آخر الأخبار

سيول الجنوب.. غياب سدود تلية يهدر مياها ثمينة في عز الجفاف

شارك الخبر

بعد سنوات من الجفاف القاحل، ضربت أمطار غزيرة المناطق الجنوبية كصدمة مفاجئة، هذه النعمة السماوية التي طال انتظارها، سرعان ما تحولت إلى تحدٍ كبير، وبينما يحتفل المواطنون بهذه المياه، تبرز تساؤلات ملحة حول كيفية استغلالها على أكمل وجه.

إن غياب السدود التلية في هذه المناطق، والتي تعتبر بمثابة “كلى الأرض”، يطرح تحدياً كبيراً أمام السكان والسلطات المحلية، فالأمطار التي تهطل بغزارة تتسبب في فيضانات تضر بالمنتجات الزراعية والبنية التحتية، ثم تتسرب بسرعة إلى باطن الأرض دون أن تستفيد منها الزراعة أو الثروة الحيوانية.

هذا الوضع أثار تساؤلات حادة لدى الفاعلين الجمعويين والسلطات المعنية حول أهمية بناء هذه السدود، وكيف يمكن أن تساهم في حل مشاكل الجفاف التي عانت منها المنطقة لسنوات طويلة.

الافتقار للسدود

عبد الوهاب السحيمي، مختص في الجغرافيا الاقتصادية، اعتبر أن غياب السدود في المناطق الجنوبية، ولا سيما تلك التي شهدت تساقطات مطرية قوية مؤخرًا، يشكل عائقًا كبيرًا أمام استغلال هذه الموارد المائية الهامة.

وأوضح المتحدث في تصريح لـ “العمق” أن هذه الأمطار، رغم كثافتها، لا تتم تعبئتها بالشكل المطلوب، وهو ما يعد إهدارًا لهذه الموارد في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة شح المياه وندرتها.

وأشار السحيمي إلى أن هذه المناطق تفتقر بشكل عام إلى السدود الصغرى والتلية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول نجاعة السياسات العمومية المتعلقة بإدارة المياه في هذه الأقاليم، مشيرا إلى أن بناء السدود في هذه المناطق يمكن أن يساهم في تخزين المياه لفترات الجفاف المتكررة، وهي خطوة ضرورية لمواجهة أزمة المياه التي تفاقمت في السنوات الأخيرة.

جهود غير كافية

وعلى الرغم من أن المغرب يعمل على تنويع مصادره المائية من خلال مشاريع ضخمة، مثل تحلية المياه وإعادة تدويرها، أكد المختص أن هذه الجهود لا تزال غير كافية، داعيا إلى مضاعفة الجهود في هذا المجال وتسريع وتيرة تنفيذ المشاريع المتعلقة ببناء السدود، خاصة في ظل التكلفة المرتفعة لتقنيات تحلية المياه وتلقيح السحب.

وأضاف المتحدث أن المناطق الجنوبية تعاني من أزمات مائية على مدار السنة، على الرغم من التساقطات المطرية الغزيرة التي تشهدها في فترات محددة. وذكّر بما حدث في عام 2018، عندما شهدت المنطقة ما يعرف بـ”انتفاضة العطش”، ولاسيما في إقليم زاكورة، حيث خرج السكان للمطالبة بحقهم في المياه الصالحة للشرب.

من جهة أخرى، أكد السحيمي أن استنزاف الفرشة المائية نتيجة الزراعة المكثفة، وخاصة زراعة البطيخ الأحمر التي تتطلب كميات هائلة من المياه، يزيد من تعقيد الوضع، معتبرا أن هذه الزراعة تؤدي إلى تضاؤل الموارد المائية، ما يجعل الحاجة إلى بناء سدود صغرى وكبرى أكثر إلحاحًا.

وأشار إلى البرنامج الوطني لتزويد السكان بالماء الشروب ومياه السقي، الذي أطلق في عام 2020، والذي يستهدف بناء 900 سد في مختلف أنحاء المملكة، من بينها 186 سدًا مخصصًا لجهة درعة تافيلالت، بينها 129 سدًا في تنغير، و15 سدًا في الرشيدية، و14 سدًا في زاكورة، و13 سدًا في ميدلت، متسائلا عن أين وصلت عملية بناء هذه السدود؟

سد تاديغوست

من جانبه دعا الحسين كلو، الفاعل الجمعوي بمدينة كلميمة، إلى ضرورة تسريع بناء سد تاديغوست، مشيرًا إلى الأهمية الكبيرة للأمطار التي شهدتها المنطقة في الأسابيع الأخيرة.

وأكد المتحدث في حديثه لـ”العمق” أن هذه التساقطات تأتي بعد سنوات من الجفاف، ورغم الخسائر التي قد تكون تسببت فيها، إلا أنها تحمل في طياتها فوائد كبيرة على مستوى تغذية الفرشة المائية، والآبار، والعيون.

وأشار الفاعل الجمعوي إلى أن وادي غريس شهد خلال الأسبوعين الماضيين أربع حمولات مائية، تقدر كل واحدة منها بحوالي 20 مليون متر مكعب، ما يعكس الإمكانات الهائلة التي توفرها هذه الأمطار لتعزيز الموارد المائية في المنطقة.

ورغم هذه الكميات الكبيرة من المياه، أعرب كلو عن أسفه لعدم استفادة المنطقة بالشكل الكافي منها، مؤكدًا أن وادي غريس لا يزال يشكل استثناءً بسبب غياب سد تاديغوست.

تأمين الموارد المائية

وأوضح أن الجهات الرسمية أعلنت منذ فترة عن الانتهاء من الدراسات المتعلقة بهذا السد، ومع ذلك، يتم تأجيل بنائه لسنوات، مما يعيق جهود تنمية المنطقة وتوفير المياه لسكانها.

وحسب الحسين كلو فإن بناء سد تاديغوست أصبح أمرًا ملحًا ولا يحتمل أي تسويف أو تأجيل، خاصة في ظل الوضع المائي الحالي، داعيا إلى ضرورة تعبئة جميع الجهات المعنية والفاعلين المحليين من أجل الإسراع في إخراج هذا المشروع إلى حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن، لما له من تأثير كبير على حياة سكان المناطق الجنوبية من المملكة.

واختتم كلو حديثه بالتأكيد على أن هذا السد سيساهم بشكل كبير في تأمين الموارد المائية لسكان المنطقة وتعزيز التنمية المحلية، داعيًا إلى استغلال هذه الفرصة لدفع عجلة التنمية المستدامة في كلميمة والمناطق المجاورة.

هذا، وعلمت جريدة “العمق” مصادر محلية أن دوار بني صبيح بإقليم زاكورة على شفى كارثة إنسانية بعد أن أدت السيول التي داهمت الدوار إلى انهيار نصف منازله حتى الآن.

وأكدت الساكنة، في تصريحات متفرقة للجريدة، أن الدوار ومنذ الساعات الأولى من صباح الاثنين، تعرض لسيول جارفة اجتاحت المنطقة، مما أدى إلى انهيار 50 في المئة من المنازل بالكامل، مناشدة السلطات المحلية والمجتمع المدني التدخل العاجل لاحتواء الوضع وإنقاذهم من العزلة التي فرضتها الظروف الطبيعية القاسية.

العمق المصدر: العمق
شارك الخبر

إقرأ أيضا