أكدت رحمة بورقية، رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أن التحديات لا تزال قائمة أمام قطاع التربية بالقارة الإفريقية، إذ يوجد 25 في المائة من شبابها خارج منظومة التعليم والتشغيل والتكوين، موضحة أن “وتيرة تنفيذ الإصلاحات التربوية تشهد تباطؤا أحيانا”.
وسجّلت بورقية، في افتتاح الندوة الإفريقية حول السياسات التعليمية في القارة الإفريقية، الثلاثاء بالرباط، “حاجة القارة من المدرسين لضمان ولوج شامل للتعليم الابتدائي والثانوي، بحلول سنة 2030، إلى حوالي 17 مليون مدرّس إضافي؛ مما يجعل من مسألة تكوين المدرسين أحد أكبر التحديات الراهنة”.
وأبرزت المتحدثة أن التربية “تعدّ من أنجع الوسائل التي نملكها لبناء المستقبل ومواجهة ما يكتنفه من مظاهر اللايقين”، متابعة: “وإننا على قناعة راسخة بأن إفريقيا قارة واعدة للغاية، وقادرة على امتلاك زمام مصيرها، وبلورة مشروعها التنموي الخاص، الذي تضطلع فيه تربية الأجيال الصاعدة بدور محوري وحاسم”.
“وفي هذا السياق، يأتي قرار صاحب الجلالة، قبل ثلاثة أسابيع من اليوم، بتخصيص ميزانية مهمة برسم سنة 2026 لقطاعي تربية الشباب والصحة، ليجسد الإرادة الملكية السامية في جعل الشباب رهان الحاضر والمستقبل وأساس نهضة بلادنا”، أكدت المسؤولة الأولى بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
علاقة بموضوع الإصلاحات في مجال التربية والتكوين، قالت رحمة بورقية: “كلنا واعون بأن هذه الإصلاحات تشهد أحيانا تباطؤا في وتيرة تنفيذها، وذلك راجع إلى عدة عوامل. ومن أجل إحداث تحوّل حقيقي في التربية، فإنّه لمن الضروري المثابرة؛ بل وأحيانا تجديد منهجية تنفيذ الإصلاحات، إذ إنّ تحقيق تحول عميق يتجاوز حدود الخطاب وينطوي على تطوير أساليب عمل الفاعلين التربويين وعلى تقدّم سير مؤسساتهم”.
وأكدت رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بالمناسبة، أنه “لا يمكن تحقيق هذا التجديد دون التزام أطر التدريس، باعتبارهم الفاعلين الرئيسيين في إرساء عقد اجتماعي من أجل المدرسة. كما لا يمكن إحراز أي تقدم في هذا الصدد دون المشاركة الفعّالة لجميع الفاعلين، بوصفهم صنّاع التغيير، المؤمنين بقيمة الالتزام والمفعمين بروح المسؤولية”.
وزادت المسؤولة عينها موضحة: “إنّ جودة الحياة لدى الأفارقة رهينة بجودة التربية، إذ تُعدّ مسؤولة عن تحديد مستوياتهم الاجتماعية وقدرتهم على تحديد مصيرهم ومصير مجتمعاتهم؛ فالتربية تجسّد “القدرة” حسب تعريف أمارتيا سين”، مردفة: “نحن على يقينٍ بأنه من المستحيل تصوّر التحوّل الكبير الذي يفرضه المنعطف الجيوسياسي الراهن دون اعتبار التربية المحرّكَ الرئيسي لهذا التحوّل”.
ومما ينبغي الحفاظ عليه في هذا الجانب، وفق بورقية، “الحق في التربية مدى الحياة. فبالرغم من الاضطرابات الجيوسياسية والتسارع في وتيرة الابتكار التكنولوجي، فإن قضايا الإدماج والإنصاف ومشاركة المواطنين والمواطنات تظل ذات أهمية قصوى؛ غير أنّ المعلومات المضلّلة والأخبار الزائفة، إلى جانب الأزمات الاقتصادية والسياسية، تشكّل معيقات إضافية تحول دون تحقيق إصلاح متكامل”.
شدّدت رحمة بورقية أيضا على أن “الاستثمار في تربية ذات جودة في إفريقيا يُعدّ محركا أساسيا للعملية التنموية، وضمانة لإنجاح التحولات المنشودة وتحقيق الرفاهية المستقبلية. وبالرغم من التقدم الملموس الذي حققته قارتنا في مجال التمدرس، فإن تحديات كبيرة لا تزال قائمة وتتطلب حلولا ناجعة”.
وسجّلت رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أن “التحدّيات التي تواجهها الدول الإفريقية حقيقية وملموسة، ونحن على وعيٍ تامٍّ بها، وسوف نتداول بشأنها سعيا إلى إيجاد حلول لها، إذ لا يمكن لأيٍّ من هذه البلدان تجاهل هذه التحديات أو التهرّب منها”.
وزادت: “نشهد، اليوم، بروز وعيٍ متزايدٍ لدى الدول الإفريقية بضرورة التحكّم في مصير التربية والمكانة التي تتبوّأها ضمن مسار التحوّل المجتمعي”.
متحدثة دائما عن القارة الإفريقية، أبرزت المسؤولة ذاتها، استنادا إلى تقارير، جملة من مواطن الضعف التي تعتري قطاع التعليم والتي يتعين تجاوزها؛ ومن بينها: التهميش، الفوارق الاجتماعية والمجالية، ضعف الاتصال بالشبكات الرقمية، المناخ المدرسي، تكوين المدرسين، والتمويل. وتشكل جميع هذه التحديات عوائق أمام صمود المنظومات التعليمية في القارة”.
وحسب المصدر ذاته، فإن “كل هذه التحديات تسائل الهيئات الإفريقية وتحفزها على تحمل مسؤولياتها في تحقيق النقلة النوعية لقطاع التربية، سواء تعلق الأمر بالهيئات المكلفة بتفعيل الإصلاحات، من قبيل القطاعات الوزارية، أم تلك التي يُعهد إليها بمهام إبداء الآراء وتقييم النتائج المحققة، على غرار مجلسنا بالمغرب، أو مجالس أخرى بالبلدان الافريقية”.
كما أن “التربية هي الجسر الذي يعبر بنا من حقبة زمنية إلى أخرى، إذ أنها كفيلة بتمكين القارة الإفريقية من إعادة نسج ما سماه المؤرخ السينغالي الشيخ أنتا ديوب بـ”الوعي التاريخي” والسماح لنا برسم معالم حاضرنا ومستقبلنا؛ ففي سياق هذا التحوّل الذي يطرأ على أنظمتنا التربوية، من البديهي الاحتفاظ على جزء من موروثنا الإفريقي”.
تجدر الإشارة إلى أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ينظم، اليوم الأربعاء وغدا الخميس، ندوة إفريقية حول “منظومات التربية والتكوين والبحث العلمي في إفريقيا.. ديناميات التحول”، بمشاركة ثلة من رؤساء وخبراء الهيئات الاستشارية التربوية بالقارة، وبهدف “استشراف آفاق تطوير التعاون الإفريقي المشترك”.
المصدر:
هسبريس