أمر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بفتح تحقيق في الانتهاكات التي وقعت في مدينة الفاشر السودانية، والسعي لتحديد هوية مرتكبيها لتقديمهم للعدالة، وذلك في ختام جلسة خاصة حول السودان.
واعتمد المجلس، وهو أعلى هيئة حقوقية في الأمم المتحدة، قراراً يأمر بعثة تقصي الحقائق المستقلة التابعة لها في السودان بالتحقيق بشكل عاجل في تلك الانتهاكات، داعياً إلى "تحديد هوية الجناة المشتبه بهم، حيثما أمكن"، لضمان "محاسبتهم".
وقال فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، في افتتاح جلسة الجمعة، "كانت الفظائع التي تتكشف في الفاشر متوقعة وكان من الممكن منعها، لكنها لم تُمنع. إنها تُشكل أخطر الجرائم".
وذكر أن الانتهاكات في الفاشر تشمل "عمليات قتل جماعي للمدنيين، وعمليات إعدام على أساس عرقي، وعنف جنسي واغتصاب جماعي، وعمليات اختطاف من أجل فدية، واعتقالات تعسفية واسعة النطاق".
كما أشار إلى الهجمات على المرافق الصحية والطاقم الطبي والعاملين في المجال الإنساني، موضحاً أن ما ذكره وغير ذلك "من الفظائع المروعة، نمط وثقناه مراراً وتكراراً في هذا الصراع، لكن دعواتنا لليقظة لم تُؤخذ على محمل الجد".
وأضاف: "لقد صُوِّرت بقع الدماء على أرض الفاشر من الفضاء"، مضيفاً أن "وصمة العار على جبين المجتمع الدولي أقل وضوحاً، لكنها ليست أقل ضرراً"، داعياً إلى ضرورة اتخاذ إجراءات "ضد الأفراد والشركات التي تُؤجج هذه الحرب وتستفيد منها".
وحذر تورك أيضاً من الوضع خارج الفاشر، قائلاً إن "الاستخفاف المُشين بأرواح المدنيين" أصبح جلياً في منطقة كردفان المجاورة. وأضاف: "يجب ألا تلقى كردفان مصير دارفور".
وقال المفوض السامي إن "السودان واقع تحت وطأة صراع بالوكالة على موارده الطبيعية وسلعه، ويشمل ذلك دولاً عديدة داخل المنطقة وخارجها".
وأكد السفير البريطاني كومار آير، الذي طلبت بلاده، إلى جانب ألمانيا وأيرلندا وهولندا والنرويج، عقد جلسة خاصة، على أنه "لم يعد من الممكن السكوت على حجم وشدة الأزمة في السودان".
وقال: "إن العنف في الفاشر يحمل سمات حملة منسقة ضد المدنيين على يد قوات الدعم السريع"، مشيراً إلى "تقارير موثوقة عن عمليات قتل مستهدفة نشطة، وعنف جنسي ممنهج، واستخدام متعمد للتجويع".
وقبل اعتماد قرار يوم الجمعة، حثّ آير الدول على الموافقة على النص: "بدون ذلك، ستظل المساءلة بعيدة المنال وستستمر حلقة الإفلات من العقاب".
وقد اعتُمِد النص بالإجماع، على الرغم من أن عدة دول، من بينها السودان، نأت بنفسها عن الفقرات التي تشير إلى توسيع نطاق تحقيق بعثة تقصي الحقائق.
ووردت تقارير عن عمليات إعدام وعنف جنسي ونهب وهجمات على عمال الإغاثة وعمليات اختطاف في الفاشر ومحيطها، حيث لا تزال الاتصالات مقطوعة إلى حد كبير.
وصرحت منى رشماوي، من بعثة تقصي الحقائق، خلال جلسة الجمعة: "تشير المعلومات التي جُمعت إلى أن مئات النساء والفتيات تعرضن للاغتصاب الجماعي على طول طرق الهروب، وفي الأماكن العامة، دون خوف من العواقب أو المساءلة".
وتقدر الأمم المتحدة أن ما يقرب من 100 ألفاً فروا من الفاشر خلال الأسبوعين الماضيين، واتجه الكثيرون منهم إلى طويلة، التي تبعد حوالي 50 كيلومتراً.
في الوقت نفسه، حذّر أداما دينغ، المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي والمستشار الخاص للأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية، من أن "خطر الإبادة الجماعية قائم في السودان. إنه حقيقي ويتزايد يوماً بعد يوم".
وأيد السفير السوداني، حسن حامد حسن، هذا الرأي، محذراً من أن بلاده عالقة في "حرب وجودية".
وأدان حسن الإمارات العربية المتحدة متهمها بدعم قوات الدعم السريع بالمعدات العسكرية والاستراتيجية، وهو ما تنفيه الإمارات باستمرار.
وانتقد سفير الإمارات لدى الأمم المتحدة، جمال المشرخ، كلاً من القوات شبه العسكرية والجيش السوداني، متهماً الجيش بـ"شن هجمات عشوائية على الأسواق والقرى والمستشفيات، في ظل المجاعة، وتجاهل الدعوات الدولية إلى هدنة".
وأكد المشرخ أنّ المآسي على الأرض في السودان تؤكد أنه لا وجود لحلّ عسكري لهذه الحرب الأهلية، لافتاً إلى أن البيان المشترك الصادر عن المجموعة الرباعية يقدّم خارطة طريق حاسمة لإنهاء هذا النزاع من خلال هدنة إنسانية تؤدي إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، والانتقال إلى حكومة مدنية مستقلة لا تخضع لسيطرة الأطراف المتحاربة.
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه نيابة أمن الدولة في الإمارات أنها ستحيل المتهمين في قضية محاولة نقل معدات عسكرية إلى هيئة بورتسودان عبر الأراضي الإماراتية إلى المحاكمة.
ونقلت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) عن مسؤول في نيابة أمن الدولة، الجمعة، قوله إن هذا يأتي عقب انتهاء التحقيقات في القضية، مضيفةً أن ذلك يأتي "تماشياً مع التزام دولة الإمارات بالشفافية والعدالة".
وفي أبريل/نيسان الماضي، أعلن النائب العام الإماراتي القبض على أعضاء خلية متورطة في "الاتجار غير المشروع بالمعدات العسكرية وغسل الأموال".
وأضافت الوكالة أن التحقيقات كشفت عن "تورط أعضاء الخلية في معاملات مع السلطات العسكرية السودانية، من بينهم ضباط ومسؤولون وسياسيون ورجال أعمال، بالإضافة إلى أفراد وشركات مدرجة على قوائم العقوبات الأمريكية والإنتربول".
وذكرت وكالة أنباء الإمارات (وام) أن "المتهمين أُلقي القبض عليهم أثناء تفتيشهم كمية كبيرة من ذخيرة جوريونوف عيار 7.54 × 62 ملم داخل طائرة خاصة في أحد مطارات البلاد"، مضيفةً أن "السلطات ضبطت جزءاً من العائدات المالية للصفقة بحوزة اثنين من المتهمين".
واتهمت السودان أبو ظبي مراراً بتزويد قوات الدعم السريع شبه العسكرية بأسلحة متطورة، تقول إنها تُشحن عبر دول مجاورة، تشاد وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، إلى السودان، وهي مزاعم نفتها الإمارات بدورها.
ومنذ اندلاعها في أبريل/نيسان 2023، أسفرت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عن مقتل عشرات الآلاف، ونزوح ما يقرب من 12 مليوناً، متسببة في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وتصاعد العنف بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة، مع سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، بعد حصار دام 18 شهراً، وورود تقارير عن تزايد الانتهاكات.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة