أعلن مجلس الأمة الجزائري (الغرفة الثانية في البرلمان) الأربعاء "التعليق الفوري" لعلاقاته مع مجلس الشيوخ الفرنسي، تنديدا بزيارة رئيسه جيرار لارشيه إلى الصحراء في سياق تصاعد توتر سياسي ودبلوماسي خطير بين البلدين.
ودان مجلس الأمة الجزائري في بيان، الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي إلى مدينة العيون، واعتبر أنها "تصرف مرفوض وغير مستغرب، يزدري الشرعية الدولية، ويتعارض بشدّة مع قرارات مجلس الأمن الأممي، الذي تشكل بلاده أحد أعضائه الدائمين".
كما وصف البيان الجزائري الزيارة بـ"الانزلاق المتواتر وانحراف غاية في الخطورة، يعكس تصاعد اليمين المتطرف الفرنسي وهيمنته على المشهد والقرار السياسي الفرنسي".
وأضاف "إن مكتب مجلس الأمة، وإذ يشجب ويندد بقوة بهذه الزيارة وبمبرراتها وغاياتها، ويرفضها رفضا مطلقا، فإنه يعتبرها تحديا سافرا وانحيازا فاضحا، بل وتناغما مع السياسات الاستعمارية والأطروحات المخزنية المعادية للشرعية الدولية ومواثيق الأمم المتحدة".
وكانت الجزائر ندّدت الأسبوع الماضي بزيارة قامت بها إلى الصحراء وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي، محذّرة من أنّ هذه الخطوة "الخطرة للغاية" تستدعي "الشجب والإدانة على أكثر من صعيد".
وبدأ رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي زيارته للمغرب من الرباط الأحد "من أجل تعزيز التعاون البرلماني وعلاقة الصداقة" بين البلدين، قبل أن يتوجه الثلاثاء إلى مدينة العيون.
وتأتي زيارة المسؤول الفرنسي في خضمّ استفحال الأزمة بين باريس والجزائر عقب رفض السلطات الجزائرية 14 طلبا فرنسيا لاستعادة مواطن يقيم بصورة غير قانونية في فرنسا حيث قضى عقوبة في السجن بتهمة تمجيد الإرهاب، ثم ارتكب قبل بضعة أيام هجوما في مولوز شرق فرنسا.
وفي وقت سابق الأربعاء، أعربت الحكومة الجزائرية عن "استغرابها ودهشتها إزاء تدابير تقييدية على التنقل والدخول إلى الأراضي الفرنسية، تم اتخاذها في حق الرعايا الجزائريين الحاملين لوثائق سفر خاصة (حاملي جوازات السفر الدبلوماسية أو لمهمة) تعفيهم من إجراءات الحصول على التأشيرة"، مؤكدة أنها "سترد بتدابير مماثلة وصارمة وفورية".
في تطور آخر قالت فرنسا الأربعاء إنها ستراجع اتفاقية تعود لعقود تسهل على المواطنين الجزائريين الانتقال إليها، إذا لم توافق الجزائر على استعادة من ترحلهم السلطات الفرنسية.
وتدهورت العلاقات المتوترة بالفعل بين باريس والجزائر بعد أن قتل مواطن جزائري شخصا وأصاب 3 في هجوم بسكين في مدينة مولوز يوم السبت الماضي.
وكانت فرنسا قد حاولت، دون جدوى، منذ فترة طويلة إعادة منفذ الهجوم للجزائر.
وقال رئيس الوزراء فرانسوا بايرو في مؤتمر صحفي "حدثت مأساة مولوز لأن هذا المواطن الجزائري كان خاضعا لأوامر بمغادرة البلاد وتم عرضه لإعادته لبلاده 14 مرة… وفي كل مرة يحدث رفض".
وبموجب اتفاق وقع عام 1968 بين فرنسا ومستعمرتها السابقة، يتمتع المواطنون الجزائريون بعدة استثناءات من قوانين الهجرة الفرنسية، مما يجعل من السهل بالنسبة لهم الاستقرار في فرنسا.
ودعا وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو مرارا إلى مراجعة الاتفاقية في أعقاب رفض السلطات الجزائرية استعادة مواطنيها الذين صدرت إليهم أوامر بمغادرة فرنسا بموجب نظام الترحيل الذي يطلق عليه "الإلزام بمغادرة الأراضي الفرنسية".
وقال بايرو إن رفض الجزائر استعادة مواطنيها "هجوم مباشر على الاتفاقيات التي أبرمناها مع السلطات الجزائرية ولن نقبله"، مضيفا أن حكومته ستمضي ما بين 4 و6 أسابيع في مراجعة تنفيذ الجزائر لاتفاقية 1968.
وأضاف أن باريس ستقدم للجزائر خلال تلك الفترة قائمة بالأشخاص الذين تعتقد أنه ينبغي عودتهم إلى وطنهم. ورفض أن يقول عدد الأفراد الموجودين على القائمة لكنه قال إنها "كبيرة".
وأشار بايرو إلى أنه "إذا لم تسر الأمور على النحو المرجو، فإن الحكومة تعتبر أنه ينبغي إعادة النظر في المزايا المقدمة بموجب (اتفاقية 1968)… هناك شعور قوي بأن الاتفاقية تعرضت للانتهاك".
وتشهد العلاقات بين البلدين تصعيدا، خاصة بسبب موقف فرنسا من قضية الصحراء، ومصير الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال الموقوف في الجزائر منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
كما زادت حدة التوتر بين البلدين بعد أن ألقت السلطات الفرنسية القبض على مؤثريْن جزائريين اتهمتهما باريس بالدعوة إلى أعمال عنف على الأراضي الفرنسية والجزائرية عبر مقاطع فيديو على تطبيق "تيك توك".