في مداخلة له متفاعلا بقوة مع أعضاء لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، خلال مناقشة مشروع الميزانية الفرعية لوزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، توقف عبد اللطيف وهبي عند “النقاش المتوتر” الذي عرفه موضوع استقلال السلطة القضائية والنيابة العامة، مبرزا أنه “انتهى بالتصويت ضد رأيه حتى من داخل حزبه”.
ودفعت “الخلافات المتعددة التي تطبع النقاش الحكومي”، بحسب توصيف وهبي، الأخيرَ إلى القول إن “رئيس الحكومة يتبنى توجها محافظا أكثر من حزب الاستقلال، وقناعاته الفكرية والثقافية هي التي تحدد في الغالب توجهات القرار، ما يجعل إقناعه يتطلب نقاشا معمقا وحججا قوية”. وأضاف: “الخلافات داخل الحكومة حول عدد من الملفات بلغت في بعض الأحيان مستويات حادة وصلت حدّ التفكير في الرحيل” (في إشارة إلى تقديم الاستقالة).
كما أوضح، في السياق ذاته، في رده على النواب، أهمية ومحورية “مبدأ استمرارية الدولة”، معتبرا أن “الوزير لا يحكم بمفرده، وأن التراكمات الإدارية والسياسية تجعل النصوص تتنقل بين الوزراء وعدد من المؤسسات (…) لتشهد مسارا طويلا من النقاشات يتجاوز حدود زمن الولاية الحكومية إلى أن تنضج وتُعتمد في صيغتها النهائية”.
وزير العدل لم يُخفِ “تذمره من بطء الممارسة السياسية وتعطيل القوانين، وخاصة مشروع القانون الجنائي ومقتضيات تنفيذ العقوبات البديلة”، وأوضح أن “الخلاف لا يزال قائما حول الجهة التي ستتولى تنفيذ هذه العقوبات وكذا قضية السوار الإلكتروني (…) غير أنه تم إسنادها بقرار من الدولة للمندوبية العامة لإدارة السجون، وأنا لا أملك السلطة في العقوبات البديلة”، حسب قوله.
كما استحضر، ضمن حديثه الذي استهلّه مستدلا بقولة للجنرال الفرنسي ديغول: (“إذا كنتَ وزيرا إمّا أن تصمت أو ترحل”، للتدليل على الانضباط داخل الحكومة، مثالا على “فشل تدبير المحجوزات بالمحاكم وما يتسبب فيه من خسائر مالية كبيرة”، كاشفا أنه “اقترح إنشاء وكالة خاصة لتدبير وبيع هذه المحجوزات على غرار تجارب ناجحة في عدد من الدول، غير أن المقترح قوبل بالرفض رغم تشبثه لثلاث سنوات من أجل تمريره”، معرّجا على أنه “يعمل حاليا على مشروع الوكالة الوطنية للمساعدة القانونية للفئات الهشة لتيسير الولوج إلى العدالة”.
وقال وهبي: “الوزير يتيم في مأدبة اللئام، في البداية تأتي متحمّسا للتغيير فتجد أن موظفا في مكان ما يقول لوزيره شيئا فيأتي ويرفض لك رغم محاولات إقناعه، ولكن آشْ غادّير حينها”، مشيرا إلى أن “هناك قوانين وصلت عند الحكومة لكن لم تتم إحالتها، فماذا ستفعل؟ تنتحر؟ هناك أشياء كثيرة يمكن القيام بها لكن الممارسة السياسية بطيئة لدرجة أنها تقتُل أعصابك”، وفق تعبيره.
وتابع ضمن سياق متصل قائلا: “تراكماتُ النصوص القانونية تستغرق أكثر من ولاية حكومية وزمن التسيير لوزير واحدٍ”، مضيفا بنبرة أسف: “كانت هناك أشياء كثيرة كانْ ممكنْ نْديروها لكن الممارسة السياسية بطيئة لدرجة أنها تقتل أعصابك وتُصيبك باليأس وتجعلك تفكر بالرحيل”.
في موضوع آخر طالما أثار جدلا لا ينتهي، أوضح وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، موقفه المتشبث برفض صيغة مشروع القانون المتعلق بالإثراء غير المشروع، وقال: “لماذا أنا ضد قانون الإثراء غير المشروع؟ لأنه يجب عليّ حماية الموظف من شكايات ضده بخصوص الفساد. فعدد من البرلمانيين والمنتخبين تمت تبرئتهم بعد مسار بحثي وقضائي طويل يصل 3 سنوات (…) الأصل في الناس أنهم نظيفُو السيرة”.
وأضاف بنبرة قوية: “لا يتوفر الموظف على ضمانة واحدةٍ لحمايته من شكايات ضده بخصوص الفساد”، مبرزا أنه “تكوّنت فكرة أن الفساد كايْنْ في المغرب ولكن سيرْ انتَ ابحث عليه”.
وعبّر الوزير وهبي عن “استيائه من الطريقة التي مازالت أحيانا يتم بها تناول موضوع الفساد في المغرب”، مشددا على أن “محاربة الفساد لا يمكن أن تبقى مجرد شعارات شفوية، موردا بلهجة حادة: “ساهْلْ تقولْ بالشفوي نْحاربو الفساد، وللّي شافْ فيكم الفساد يْجي يْعكّرْ ليا.. راهْ مكايبانش”.
وأكد وزير العدل أن “مواجهة الفساد تتطلب عملا مؤسساتيا جادا وآليات دقيقة للتحري والمساءلة، وليس إطلاق الاتهامات العامة التي تسيء لصورة المرفق القضائي أو الموظفين”، موضحا ذلك بقوله: “محاربة الفساد تكون حينما تُضبط النصوص القانونية والمساطر، وليس رفعها كشعارٍ شفهي فقط”.
وختم في هذا الشق حديثه قائلا: “ليس لديّ مشكل في محاربة الفساد. تصلني عشرات الآلاف من الشكايات بشكل يومي، حتى إنه تصلني شكايات غير موقَّعة أحيانا، وحينما نطلُب البحث والتحري والتقصي في بعضها لا نجد شيئا. هذا ما يجعلني متمسكا بحماية الموظف”.
المصدر:
هسبريس