بعد صدور القرار التاريخي لمجلس الأمن الذي جدد التأكيد على مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية بوصفه الحل الواقعي والعملي لقضية الصحراء المغربية، تتجه الأنظار نحو المواقف الإقليمية، لاسيما داخل الاتحاد الإفريقي، حيث يُتوقع أن تفتح المرحلة الجديدة نقاشًا حول مستقبل الاعتراف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”.
وقد عبّر المجتمع الدولي، من خلال هذا القرار، عن دعم واسع ومتزايد للمبادرة المغربية التي تعتبرها القوى الكبرى مقترحًا جادًا وذا مصداقية، فيما باتت الأطروحات الانفصالية منعدمة الصدى داخل المنتظم الأممي.
وفي هذا الإطار، يعتبر عدد من المراقبين أن التطور الحاصل على مستوى مجلس الأمن يستدعي من الاتحاد الإفريقي وبعض الدول الأعضاء مراجعة مواقفها بما ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية، خاصة بعد تأكيد الأمم المتحدة على حصرية المسار السياسي الذي تشرف عليه.
وأشار هؤلاء إلى أن المرحلة الحالية تفرض تعزيز التنسيق بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لضمان مقاربة منسجمة في التعاطي مع قضايا السلم والأمن في القارة، تقوم على الواقعية واحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية.
ويؤكد مراقبون أن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 من موقع الشريك المسؤول، تمثل اليوم فرصة لتعزيز الانسجام بين الموقف القاري والمرجعيات الأممية، بما يضمن مساهمة القارة في دعم الحل السياسي الدائم للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية في إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة.
في هذا السياق، يرى محمد عصام العروسي، المدير العام لمركز منظورات للدراسات الجيوسياسية بالرباط، أن “قناعات المجتمع الدولي ممثلًا في هيئة الأمم المتحدة وهياكلها التنظيمية، وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، أهم بكثير من القناعات الإقليمية، ذلك أن الاتحادات والتكتلات القارية هي في خدمة أهداف وتوجهات الأمم المتحدة، وقد رأينا في كثير من الأحيان أن هذه الهيئة تفوض جزءًا من صلاحياتها إلى هذه التكتلات، كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الإفريقي من أجل الوساطة في الملف السوداني”.
إلى ذلك، أوضح العروسي في حديث مع هسبريس أن “الاتحاد الإفريقي سيضطر، مع المستجدات التي تعرفها قضية الصحراء المغربية على الساحة الدولية، إلى مراجعة وضعية كيان البوليساريو ضمن هياكله، خاصة في ظل تحاشي هذا التكتل في السنوات الأخيرة الخوض في قضية الصحراء على اعتبار أنها قيد التسوية الأممية، وعلى اعتبار تأييد مجموعة من الدول الإفريقية ودعمها لمخطط الحكم الذاتي”، متوقعًا أن “يساهم القرار الأممي الجديد في تحريك آليات جديدة لاستيعابه والتكيف معه داخل الاتحاد الإفريقي”.
وأكد أن “الحقائق المرسخة اليوم على الأرض والتي يدعمها قرار مجلس الأمن، أصبح معها لزامًا على الاتحاد الإفريقي طرد كيان البوليساريو واستغلال هذه الفرصة التاريخية السانحة لذلك، إذ لا أعتقد أن الدول الإفريقية مستعدة لمعارضة هذه الخطوة أو السباحة ضد التيار الأممي”، مرجحًا أن يكون هذا الطرد من خلال مقترح مغربي وتحرك دبلوماسي نشط من جانب حلفائه وشركائه في المنطقة.
وأبرز المتحدث ذاته أن “القرار الأممي الأخير وضع تنظيم البوليساريو، الذي كان يريد الاستقلال وتأسيس دولة خاصة به، في حكم العدم، وهذا الأخير لا ينتج أي أثر قانوني، وبالتالي فإن المسؤولية والكرة اليوم في ملعب الاتحاد الإفريقي لتطبيق قرارات مجلس الأمن الملزمة، وما دون غير ذلك سيضعه تحت مقتضيات الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة”.
في سياق متصل، قال رفيق بوهلال، المحلل السياسي الجزائري المقيم بباريس، إن “الاتحاد الإفريقي للأسف الشديد ضمن في عضويته كيانًا وهميًا غير موجود إلا فوق تراب تندوف الجزائرية، وذلك تحت السيطرة المالية للجزائر عبر نظامها الذي عمد طيلة العقود الماضية إلى مسح ديون أكثر من 14 دولة إفريقية مستضعفة، وإدارة برامج مساعدات إنمائية لفائدتها، من أجل حصرها ضمن محورها المعادي للوحدة الترابية للمملكة المغربية”.
وتابع بأن “طرد كيان الجمهورية الوهمية لم يعد اليوم مجرد مطلب سياسي، بل أضحى ضرورة تاريخية واستراتيجية لملاءمة أهداف الاتحاد الإفريقي مع الشرعية الدولية، واحترام قرارات مجلس الأمن التي أطّرت حل قضية الصحراء المغربية في إطار مبادرة الحكم الذاتي”، مبرزًا أن اتخاذ هذه الخطوة سيعزز مكانة الاتحاد كشريك في الأمن والسلم في العالم، بعدما فقد مصداقيته وتأثيره في العديد من الملفات.
وشدد المحلل السياسي ذاته في تصريح لهسبريس على أن “الإدارة الأمريكية اليوم تتحرك بقوة من أجل إقرار تسوية نهائية لقضية النزاع في الصحراء، وقد بعثت رسائل واضحة في هذا الاتجاه، مرفوقة بضغوط تمارسها على داعمي البوليساريو لتسريع الحل في إطار الحكم الذاتي، وبالتالي فإن الاتحاد الإفريقي مطالب بالتقاط هذه الإشارات، خاصة في ظل وجود تحرك على مستوى الكونغرس لتصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية كنوع من هذه الضغوط”.
واعتبر أن “الاتحاد الإفريقي يؤكد دائمًا أنه يقف إلى جانب الشرعية، وقد حان الوقت لإثبات ذلك، ثم إن البلدان الإفريقية التي ما زالت تصطف إلى جانب الجزائر في الاعتراف ودعم هذا الكيان الوهمي، تعوّل بشكل كبير على استمرار المساعدات الأممية والأمريكية وكذا الأوروبية بالنظر إلى وضعها الاقتصادي والسياسي والأمني، وبالتالي ستكون مجبرة هي الأخرى على الدخول في الإطار الأممي الجديد ومراجعة مواقفها، مما سيمهد لتصويب قرار سياسي سابق اتُّخذ بمنطق التجاذبات الإيديولوجية لحقبة الحرب الباردة”.
من جهته أكد أحمد درداري، رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات، أن وجود جبهة البوليساريو داخل الاتحاد الإفريقي لم يعد له أي مبرّر قانوني أو سياسي، خصوصا بعدما أنهى القرار الأممي رقم 2797 الصادر عن مجلس الأمن، عضوية الجبهة بحكم سموّ القانون الدولي على القوانين الإقليمية، مشدّدا على أن الاتحاد الإفريقي مطالب بالامتثال لقرار مجلس الأمن ومسح الجبهة من صفوفه، لانتفاء الشرعية عن تمثيليتها.
وأوضح درداري، في تصريح لجريدة هسبريس، أن قرار مجلس الأمن، باعتباره أعلى هيئة أممية تقريرية، جاء مؤكدا لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ومكرّسا مرحلة جديدة تطوي نهائيا ملف النزاع المفتعل، بعدما اعتمد الحكم الذاتي كـ”أساس وحيد للتفاوض وتسوية الخلافات بين المغرب وجبهة البوليساريو”، مع إلزام الجزائر بالدخول في حوار بنّاء مع المغرب داخل أجل محدد لإنهاء خلافاتٍ امتدت لما يقارب خمسين سنة.
وأضاف رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات أن جبهة البوليساريو، بدعم من الجزائر، دأبت على تقديم نفسها ككيان دولي وهمي أمام بعض المنظمات، رغم انعدام أي شرعية قانونية لذلك، مشيرا إلى أحدث محاولاتها بتاريخ 20 أكتوبر 2025، حين رفعت إلى الأمين العام للأمم المتحدة مقترحاً بعنوان “حل سياسي مقبول من الطرفين يضمن تقرير مصير شعب الصحراء”، في محاولة جديدة للبقاء في فراغ تغذّيه الجزائر.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن الهوس بفكرة تقرير المصير، رغم وضوح مآلاتها، ليس جديدا، مذكّراً بما خلص إليه الدبلوماسي الإسباني كورتينا ماوري خلال أزمة سنة 1975، حين كانت إسبانيا لا تزال تستعمر الصحراء وتبحث عن مخرج، وبأن قبول عضوية ما يسمى “الجمهورية الصحراوية” في منظمة الوحدة الإفريقية آنذاك جاء في سياق استغلال انسحاب المغرب من المنظمة، رغم عدم استيفاء الكيان المزعوم شروط الدولة، ومبرزا أن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي غيّرت المعطيات، ودفعت نحو تصحيح الموقف السياسي والقانوني للاتحاد في علاقته بالأمم المتحدة، بما يفضي إلى إعادة الأمور إلى نصابها وإعادة الجبهة إلى مكانها الصحيح والطبيعي.
وأورد درداري أن القرار الأممي الأخير حدّد الجغرافيا السياسية للبوليساريو داخل نطاق السيادة المغربية، وأن كل تواجد باسم “دولة” انتهى، كما انتهى الانفصال، وكل تعامل خارجي أو تلقي دعم مالي أو عسكري أصبح يندرج ضمن أفعال مجرّمة دوليا، مشددا على أن الزمن المتبقي هو للعودة إلى الوطن الأم وفق ترتيبات ترعاها الأمم المتحدة في أفق تنزيل الحكم الذاتي الضامن للحقوق والحريات والكرامة.
وتابع المحلل تصريحه بالتأكيد على أن المرحلة التي تلي صدور القرار الأممي تتطلّب توجيه مراسلة رسمية من الأمم المتحدة، بطلب من المغرب، إلى مختلف التنظيمات الدولية والإقليمية، تدعوها إلى عدم قبول اسم جبهة البوليساريو ضمن عضويتها أو أنشطتها، باعتبارها كيانا منتهيا قانونيا، وأن المحتجزين واللاجئين في مخيمات تندوف باتوا مشمولين ضمن مبادرة الإدماج الوطني المغربي في إطار مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
ودعا المتحدث جميع الدول الإفريقية داخل الاتحاد إلى أن تنهي علاقاتها، الفردية والجماعية، مع الكيان الوهمي، إذ إن استمراره يتعارض صراحةً مع قرار مجلس الأمن رقم 2797.
المصدر:
هسبريس