آخر الأخبار

المغرب الكبير في سباق نحو السماء.. صروح دينية وناطحات سحاب لتجسيد النفوذ - العمق المغربي

شارك

كشفت مجلة “جون أفريك” أن الفن والعمارة كانا على الدوام في خدمة غير مباشرة للسلطة، سواء في الغرب أو الشرق، حيث يسمحان بتجسيدها وفتح الباب أمام شكل من أشكال الخلود. وأوضحت المجلة في تقرير لها أن هذا السباق المعماري نحو السماء، الذي تشهده منطقة المغرب الكبير اليوم، ليس إلا امتدادا لإرث تاريخي طويل استخدمت فيه الأبراج والمآذن كرموز للقوة السياسية والنفوذ.

وأشار التقرير إلى أن برج محمد السادس، الذي شارف على الانتهاء في الرباط، سيبقى رمزا لحكم الملك الذي يحمل اسمه، حيث يبلغ ارتفاعه 250 مترا ويمكن رؤيته من على بعد 50 كيلومترا، ومن المقرر تدشينه في نهاية العام بعد ثماني سنوات من الأشغال. وأضاف المصدر أن هذا الصرح يتبع نهج مسجد الحسن الثاني الذي شيده والد العاهل الحالي في الدار البيضاء بين عامي 1986 و1993، والذي حطم الأرقام القياسية آنذاك بمئذنته التي تجاوز ارتفاعها 200 متر.

وأكدت “جون أفريك” أن هذا التوجه لا يقتصر على المغرب، بل يشمل دول الجوار في سباق معماري محموم، ففي الجزائر، تم تدشين جامع الجزائر “جامع الجزائر الأعظم” في عام 2024، والذي يعد ثالث أكبر مسجد في العالم ويمتلك أعلى مئذنة على وجه الأرض بارتفاع يبلغ 265 مترا. وتابع المصدر أن أطول برج في القارة الإفريقية حاليا هو “البرج الأيقوني” في القاهرة، والذي يصل ارتفاعه إلى 400 متر، مما يبرهن على أن التكنولوجيا الحديثة توظف لخدمة الطموحات السياسية سواء كانت ملكية أم رئاسية.

ولفت التقرير إلى أن هذا التقليد ليس وليد اللحظة، بل هو ضارب في عمق تاريخ المغرب الكبير الذي يزخر بتراث غني من الأبراج والمآذن، ومن أبرز الأمثلة صومعة حسان في الرباط التي يبلغ ارتفاعها 44 مترا، والتي كانت جزءا من مشروع ضخم للخليفة الموحدي أبو يوسف يعقوب المنصور في القرن الثاني عشر لبناء أكبر مسجد في الغرب الإسلامي.

وأضاف المصدر ذاته أنه غالبا ما يتم ربط صومعة حسان بمعلمتين أخريين من العصر الموحدي، هما جامع الكتبية في مراكش بمئذنته البالغ ارتفاعها 77 مترا، وخيرالدا إشبيلية في الأندلس التي وصل ارتفاع مئذنتها آنذاك إلى ما يقارب 100 متر. واستطرد التقرير ليشمل الجامع الكبير في تلمسان الذي بدأ بناؤه عام 1136 ومئذنته التي تبلغ حوالي 50 مترا، والذي يعود إلى عهد المرابطين.

وأوضح التقرير أن فهم جوهر هذه الصروح يتطلب العودة إلى إفريقية والجامع الكبير في القيروان الذي شيده عقبة بن نافع، حيث كانت مئذنته التي يتجاوز ارتفاعها 30 مترا بمثابة نقطة الانطلاق للسباق المعماري نحو القمة في القرون اللاحقة. وحسب المؤرخة المغربية مينة المغاري، فإن السلاطين الأوائل من السلالة العلوية أبدوا اهتماما بالغا بتشييد الصروح الدينية والتعليمية، ووظفوا لذلك أمهر المهندسين والحرفيين.

وخلصت المجلة إلى أن وظيفة الحاكم في المغرب الكبير خلال العصور الوسطى كانت تجمع بين السلطتين الزمنية والروحية، وبالتالي فإن تشييد المآذن كان يدمج بين البعدين الديني والسياسي. ونقلا عن المؤرخ الأمريكي جوناثان بلوم، فإن المئذنة لم تظهر إلا في القرن الثاني للهجرة، ولم تكن وظيفتها الأساسية هي الدعوة للصلاة، بل كانت أداة للتنافس بين السلالات الحاكمة، مثل الفاطميين في إفريقية والأمويين في الأندلس، حيث سعت كل سلالة لإثبات أنها منارة الإسلام، وهو الأصل اللغوي لكلمة “منارة” التي اشتق منها مصطلح المئذنة.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا