كشفت مصادر نقابية عن تقديم وزارة التربية الوطنية تعهدات جديدة بمعالجة عدد من الملفات المالية والإدارية العالقة، في مقدمتها إرجاع المبالغ المقتطعة من الأجور ومنح تعويضات تكميلية، وذلك خلال اجتماع اللجنة العليا للحوار القطاعي الذي انعقد أمس الأربعاء. وفي المقابل، شددت النقابات على ضرورة التسريع بتنفيذ الالتزامات السابقة ووضعت قائمة طويلة من الملفات التي لا تزال عالقة، منتقدة ضعف التواصل وغياب الوضوح في تدبير بعض القضايا.
وتعهدت الوزارة، بحسب المصادر ذاتها، بالشروع في إرجاع المبالغ المقتطعة ابتداء من شهر أكتوبر 2025، والإعلان عن نتائج المباريات المهنية قريبا. وأقرت الوزارة الموافقة على منح تعويض تكميلي للمساعدين التربويين، مع دراسة تطبيقه على أساتذة الابتدائي والإعدادي والمختصين، بالإضافة إلى تأكيدها على أن إدماج الفئات المعنية بالمادة 76 من النظام الأساسي سيتم بأثر رجعي.
وانتقدت التمثيليات النقابية ما وصفته بالتأخر في عقد اجتماع اللجنة العليا، مما فاقم حالة الاحتقان، وطالبت بضرورة الالتزام بالشفافية والشراكة الحقيقية. وعبرت عن شكوكها العميقة بشأن نزاهة مباراة الدكاترة، مشيرة إلى أن غياب معايير معلنة يضرب الثقة بين الطرفين، وشددت على ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاقي 10 و 26 دجنبر.
وطرحت النقابات مجددا ملفات أساسية لم تجد طريقها للحل بعد، وعلى رأسها تسوية ملف ضحايا النظامين، ومطلب تقليص ساعات التدريس، وحل مشكلة الترقيات المتأخرة لأفواج ما بعد 2016. كما ضمت القائمة ملف المتصرفين التربويين، الذي تم الاتفاق على عقد اجتماع خاص به، وملف التعليم الأولي، الذي لم تقدم الوزارة أجوبة حاسمة بشأنه.
واتفقت الأطراف في نهاية اللقاء على أن تقدم النقابات لائحة مكتوبة بمطالبها، مقابل موافاتها من طرف الوزارة بالمعطيات الكاملة حول مدى تقدم تنزيل الاتفاقات، في خطوة اعتبرتها المصادر النقابية ضرورية لتقييم الوضع قبل اتخاذ أي خطوات لاحقة.
من جانبه، جدد عبد الإله دحمان، الكاتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، انتقاده الشديد لتدبير وزارة التربية الوطنية للملف التعليمي، معتبرا أن اللقاء الأخير الذي جمعها بالنقابات لم يكن سوى دليل إضافي على حالة “العشوائية” التي تتخبط فيها الوزارة، خاصة وأن توقيته في شهر غشت يأتي خارج السياق ومنطق التدبير الفعال.
وفي تصريح خص به جريدة “العمق”، أكد دحمان أن مخرجات الاجتماع لم تحمل أي جديد يستجيب للانتظارات الكبيرة لنساء ورجال التعليم، بل كانت مجرد “اجترار لما سبق أن أعلنت عنه الوزارة في بلاغات عديدة”. واعتبر أن هذا الأمر يعكس “ارتباكا واضحا” في تنزيل مضامين النظام الأساسي وفي الالتزام بالاتفاقات الموقعة مع الشركاء الاجتماعيين.
وأوضح دحمان أن مطالب الشغيلة أعمق وأشمل بكثير مما تروج له الوزارة، وتتمحور حول ملفات حاسمة لا تزال عالقة وبدون حلول ملموسة. وفي مقدمة هذه المطالب، يأتي النظام الأساسي الجديد، الذي أثار احتجاجات واسعة، إذ لم يتم الحسم في العديد من مواده رغم مرور أزيد من عام على إقراره..
وإلى جانب ذلك، شدد دحمان على ضرورة التسوية العاجلة لمختلف الملفات الفئوية التي طال انتظارها، من قبيل ملف “الزنزانة 10″، وملف الدكاترة. كما أكد أن تحسين ظروف العمل ليس مطلبا ثانويا، بل هو أساس العملية التربوية، ويشمل تخفيض ساعات العمل، وتوفير التعويضات عن العمل في المناطق الصعبة والنائية وتعميم التعويض التكميلي على كافة الفئات التعليمية..
وحول ما إذا كان اللقاء مجرد مناورة لتفادي الاحتقان مع الدخول المدرسي، قال دحمان إن “القرار النضالي لم يعد في يد النقابات لوحدها، بل أصبح أيضا في يد العديد من الفئات التعليمية”، مؤكدا أن ما سيمنع الاحتجاج ليس الاجتماعات الشكلية، بل “تحقيق مطالبها المشروعة والعادلة”.
واختتم تصريحه بالإشارة إلى أن تعامل الوزارة السلبي مع المطالب هو ما أفرز التنسيقيات التي بات لها دور كبير في الحراك الاحتجاجي، وأن زوال هذه التنسيقيات لن يكون إلا بمعالجة أسباب ظهورها، أي عبر الاستجابة الفورية لمطالب الشغيلة التي تمثلها.