أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن توصّله إلى اتفاق مع شركة “كوكاكولا”، يقضي باستبدال شراب الذرة عالي الفركتوز بسكّر القصب الطبيعي في الولايات المتحدة، جدلًا واسعًا على المستويين السياسي والصحي، في الوقت الذي يستمر النقاش العالمي حول الآثار الضارّة للمشروبات الغازية على الصحة العامة، سواء تمت تحليتها بسكّر القصب أو ببدائل اصطناعية.
وكتب ترامب عبر منصته “تروث سوشال” أنه تحدّث مع مسؤولي الشركة بشأن استخدام سكّر القصب، وأنهم وافقوا على الفكرة، واصفًا القرار بكونه “خطوة ممتازة”، ومضيفًا أن “كوكاكولا ستكون ببساطة أفضل بهذه الصيغة”.
ورغم ذلك، لم تؤكّد الشركة رسميًا التغيير، واكتفت بالقول إنها “تُقدّر حماسة الرئيس”، وتعتزم الإعلان قريبًا عن “عروض جديدة ضمن منتجاتها”.
وتأتي هذه الخطوة بعد سنوات من الهجوم العلني الذي شنّه ترامب على “كوكاكولا”، إذ وصفها عام 2012 بأنها “مشروب قمامة”، في تناقض لافت مع استهلاكه اليومي الموثّق لـ”دايت كوكاكولا”، مشروبه المفضّل.
لكن التغيير المُرتقب أثار حفيظة مزارعي الذرة وشركات تصنيع المحليات، إذ تعتمد الولايات المتحدة منذ سبعينيات القرن الماضي على شراب الذرة كمُحلٍّ رئيس، بدعم من السياسات الزراعية الفدرالية.
وأبدت “جمعية مُصفّي الذرة” تخوّفها من تداعيات القرار، مبرزة أنه “يُهدّد بفقدان آلاف الوظائف وخسائر في دخل المزارعين”، إضافة إلى تعزيز واردات السكّر من الخارج.
ورغم الجدل السياسي والاقتصادي، يظل البُعد الصحي هو الأكثر إلحاحًا في نظر الخبراء. إذ تشير دراسات سريرية منشورة عام 2023 إلى أن الفرق بين سكّر القصب وشراب الذرة عالي الفركتوز، من حيث الأثر على الوزن أو صحة القلب، ضئيل جدًا، فيما تكمن المشكلة الجوهرية في الكميات الهائلة من السكّر المضاف الموجودة في هذه المشروبات، بغضّ النظر عن نوعيته.
وفي وقت سابق، حذّرت الدكتورة إلفيرا خاتشيروفا، أستاذة الطب بجامعة بيروغوف الروسية، من أن “كوكاكولا” الخالية من السكّر، المعروفة باسم “كوكا زيرو” أو “دايت كولا”، قد تُسبّب أضرارًا خطيرة على القلب.
وأوضحت أن المحليات البديلة المستخدمة، مثل “الإريثريتول”، قادرة على تنشيط الصفائح الدموية، مما يزيد من احتمالات تكوّن الجلطات والسكتات الدماغية، مشيرة إلى ضرورة عدم الانخداع بانخفاض السعرات في مثل هذه المنتجات.
وتعزّز هذه المخاوف ما كشفته صحيفة “لوموند” الفرنسية، في تحقيق استقصائي سابق، بأن شركة “كوكاكولا” أنفقت ملايين اليوروهات خلال السنوات الماضية لتمويل أبحاث صحية وفعاليات طبية بهدف صرف الأنظار عن الأضرار الصحية المرتبطة بمشروباتها، لا سيّما علاقتها الوطيدة بارتفاع معدلات السمنة والسكري من النوع الثاني في العالم.
وأكّد التحقيق أن الشركة سعت لتوجيه النقاش الصحي بعيدًا عن تأثير السعرات الحرارية، والتركيز على أهمية ممارسة الرياضة، في محاولة لتخفيف الضغط العلمي والمجتمعي بشأن مسؤولية المشروبات المحلاة في الأزمات الصحية المتصاعدة.
ورغم الصورة اللامعة التي تحاول “كوكاكولا” الترويج لها، فإن كثيرًا من المختصين في التغذية والطب الوقائي يرون أن هذه المشروبات، سواء تمت تحليتها بسكّر طبيعي أو صناعي، تُعدّ من أبرز مصادر الخطر الغذائي، بسبب تأثيرها السلبي المباشر على القلب، والأوعية الدموية، والاستقلاب، فضلًا عن مساهمتها في اضطراب التوازن الغذائي للأطفال والبالغين على حدّ سواء.