آخر الأخبار

القروض الخارجية في المغرب.. امتحان الأثر التنموي يختبر صلابة الاقتصاد الوطني

شارك

يعيش المشهد المالي المغربي مرحلة دقيقة تتقاطع فيها ضرورات التمويل مع رهانات التنمية الاجتماعية، في وقت أصبحت فيه المديونية الخارجية اختبارا حقيقيا لقدرة الدولة على التوفيق بين التحكم الكمي في الأرقام وضمان الفعالية النوعية على أرض الواقع.

تشير معطيات التقرير السنوي حول المديونية إلى أن الدين الخارجي العمومي استقر عند نحو 29.3 في المئة من الناتج الداخلي الخام سنة 2024، وهي نسبة تعتبر مطمئنة نسبيا وتعكس بنية مديونية متوازنة.

وتتميز هذه البنية بسيطرة القروض طويلة الأجل وذات الشروط الميسرة، حيث تمثل المؤسسات الرسمية المقرضة أكثر من 72 في المئة، في مقدمتها البنك الدولي.

هذا المعطى يعزز صورة المغرب كبلد يحافظ على توازنه المالي وقدرته المستدامة على السداد، رغم الضغوط الاقتصادية العالمية المتزايدة.

رؤية اقتصادية حذرة

المحلل الاقتصادي محمد جدري أن المديونية في المغرب “لا تشكل خطرا كبيرا، إذ إن القروض الخارجية لا تتجاوز 25 في المئة، ومعظمها يوجه نحو مشاريع إنتاجية في مجالات الطاقة والنقل والبنيات التحتية”.

وأكد جدري، في تصريح لـ”العمق المغربي”، أن التحدي الحقيقي يكمن في الحفاظ على نجاعة هذه المشاريع حتى لا يتحول الدين من أداة للتنمية إلى عبء مالي مؤجل على الأجيال القادمة.

ورغم أن المؤشرات الرقمية تعكس استقرارا ماليا، فإن جوهر الإشكال يبقى في كيفية استثمار القروض العمومية. فالقروض الموجهة إلى مؤسسات كبرى مثل المكتب الشريف للفوسفاط والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، ينبغي أن تترجم إلى مشاريع تولد نموا وتخلق فرص عمل وتحسن الخدمات العمومية.

لكن إذا جرى توجيهها نحو نفقات تسييرية أو مشاريع ضعيفة المردودية، فإنها قد تثقل كاهل المالية العمومية دون أثر ملموس على التنمية.

وفي هذا السياق، شدد محمد جدري على أن المغرب “تمكن من التحكم في مؤشراته الماكرو اقتصادية وحافظ على جاذبيته لدى المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي”، غير أنه دعا إلى “تعزيز الشفافية في تنفيذ الاستثمارات العمومية ومحاربة الفساد وضعف الحكامة لضمان خلق قيمة مضافة وفرص شغل حقيقية”.

الدين الاجتماعي كاختبار للتنمية

يمثل البعد الاجتماعي أحد أبرز رهانات السياسة المالية المغربية، حيث خصص مشروع قانون مالية 2026 أكثر من 140 مليار درهم لقطاعي التعليم والصحة. ويعكس هذا الرقم التزاما حكوميا بدعم الدولة الاجتماعية، إذ تمول هذه المشاريع جزئيا عبر قروض خارجية ميسرة تسهم في تسريع إصلاحات كبرى، من أبرزها تعميم الحماية الاجتماعية وتوظيف آلاف الأطر في قطاعي الصحة والتعليم.

ورغم أهمية هذه الدينامية، فإن المخاطر قائمة إذا لم تحقق هذه الاستثمارات أثرا ملموسا على الأرض. فنجاح سياسة التمويل الاجتماعي لا يقاس بحجم الإنفاق فقط، بل بمدى تحسين جودة التعليم والخدمات الصحية وتقليص الفوارق بين الجهات.

على المدى المتوسط، قد يواجه المغرب تحديا يتمثل في تزاحم الإنفاق العمومي، خصوصا إذا لم تحقق المشاريع الكبرى عوائد كافية لتغطية كلفة الدين. ففي حال ارتفاع خدمة الدين من فوائد وأقساط، قد تتقلص هوامش تمويل القطاعات الاجتماعية، مما يهدد توازن نموذج الدولة الاجتماعية الذي تراهن عليه الحكومة.

واختتم محمد جدري تصريحه بالتأكيد على أن “رهان المغرب اليوم يتمثل في تقوية المبادرة الخاصة وتطوير الاستثمار العمومي بطريقة متوازنة، لأن الاقتصاد الوطني بحاجة إلى منظومة تضمن الاستدامة والإنصاف بين الجهات”.

في المحصلة، ما تزال المديونية المغربية تستند إلى أسس هيكلية سليمة، إذ تظل مديونية تنموية أكثر منها استهلاكية. غير أن التحدي الحقيقي لا يتعلق بحجم الدين بل بفعاليته. فالحفاظ على السيادة المالية لا يتحقق فقط عبر ضبط نسب المديونية، بل من خلال ضمان أن كل درهم مقترض يترجم إلى قيمة مضافة تعزز النمو وتدعم العدالة الاجتماعية.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا