آخر الأخبار

هيئات: ربط الدعم ببطاقة الإعاقة يُفرغ الإجراء من الفعالية ويقصي أسرا

شارك

بعد نشر جريدة هسبريس الإلكترونية مقالاً بمناسبة اليوم العالمي للرعاية والدعم يرصد وضعية الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية داخل الأسر المعوزة عبّرت أسر عن استيائها من عدم استفادتها من الدعم المالي المباشر الذي خُصص لهذه الفئة، رغم أننا الآن في إطار مشروع قانون مالية 2026، بعد أن تم الإعلان عنه في مضامين قانون المالية لسنة 2025.

وتساءلت هذه الأسر عن أسباب تأخر صرف الدعم المخصص للأطفال في وضعية إعاقة، الذي حُدّد في 250 درهماً لكل طفل، مع إضافة 100 درهم كدعم تكميلي لهذه الحالات الخاصة، معتبرة أن ربط الاستفادة بالحصول على بطاقة الإعاقة يفرغ هذا الإجراء من فعاليته، خاصة في ظل صعوبات المساطر الإدارية وتأخر استصدار هذه البطاقة، ما يفاقم معاناة فئات اجتماعية تعيش ظروفاً قاهرة.

وتواصلت جريدة هسبريس الإلكترونية مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، ولم تتلق أي ردّ حتى الآن.

وفي غياب ردّ حكومي مباشر لجأت الجريدة إلى تفعيل قنوات مهنية أخرى من خلال التواصل مع عدد من الفعاليات المدنية التي واكبت الملف، وأكدت أن ما يُصرف حالياً من خلال صندوق التماسك الاجتماعي لا يندرج ضمن الدعم النقدي المباشر، وإنما يتم عبر آليات غير مباشرة تُغطي خدمات العلاج والتعليم والتأهيل.

ووفق المعطيات المقدّمة فإن هذه التدخلات قد تتجاوز في بعض الحالات 2000 إلى 3000 درهم شهرياً لكل طفل في وضعية إعاقة، مع التأكيد على أن الإشكال القائم يرتبط أساساً بضعف قنوات التواصل المؤسساتي مع الأسر المعنية.

نقلة نوعية

أكد محمد حيمد، العضو في منظمة الدمج الفعلي للطفل في وضعية إعاقة، أن الدعم المخصص عبر صندوق التماسك الاجتماعي أحدث نقلة نوعية في تمكين الأطفال في وضعية إعاقة من حقهم في الرعاية الصحية والتأهيل النفسي واللغوي، ولاسيما في صفوف الأسر ذات الدخل المحدود.

واعتبر المتحدث أن هذا الدعم، وإن كان غير مباشر، فإنه يمثل رافعة حقيقية لتخفيف العبء المالي عن أولياء الأمور، مبرزاً أن الأسر التي كانت بالكاد تؤمن حصة واحدة للعلاج النفسي شهرياً بتكلفة تصل إلى 500 درهم أصبحت قادرة على تغطية ما لا يقل عن أربع حصص شهرياً، بفضل التغطية التي يؤمنها الصندوق.

وينطبق الأمر ذاته، حسب المصرح ذاته، على حصص تقويم النطق التي كانت تُعتبر من الكماليات بفعل كلفتها المرتفعة، إذ باتت العديد من الحالات تستفيد من ثماني حصص شهرياً بدل حصتين في السابق، ما ينعكس إيجاباً على تطور القدرات التواصلية لهؤلاء الأطفال؛ كما لفت إلى أن الدعم غير المباشر يغطي جزئياً أيضاً تكاليف تنقل الأسر من القرى والمناطق النائية إلى المراكز الحضرية لتلقي العلاجات الضرورية، ما يخفف من مشاقّ كانت تُقابل بالصبر والإمكانيات المحدودة لسنوات.

وأضاف حيمد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن التوجه الجديد الذي يرتقب اعتماده تزامناً مع صدور بطاقة الإعاقة يتمثل في تحويل الدعم إلى صيغة نقدية مباشرة، تُسند إلى الأسر التي تحتضن أطفالاً في وضعية إعاقة، لتتولى صرفه وفقاً لأولوياتها واحتياجاتها الخاصة، عوض أن يظل بيد جمعيات المجتمع المدني الشريكة للتعاون الوطني.

وأوضح الفاعل المدني ذاته أن هذا التحول يعكس سعياً نحو تجاوز مجموعة من الإشكالات التي تعرقل فعالية منظومة الدعم الحالية، من بينها ضعف منسوب الثقة لدى بعض الأسر في الجمعيات، مشيراً إلى أن الكثير من الآباء لا يدركون أن تلك الخدمات التي تُوجه لهم من طرف هذه الجمعيات ممولة من المال العام، ويحق لهم الاستفادة منها دون منّة.

كما انتقد حيمد محدودية التواصل المؤسساتي بشأن مضامين وآليات الاشتغال بهذا الصندوق، مبرزاً أن الحملات التحسيسية المواكبة لإطلاقه سنة 2016 لم تتجاوز بعض المناطق الحضرية، ما جعل شريحة واسعة من الأسر القاطنة في القرى أو المدن الصغيرة خارج نطاق المعلومة والحق في الاستفادة، وموردا أن أي مشروع لا يخلو من تعثرات في بداياته، غير أن الأهم يكمن في الجرأة على المبادرة، وأن النتائج المحققة حتى اليوم تُعد مشجعة وتستدعي تعميق التجربة وتجويدها.

وشدّد المتحدث ذاته على أن الدعم الذي تستفيد منه الأسر، الذي قد يبلغ في بعض الحالات ما يقارب 2000 درهم شهرياً، يُعد ذا أهمية كبرى، ولا يمكن التقليل من أثره، ولاسيما في ظل الأعباء المالية التي تتحملها الأسر التي تحتضن أطفالاً في وضعية إعاقة، واعتبر أن هذا المبلغ “ليس بالهيّن”، ويجسّد مجهوداً ملموساً من طرف الدولة في مجال الحماية الاجتماعية، مردفاً بنبرة متوازنة: “لسنا في الجنة، لكننا بالتأكيد لم نعد نقف على لهيب النار”.

ورداً على سؤال لهسبريس بشأن أسباب استمرار بعض الجمعيات في التعبير عن غياب أو ضعف الدعم العمومي أشار الفاعل المدني ذاته إلى أن التجربة في بداياتها سنة 2016 كانت تواجه إكراهات حقيقية، إذ كان عدد الجمعيات المنخرطة في هذا الورش محدوداً جداً، وبعضها كان يرفض لعب دور الوسيط لتدبير الدعم من صندوق التماسك الاجتماعي، نظراً لتعقيد المساطر أو محدودية الموارد البشرية.

أما اليوم، يضيف المصرح، فقد تغيرت الصورة، إذ يناهز عدد الجمعيات الوطنية المشرفة على هذا الصندوق أزيد من 400 جمعية، ما يُعطي انطباعاً بنمو التجربة واتساع قاعدتها. ومع ذلك فإن من يطلب دعماً مثلاً بقيمة 40 مليون سنتيم قد لا يحصل إلا على نصف المبلغ، لأن هناك شبكة وطنية مستقلة للتقييم هي التي تحدد سقف الدعم حسب معايير محددة وليس بناءً على الطلبات فقط.

ولم يخفِ حيمد وجود إشكالات أخرى مازالت تعيق نجاعة هذه التجربة، وعلى رأسها غياب التخصص داخل الجمعيات، إذ إن كثيراً منها تُعنى بإعاقات متعددة في آن واحد، في حين أن الحاجة أصبحت ملحّة إلى جمعيات متخصصة أكثر في نوعية الإعاقات، بما يضمن نجاعة التوجيه والتمكين، وختم بالإشارة إلى أن هذه التجربة، وقد بلغت عتبة عشر سنوات، باتت تستوجب تقييماً معمّقاً لتثمين مكاسبها وتجاوز ثغراتها.

واقع هش

أوضح عبد الله بن مرزوق، الفاعل الجمعوي والوسيط الاجتماعي بين المحسنين والأسر المعوزة، والمهتم منذ سنوات بمجال الإعاقة، أن فئة الأطفال في وضعية إعاقة تعيش واقعاً يستوجب مقاربة متكاملة، تجمع بين الدعم المادي والتأطير المؤسساتي، وسجّل أن فئة واسعة من الأسر، خاصة في المناطق القروية والهامشية، مازالت تجهل وجود صندوق التماسك الاجتماعي كآلية للدعم، في ظل غياب حملات تواصلية فعّالة ومنتظمة من الجهات الوصية.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن هذا الغياب في التوعية يضاعف من معاناة الأسر، سواء على المستوى النفسي أو المادي، مؤكداً أن عدداً من الحالات التي يواكبها لا تستفيد من هذا الدعم بسبب تعقيد المساطر الإدارية أو ضعف الولوج إلى المعلومة.

وأضاف المصرح أن الإصلاح المرتقب، الذي يقضي بصرف الدعم المالي بشكل مباشر للأسر عوض الجمعيات الوسيطة، يُنتظر أن يُحدث تحوّلاً نوعياً في العلاقة بين الدولة والمواطن، عبر تعزيز الشفافية والثقة، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على دور الجمعيات ذات المصداقية، كمؤسسات للمواكبة والدعم، دون أن تتحول إلى قنوات احتكارية.

وأثنى بن مرزوق، في تصريحه لهسبريس الإلكترونية، على الأثر الإيجابي لصندوق التماسك الاجتماعي، الذي مكّن العديد من الأطفال في وضعية إعاقة من الاستفادة من تدخلات علاجية وتعليمية لم تكن متاحة في السابق، معتبراً أن المقاربة المعتمدة شكّلت خطوة مهمة نحو تمكين هذه الفئة من حقوقها الأساسية.

وأشار الفاعل المدني نفسه، الذي يتابع حالات ميدانية بشكل دائم، إلى أن الإشكال لا يكمن في وجود الدعم، بل في طريقة تدبيره من طرف بعض الجمعيات، موضحاً أن عدداً منها لا تتصرف في التمويلات العمومية بالشكل الأمثل، ما ينعكس على جودة الخدمات المقدمة للأطفال، أو على استفادة عدد محدود منهم، وضرب مثالاً بحالات لأسر وُضعت ملفات أطفالها لدى جمعيات شريكة منذ سنوات دون أن تتلقى أي إشعار أو رد بشأن موعد بداية الاستفادة، لافتاً إلى أن بعض الأسر تجهل أصلاً أن الدعم الذي تتلقاه الجمعيات مصدره الدولة، ما يُضعف ثقتها في المنظومة ككل.

وشدّد بن مرزوق على أهمية المراقبة والتقييم المستمر لعمل الجمعيات، لضمان تحقيق الغايات الإنسانية والاجتماعية المنشودة، وأكد، استناداً إلى معطيات ميدانية راكمها خلال سنوات من مواكبة الأسر في وضعية هشاشة، أن صندوق التماسك الاجتماعي أتاح، منذ إطلاقه سنة 2016، دعماً فعلياً شمل الآلاف من الأطفال في وضعية إعاقة، لافتا إلى أن بعض الجمعيات الجادة والفاعلة تمكنت من تأمين برامج متكاملة لفائدة الأطفال، تراوحت تكلفتها ما بين 2000 و3000 درهم شهرياً لكل مستفيد، موزعة بين العلاج النفسي، وتقويم النطق، والدعم التربوي، والتنقل، والتغذية، وهي تدخلات كانت في السابق بعيدة المنال بالنسبة لأسر معوزة.

في المقابل أورد المتحدث أن غياب رقابة منتظمة على تدبير بعض الجمعيات للدعم المخصص لها تسبب في تفاوت واضح في جودة الخدمات المقدمة، مبرزاً أن 7 إلى 10 في المئة من الجمعيات التي حصلت على دعم من الدولة في هذا الإطار لم توفّ بالتزاماتها كاملة، أو فشلت في صرف المبالغ في الأوجه التي خُصّصت لها، ما أضرّ بحقوق بعض الأطفال المستفيدين.

كما سجل المصرح استمرار تأخر استفادة عدد من الحالات رغم وضعها ملفاتها، ولاسيما تلك التي تجاوز أطفالها السن القانوني المحدد، مؤكداً أن الحل يقتضي تحديث آليات التتبع والتقييم، وضمان العدالة في صرف الدعم بما يحقق الغايات الاجتماعية والحقوقية من هذا الصندوق.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا