مغلقة، بل هي ابنة التاريخ والتراكم والإصلاح”.

ومن دروس بنيوب التي استخلصها حسن طارق أن “حقوق الإنسان مسألة قيم لا معايير، وبالتالي مسألة مجتمع وثقافة ومجتمع وحوار، أي دمقرطة المجتمع، لا مسألة دولة وبنى فوقية”، كما استخلص “ألا ديمقراطية خارج الوطن”، وأن هذا الأخيرة ليس فقط انتماء للذاكرة والتاريخ بل “خلاصة المشترك القيمي الذي يجمع جماعة سياسية”؛ وذكر من جهته أنه تفاعل مع كتاب أحمد شوقي بنيوب المشترك مع امبارك بودرقة “كذلك كان”؛ لسببين أولهما “علاقتي الخاصة مع الراحل، ولو كنا لا نلتقي دائما (…) ولكن انتسج بيننا نمط من التواصل والعلاقة أساسه القراءة والكتابة، وقد كان من الطراز الإنساني الذي يتميز بدرجة محترمة من الكثافة الإنسانية، ليس محاميا وحقوقيا ومناضلا فقط، بل كان قارئا، وكان (…) كلما صدر كتاب لي يقرؤه، ويتصل، وفي ذهنه أنا وبلقزيز متصلان؛ وهو تقليد تأسس بيننا وجعلني أنتبه للجهد الفكري والثقافي والأسئلة القلقة التي كانت تسكنه”.

وثاني دواعي التفاعل مع الكتاب هو كونه كتابا كان يدور حول حدث في التاريخ المغربي المعاصر، هو هيئة الإنصاف والمصالحة، باعتبار المسار والتموجات ونمط الصراع والتوتر في المغرب المعاصر.

مصدر الصورة

ثم ذكر أفاية أن “كذلك كان”: “كتاب مكتوب بيدين وعقلين وذاكرتين وإرادتين، حول فترة شهد فيها المغرب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتجاوزات تعسفية على الكرامة والإرادة والفعل والخيال”، مسجلا أن ما همه هو “شروط كتابة التاريخ المعاصر”، و”الجانب الحكائي والتوثيقي، وعلاقة التجربة بالذاكرة والرواية، في موضوع معقد، بتعقد أسئلته”.

وفي إطار قراءته للكتاب وسياقه سجل أفاية أهمية “الجبهة الداخلية المغربية” التي فتحها البلد، في وقت كانت الجبهات الخارجية غير مهادنة له، مردفا: “لم يكن قرارا هينا، فالدولة نفسها التي انتهكت الحقوق تقر بالتجاوزات، ولو تغير المسؤولون، قصد المصالحة لبناء الثقة في الجماعة الوطنية، وتأسيس مقومات علاقة أكثر ديمقراطية مع المجتمع؛ وهي تجربة غير مسبوقة في المجال العربي والمتوسطي؛ ولم تغامر بعد إسبانيا والبرتغال واليونان بفتح ملف الانتهاكات الكبرى التي شهدتها في العهد الدكتاتوري”.

ومن بين ما ينبه إليه الكتاب أن “ما وقع سنة 2005 تاريخي بكل المقاييس”، وأن “البث المباشر لجلسات الاستماع كان شجاعة ملحوظة، لشهادات مركبة فيها أسباب المحاكمة والبوح بالمعاناة والقراءة البعدية والنقد الذاتي وكسر الخوف (…) وصولا إلى نبش أرض القبور الجماعية”، وفي هذا “كسر للجدار (…) وخوف خضع للخلخلة (…) وتوسيع مدى تلقي الشهادات”.

وتطرق أفاية لما في كتاب “كذلك كان” من شهادة الكاتبين على مناقشاتٍ حافلة، وأشواق حافلة، فخرجت توصيات كان لها وقع على كاتبي الدستور بعد ذلك، من أجل “إعادة بناء المشروعية الديمقراطية، وإرساء ثقافة الاعتراف والثقة”.

مصدر الصورة

وختم محمد نور الدين أفاية مداخلته بقوله إن “العنف محرك للتاريخ (…) لكن صفة الإنسان تكون بالثقافة والقانون”، ليخلص إلى أن “الخطاب الأخلاقي بقدر بعده المثالي والمتخيل أحيانا هو ضروري، وشتان ما بين الأخلاق والتوحش”.

نوفل البعمري، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، اهتم بكتاب شوقي بنيوب حول “العدالة الانتقالية” الذي هو “مرجع أساسي لفهم تجربة المغرب في العدالة الانتقالية، وإعادة تعريفها، وعناصر تأسيسها الأساسية”، موردا: “لا مجرد سرد، بل شهادة تحليلية توثيقية للعدالة الانتقالية، في بداية ما عرف بالعهد الجديد”، مع استعراض “التحديات والرهانات التي رافقت الأمر”، وما أسماها “البصمة المغربية”.

وذكر المتدخل أن الراحل أسهم في “بناء أرشيف حقوقي”، وعكس في الكتاب “وجهة نظره كفاعل مدني حقوقي، وأثر في التجربة الحقوقية ذات النفس الإصلاحي”، وفق تعبيره، مع نقد “توجهاتٍ نصية حرفية لفكرة حقوق الإنسان، دون مزاوجة بين كونية الحقوق والخصوصية”.

مصدر الصورة

ووصف البعمري هذا الكتاب بكونه “وثيقة حقوقية مرجعية، توثق للمنظمة من الداخل، والتحولات السياسية والحقوقية المؤثرة”، ويظهر “الحرص على مصالحة حقيقية بدل تسويات سياسية ضيقة”؛ ومن بين ما استعرضه في ذلك “أفكار إدريس بنزكري المبتعد عن القراءة الميكانيكية للتجربة (…) دون الوقوع في تبرير الانتهاكات أو التخفيف منها”.

واعتبر بنيوب، حسب قراءة البعمري، أن استجابة هيئة الإنصاف والمصالحة “لم تكن استجابة تقنية، ونجحت في كشف الحقيقة وجبر الضرر”.

ثم أجمل المتحدث قائلا إن الراحل أحمد شوقي بنيوب كان يرى في تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة تجربة فريدة في حاجة إلى إعادة تفكير مستمر، في إطار “المشروع الديمقراطي المنشود”، مسجلا أن “العدالة الانتقالية ليست نهاية، بل بداية مشروع طويل من أجل دولة القانون”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا