في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في قلب العاصمة الإيرانية طهران، يقف برج آزادي شامخا كأحد أبرز معالم المدينة وأكثرها رمزية. بارتفاع يبلغ نحو 45 مترا وتصميم فريد مكسوٍّ بالرخام الأبيض، لا يُعد البرج مجرد إنجاز معماري، بل رمزا سياسيا وثقافيا يجسد فصولا من تاريخ إيران الحديث.
شُيّد البرج عام 1971 في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، ويصادف يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري الذكرى الـ54 لتدشينه. ورغم مرور أكثر من 5 عقود على افتتاحه، فلا يزال البرج يحتفظ بمكانته كأحد أبرز رموز طهران وأكثرها حضورا في الذاكرة الجماعية للإيرانيين.
كان يُعرف في بداياته باسم "برج شهیاد"، أي "تذكار الشاه"، إذ أُقيم ضمن احتفالات إيران بمرور 2500 عام على تأسيس الإمبراطورية الفارسية، ليعكس حينها مجد التاريخ الفارسي ويُبرز سلطة الدولة. غير أن تغيّر المشهد السياسي بعد ثورة 1979 حمل للبرج معنى جديدا واسمه الجديد "برج آزادي"، أي "الحرية"، ليغدو رمزا لمرحلة مختلفة من تاريخ البلاد، وساحة رئيسية للتظاهرات والاحتفالات الوطنية.
صمّم برج آزادي المهندس الإيراني حسين أمانات، الذي لم يكن قد تجاوز الـ24 من عمره عندما فاز في المسابقة الوطنية لتشييده. استلهم أمانات رؤيته من مزيج معماري متوازن يجمع بين عناصر التاريخ والحداثة، فدمج في تصميمه:
وهكذا جاءت النتيجة بناء يجسّد الحداثة من دون أن يتنكر لجذوره، كجسر بصري يربط بين الماضي والحاضر، ويحكي من خلال حجَره قصة الهوية الإيرانية المتجددة.
ورغم أن معظم الزوار يكتفون بالتقاط الصور أمام برج آزادي أو في الساحة الواسعة المحيطة به، فإن ما يخبئه الداخل يروي قصة مختلفة تماما. فأسفل البرج، يقع متحف صغير يحتضن معروضات تاريخية ووثائق نادرة، إلى جانب قاعات للفنون ومكتبة تضيف للمكان طابعا ثقافيا متكاملا.
تتميز القاعات الداخلية بتصميمها الفريد على شكل أنفاق منحنية مكسوة بالحجر، تمنح الزائر إحساسا بالانتقال بين طبقات الزمن، وتتيح له اكتشاف أبعاد ثقافية وفنية ربما لا تبدو واضحة عند الاكتفاء بمشاهدة البرج من الخارج.
وتقول الطالبة مريم (22 عاما): "في زيارتي الأولى، اكتفيت بالصور في الساحة، لكن عندما دخلت المتحف تغيّر إحساسي كليا، شعرت أن المكان يروي تاريخا أعمق مما يبدو على الواجهة".
منذ الثورة الإيرانية عام 1979 وحتى اليوم، ظلت ساحة آزادي بمثابة القلب النابض لطهران؛ شهدت على ملايين التجمعات في لحظات مفصلية من تاريخ البلاد، من المظاهرات والاحتجاجات إلى الاحتفالات الوطنية التي توحد الإيرانيين حول رموزهم المشتركة.
إلى جانب دوره السياسي، أصبح البرج معْلما سياحيا بارزا. فعند قدوم الزائرين من مطارَي طهران، غالبا ما يكون أول ما تقع عليه أعينهم. وهو اليوم يزيّن البطاقات البريدية والملصقات الترويجية، ليصبح رمزا يعادل في أهميته برج إيفل لباريس أو ساعة بيغ بن للندن.
السائح البريطاني جيمس يصف تجربته قائلا "رأيت صورا كثيرة للبرج قبل زيارتي لطهران، لكن عندما وقفت أمامه ليلا بأضوائه الزرقاء والخضراء شعرت أنني أمام بوابة خيالية، لا مجرد نصب تذكاري".
برج آزادي اليوم ليس مجرد بناء رخامي شاهق، بل إنه مرآة للتحولات السياسية، وساحة للتعبير الشعبي، ومكان ثقافي يجمع بين الفنون والتاريخ. وهو أيضا نقطة التقاء بين الأجيال، بين من يتذكرون اسمه القديم "شهیاد"، ومن لا يعرفونه إلا كـ"آزادي".
زيارة برج آزادي ليست مجرد تجربة لمشاهدة معلم معماري شهير، بل رحلة داخل ذاكرة طهران الحديثة (غيتي)يظل برج آزادي شاهدا صامتا على نصف قرن من تاريخ إيران المتقلب، فبين الأقواس والرخام والأنفاق الداخلية، يحكي قصصا عن السلطة والثورة، وعن الفن والمعمار، وعن هوية بلد يبحث دائما عن الحرية في قلب عاصمته.
زيارة برج آزادي ليست مجرد تجربة لمشاهدة معلم معماري شهير، بل رحلة داخل ذاكرة طهران الحديثة. من الرخام الأبيض إلى الأنفاق الداخلية، ومن الساحة الصاخبة إلى الأضواء الليلية، يقدم البرج مزيجا فريدا من التاريخ والثقافة والرمزية السياسية، إنه مكان لا بد أن يمر به كل من تطأ قدماه العاصمة الإيرانية.