أكد وزير الثقافة والشباب والتواصل محمد المهدي بنسعيد أن الحكومة تتعامل مع ملف المجلس الوطني للصحافة في إطار القانون واحترام استقلالية المؤسسات، مبرزا خلال مناقشة الميزانية الفرعية للقطاع أمام مجلس النواب، أن المجلس أُنشئ سنة 2018 بقوة القانون بعد انتخابات ديمقراطية شارك فيها الصحافيون أنفسهم، وأن الحكومة لم تتدخل في تشكيله أو في طريقة اشتغاله.
وأوضح بنسعيد، خلال رده على مداخلات الفرق النيابية في لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، أن المؤسسة المنتخبة من طرف الصحافيين هي التي تتحمل مسؤولية تدبير شؤونها الداخلية، مضيفا أن الحكومة لن تنصب نفسها بديلا عن المهنيين أو تتدخل في اختصاصاتهم، لأن ذلك يتعارض مع روح القانون والديمقراطية. وقال في هذا الصدد: “المواطنون ينتخبون ممثليهم في المؤسسات، وإذا حصل خلل نعود إلى صناديق الاقتراع وليس إلى القرارات الفوقية”.
واعترف الوزير بوجود تعثرات وتأخر في أداء المجلس الوطني للصحافة، لكنه شدد على أن الحل لن يكون بإقحام الحكومة في التسيير أو حل المجلس، بل عبر تجديد الثقة بالانتخابات. وأضاف أن التجربة الجديدة ستكون محطة لتصحيح الاختلالات وتحسين الأداء، مؤكدا أن الديمقراطية هي الطريق الوحيد لتطوير الممارسة المهنية داخل القطاع.
وفي رده على الملاحظات المثارة بشأن النصوص القانونية المنظمة للصحافة، أوضح بنسعيد أن الحكومة تفاعلت إيجابيا مع مقترحات المهنيين والبرلمانيين، حيث تم الأخذ بما يقارب 80 في المئة من ملاحظات المجلس الوطني للصحافة، وهو ما عكسه مضمون التعديلات الأخيرة. واستدرك قائلا إن “بعض الجوانب التنظيمية ظلت من اختصاص المهنيين ولم تتدخل فيها الحكومة لأنها تخص طريقة انتخاب الأجهزة أو تدبيرها الداخلي”.
وفي ما يتعلق بالدعم العمومي الموجه للقطاع، أوضح بنسعيد أن الدعم الساري حاليا هو نفسه الذي أقرته الحكومة السابقة سنة 2020، وأنه لم يتم إطلاق أي برنامج جديد بعد، مضيفا أن الوزارة أعدت مرسوما جديدا لتطوير الدعم وفق مقاربة أكثر عدلا وشفافية تتيح استفادة المقاولات الإعلامية الوطنية والجهوية، لكن تفعيل هذا المرسوم ما يزال رهن استكمال أشغال اللجان المشتركة.
وأشار المسؤول الحكومي، إلى أن الوزارة تراهن على هذا التصور الجديد لضمان توزيع منصف وشفاف للدعم العمومي، مذكرا بأن الدعم الحالي يمنح وفق معايير محددة وواضحة، وجرى صرفه بطريقة شفافة خضعت للمراقبة والتدقيق.
وفي ما يتعلق بالصحافة الجهوية، أكد الوزير تفهمه للإكراهات التي تعانيها المقاولات المحلية، مبرزا أن الوزارة وجهت المديرين الجهويين للتواصل من أجل عقد لقاءات تشاورية مع الناشرين في الجهات قصد إرساء تكتلات مهنية قادرة على المنافسة والاستمرارية. وقال: “طلبنا من الفاعلين الإعلاميين في الجهات أن يتكتلوا لأن من المستحيل أن تكون في كل جهة خمسون مقاولة صغيرة وضعيفة الموارد وتطلب نفس الدعم الذي تستفيد منه مؤسسة كبرى”.
وأوضح الثقافة والتواصل أن الهدف هو بناء نموذج اقتصادي أكثر واقعية يجعل المقاولات الجهوية قادرة على الصمود والاستمرار، مشيرا إلى أن التجربة الحالية أبرزت هشاشة الوضع المالي لعدد من وسائل الإعلام، إذ لا تحقق سوى إذاعة واحدة في المغرب أرباحا سنوية، في حين تعمل باقي الإذاعات الخاصة في وضعيات عجز أو توازن هش.
وأضاف أن الوزارة تعمل على مراجعة النموذج الاقتصادي للقطاع الإعلامي بهدف إرساء منظومة دعم مستدامة تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الصحافة الجهوية ودورها الحيوي في نقل الخبر المحلي وتتبع الشأن العام الترابي، موضحا أن الصحافة الجهوية تعد رافعة أساسية للتنمية الديمقراطية والاقتصادية لأنها الأقرب إلى قضايا المواطن اليومية.
وأشار بنسعيد إلى أن الوزارة تراهن على تقوية الإعلام الجهوي ليواكب الدينامية التنموية التي تعرفها مختلف مناطق المملكة، ويساهم في إشعاع التجارب المحلية وتغطية عمل الجماعات الترابية والمجالس المنتخبة والفاعلين الجمعويين والاقتصاديين، مؤكدا أن “الصحافة الوطنية لا يمكنها أن تغطي كل الجهات، لذلك من الضروري دعم الصحافة المحلية حتى تقوم بدورها في القرب والمواكبة الميدانية”.
وختم الوزير مداخلته بالتأكيد على أن الحكومة مستمرة في دعم حرية الصحافة وتعزيز الحكامة في تدبير القطاع، قائلا إن “التحدي اليوم ليس فقط في تقديم الدعم المالي، بل في بناء نموذج مهني وتنظيمي قوي يجعل المقاولة الإعلامية مستدامة وقادرة على أداء رسالتها المجتمعية في إطار من المسؤولية والالتزام”.
المصدر:
العمق