آخر الأخبار

الصحة العقلية لدى الأطفال: ما هي الحلول التي يقترحها الخبراء للتعامل مع مشاكلها؟

شارك الخبر
مصدر الصورة

عملت جين غراهام كممرضة مدرسية لمدة تقارب 20 عامًا، وخلال هذه الفترة تغيرت طبيعة عملها بشكل جذري.

تقول جين "عندما بدأت، كان معظم الدعم الذي نقدمه يركز على الصحة البدنية، مثل التعامل مع حالات الربو والإصابات. أما الآن، فأصبح التركيز ينصب على الصحة العقلية".

وقد لاحظت جين زيادة ملحوظة في عدد الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم. وتوضح: "هذا الأمر يؤثر بشكل كبير على التلاميذ في المدارس الثانوية، لكنه يشمل أيضًا أطفالًا لا تزيد أعمارهم عن سبع سنوات".

التغير المناخي "يضر بصحتي العقلية"

التنمر: كيف نحمي جيل "رودينا" من هذه الظاهرة

ومضت قائلة: "نرى أطفالًا يعانون من الاكتئاب والقلق والتوتر، مما يؤدي إلى نوبات الهلع وإيذاء النفس واضطرابات الأكل. إنهم لا يذهبون إلى المدرسة أو يشعرون بقلق شديد يمنعهم من حضور الفصول الدراسية".

لقد تحدثت مع أطباء وعاملين في مجال الشباب وعاملين اجتماعيين، الذين شاركوا قصصًا مماثلة. أشار العديد منهم إلى أن حالات الصحة العقلية بين الشباب والأطفال في ازدياد غير مسبوق.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن واحدًا من كل خمسة أطفال وشباب، تتراوح أعمارهم بين 8 و25 عامًا في إنجلترا، يعانون حاليًا من اضطراب في الصحة العقلية. لذلك، ليس من المفاجئ أن تكافح هيئة الخدمات الصحية الوطنية لمواكبة هذا الوضع.

وفي عام 2024، وصفت راشيل دي سوزا، مفوضة شؤون الأطفال في إنجلترا، الوضع بأنه "مثير للصدمة"، وقالت إن النظام في "أزمة".

لكن الأزمة لا تؤثر فقط على الخدمات الصحية؛ بل إنها تضر أيضًا بالاقتصاد، حيث يزداد عدد الشباب العاجزين عن العمل.

أما السبب وراء حدوث ذلك الآن، فهو أقل وضوحًا.

قدم الخبراء العديد من التفسيرات، مشيرين إلى أن جائحة كورونا، وتكاليف المعيشة المتزايدة، وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، فرضت ضغوطًا إضافية على الجيل الجديد.

ولكن بعض الخبراء في مجال الصحة العقلية طرحوا تساؤلًا آخر: هل هناك حقًا أزمة في الصحة العقلية، أم أن الشباب ببساطة يفتقرون إلى القدرة على الصمود الكافي؟

بمعنى آخر، هل يفتقرون إلى القدرة على التحمل أو التعافي بسرعة من الصعوبات اليومية، التي واجهتها الأجيال السابقة أيضًا؟

نقاش مثير للجدل

هذا السؤال مثير للجدل إذ قد يفسر البعض كلمة الصمود على أنها مهينة، أو حتى سامة.

لكن أحد أبرز خبراء البلاد في مجال الطب النفسي للأطفال والمراهقين، وهو البروفيسور أندريا دانيس، من كينجز كوليدج لندن، يعتقد أن كلمة الصمود يجب أن تُؤخذ على محمل الجد.

وفي حين أن الوعي المتزايد بالصحة العقلية "كان عمومًا أمرًا إيجابيًا"، وفقًا للبروفيسور دانيس، الذي يشغل منصب الأمين العام للجمعية الأوروبية لطب الأطفال والمراهقين، إلا أنه يقول إنه يشعر بالقلق من أن هذا الوعي ربما "ساهم أيضًا عن غير قصد في المبالغة في تشخيص المشاكل العقلية لدى الشباب".

ويضيف أنه لا ينبغي النظر إلى المشاكل العقلية تلقائيًا على أنها علامة على سوء الصحة العقلية.

ويقول: "إن مواجهة التحديات والمشاكل العقلية أمر طبيعي ومهم من حيث النمو الفردي، وهذه هي الطريقة التي يطور بها الشباب الصمود العاطفي، فهم يتعلمون مهارات التأقلم في مواجهة العديد من التحديات الصغيرة، ويبنون الثقة بالنفس بشأن قدرتهم على التأقلم".

وتعتقد جين غراهام، ممرضة المدرسة، أيضًا أن العديد من الأطفال الذين رأتهم يعانون، وخاصة أولئك الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية الأقل مستوى، سوف يستفيدون من هذه الخبرة حيث سيصبحون أكثر صمودا.

وهي تعتقد أنه إذا تم تزويد الصغار بمهارات أفضل للتكيف، فمن المرجح أن يكونوا في وضع أفضل للتعامل مع التحديات التي قد يواجهونها قبل أن تتطور إلى أزمة كاملة، وهذا بدوره سيساعد في تخفيف الضغط على الخدمات الصحية للتركيز على أولئك المعرضين لخطر أكبر.

وتقول: "نحن بحاجة إلى بذل جهود أفضل بكثير في تعليم الصمود في المدارس، وكيفية الحفاظ على الصحة العقلية، لكن الطريقة التي نتعامل بها مع الأطفال، مثل الأيام الرياضية في المدارس الابتدائية حيث يتم إعلان الجميع فائزين، لا تساعد".

الصمود في الثقافة الشعبية

في الثقافة الشعبية، برز مفهوم الصمود خلال سبعينيات القرن العشرين بعد الأبحاث التي أجرتها عالمة النفس إيمي فيرنر، التي درست الأطفال في هاواي من خلفيات ذات دخل منخفض.

ومؤخرًا، أصبح الصمود موضوعًا للعديد من الكتب الأكثر مبيعًا، من بينها كتاب "الخيار ب: مواجهة الشدائد، وبناء الصمود وإيجاد الفرح"، الذي شاركت في تأليفه شيريل ساندبرغ، الرئيسة التنفيذية السابقة للعمليات في شركة ميتا.

تشير الأبحاث التي أجراها أكاديميون في بولندا إلى أن المستويات الأعلى من الصمود تُساهم في تحسين الرضا عن الحياة، كما تعمل كحاجز وقائي ضد مشاكل الصحة العقلية بين الشباب.

وأظهرت دراستان تناولتا شبابًا تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عامًا أن أولئك الذين يتمتعون بمستوى أعلى من الصمود كانوا أكثر قدرة على تطوير استراتيجيات فعالة للتكيف مع التوتر، مثل طلب الدعم والمشورة من الآخرين. كما كانوا أقل عرضة للغرق في التفكير السلبي أو اللجوء إلى المخدرات، الكحول، أو التدخين.

مصدر الصورة

مع ذلك، لا يتفق الجميع بشأن قضية الصمود أو الجوانب السلبية المحتملة لزيادة الوعي بالصحة العقلية.

تقول الدكتورة شاري ماكدايد، رئيسة السياسات والأدلة (اسكتلندا وأيرلندا الشمالية) في مؤسسة الصحة العقلية، إن الافتراض بأن زيادة الوعي مسؤولة عن ارتفاع معدلات مشاكل الصحة العقلية هو أمر "مضلل".

وأوضحت أن تأهيل شخص ما لتلقي العلاج من سوء الصحة العقلية يتطلب استيفاء شروط طبية محددة، مع ضمان أن الدعم الذي يتلقاه يقدم فائدة حقيقية.

وأكدت ماكدايد أن زيادة الوعي ساهمت في تحسين "محو أمية الصحة العقلية"، مما أتاح للناس أدوات فعّالة للتعرف على مشاعرهم اليومية والتعامل معها.

وأضافت: "ما نحتاج إليه هو بذل مزيد من الجهود لمنع تحول المشاكل العقلية لدى الشباب إلى اضطرابات خطيرة. يمكننا تحقيق ذلك من خلال نهج شامل يشمل المجتمع بأسره، ويعمل على خلق بيئات داعمة للصحة العقلية في المجتمعات والمدارس وأماكن العمل، إلى جانب تعزيز الصمود الشخصي لدى الشباب".

واختتمت قائلة: "إن كلا النهجين، الوقائي والشخصي، يجب أن يسيرا جنبًا إلى جنب".

من كوفيد إلى وسائل التواصل

تقول الدكتورة ماكدايد إن الجيل الحالي من الأطفال والشباب يواجه مجموعة فريدة من التحديات، مشيرة إلى أنهم كانوا صغارًا ورضعًا خلال الأزمة المالية عام 2008، وعاشوا أيضًا الانقسامات المتعلقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى جائحة كوفيد-19 خلال سنوات تكوينهم.

وقالت: "نحن نعلم أن الأحداث السلبية تراكمية، فكلما زادت شدتها، زادت احتمالية معاناتك".

وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا دورًا مهمًا، رغم فوائدها. إذ تشير الدكتورة ماكدايد إلى أن التنمر الإلكتروني وضغوط صورة الجسم، التي يمكن أن تتفاقم على وسائل التواصل الاجتماعي، تسبب ضغوطًا إضافية.

وتضيف: "كانت هناك دائمًا صور غير واقعية، لكن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت الأمور أكثر تعقيدًا".

وزعم عالم النفس الاجتماعي جوناثان هايدت أن التطورات في العالم الرقمي أدت إلى "إعادة برمجة كبيرة للطفولة"، حيث يقضي الأطفال وقتًا أقل في التواصل الاجتماعي المباشر، والمزيد من الوقت ملتصقين بشاشاتهم. وفي كتابه "الجيل القلق"، يقترح أن هذا يؤثر على احترام الذات والعلاقات الشخصية، التي تعد ضرورية للصحة العقلية الجيدة.

لكن البروفيسور دانيس يقول إن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وحده لا يمكن أن "يفسر بشكل كامل" سبب انتشار مشاكل الصحة العقلية على نطاق واسع.

ويرى أن هذا من المرجح أن يؤدي إلى "تضخيم" المشاكل بدلاً من التسبب فيها. ويقول: "إن أسباب ارتفاع معدلات مشاكل الصحة العقلية معقدة، ولست متأكدًا من أننا نفهمها بشكل كامل".

والواقع أن التأثير التراكمي للعديد من التحديات، وليس تحديًا واحدًا معزولًا، قد يكون وراء المشكلة.

وكما يقول أحد الشباب: "من منصات التواصل الاجتماعي التي تجعلنا أكثر عزلة وقلقًا، إلى خدمات الصحة العقلية التي تعاني من نقص التمويل والتي أصبحت على وشك الانهيار، وأزمة المناخ العالمية التي تعرض مستقبلنا للخطر، فلا عجب أن يكافح الشباب من أجل البقاء إيجابيين".

"مثل وضع ضمادة على الجرح"

تبلغ أديل والتون من العمر 25 عامًا، وقد كتبت بشكل واسع عن التأثير السلبي لعصر الإنترنت على الصحة العقلية لجيلها، بما في ذلك في كتابها " تسجيل الخروج: التكلفة البشرية لعالمنا الرقمي".

وتقول "في حين أن الصمود الفردي قد يكون أداة فعّالة لحمايتنا من شدة التحديات التي نواجهها، ومساعدتنا على التعافي من صراعات الحياة اليومية، فإن القول إنه يمكن أن يحل المشاكل التي يواجهها الشباب اليوم يشبه وضع ضمادة على جرح مفتوح".

مصدر الصورة

بدلاً من ذلك، تعتقد أن الإجابة تكمن في معالجة الطبيعة الإدمانية والسامة لمنصات التواصل الاجتماعي، والاستثمار في المساحات المجتمعية، فضلاً عن الاستماع إلى الشباب أنفسهم.

وأضافت قائلة:"ما يحتاجه الشباب هو الاعتراف بأن العالم الذي نعيش فيه اليوم يجعل من الصعب عليهم أن ينجحوا، ويجب على أصحاب السلطة إزالة تلك الحواجز التي تحول دون تحقيق الرفاهية".

ويشعر آدم جونز، مدير السياسات والشؤون العامة في مؤسسة يونغ مايندز الخيرية للصحة العقلية، بالقلق أيضًا من مصطلح الصمود، والذي يزعم أنه يمكن استخدامه بطريقة "وصمة العار".

كما أعرب عن مخاوفه من أن النهج الحالي "مفرط في استخدام الوسائل الطبية".

ووفقًا لهيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا، تم وصف مضادات الاكتئاب لأكثر من 600 ألف شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عامًا في إنجلترا في عامي 2023 و2024، كما يُعتقد أن آلافا آخرين قد وُصفت لهم أدوية أخرى لعلاج حالات مثل القلق.

ويقول جونز: "قد يكون العلاج الدوائي مفيدًا لبعض الأشخاص، ولكن المبادئ التوجيهية واضحة بأنه لا ينبغي أن يكون العلاج الأول لمعظم الأشخاص".

ويتفق حمزة دار، وهو مؤثر صحي يبلغ من العمر 26 عامًا من مانشستر ويشارك نصائح الصحة العقلية مع متابعيه على تيك توك وإنستغرام تحت اسم حمزة دي، على الحاجة إلى تغييرات في طريقة تقديم الدعم. ويقترح، من بين أمور أخرى، تعليم الأطفال في المدارس استراتيجيات مثل التأمل منذ السنة الأولى.

ومع ذلك، فهو يزعم أن الشباب يدركون بالفعل أهمية الصمود.

وقال:"لقد أصبح سمة حيوية يجب على كل شاب أن يجسدها حتى يتمكن من التنقل والبقاء على قيد الحياة في عالم مثل هذا العالم".

دور الآخرين: الصمود الاجتماعي

ويسارع البروفيسور دانيس إلى التأكيد على أنه لا يزعم أن الشباب لا يحتاجون إلى الدعم، بل إنه يقترح أنهم ربما يحتاجون فقط إلى نوع مختلف من المساعدة عما هو متاح حاليا، إلى جانب التعرف المبكر على أولئك المعرضين لخطر الإصابة بمشاكل الصحة العقلية الأكثر خطورة.

وبالنسبة للبروفيسور دانيس، فإن المعنى الحقيقي للصمود ليس كما قد يبدو للوهلة الأولى. ويقول إن الصمود العاطفي لا يتعلق فقط بقدرة الفرد على التكيف بمفرده، بل يتعلق أيضًا بالدعم الذي يتلقاه من الأصدقاء والعائلة والمجتمع، سواء من خلال المراكز المجتمعية أو الفرص الرياضية والمناسبات الاجتماعية.

ولكنه يقول إن بعض هذه الفرص ضاعت، مشيراً إلى سحب التمويل في الماضي وإغلاق بعض الشبكات التي يمكنها تقديم الدعم للشباب.

ويتفق جونز مع هذا الرأي، ويرى أنه ينبغي توفير قدر أكبر من الفرص للشباب للمشاركة في الأنشطة التي تربطهم بمجتمعاتهم وتبني الصداقات بينهم. ويقول أيضاً إنه ينبغي توفير الدعم لقضايا مثل الإسكان والتوظيف فضلاً عن العلاجات الأكثر تخصصاً.

وهناك أمثلة لمشاريع تقدم هذا النوع من المساعدة المشتركة، وغالباً ما تكون في شراكات بين المجالس المحلية والجمعيات الخيرية، وأحياناً هيئة الخدمات الصحية الوطنية.

ويشير جونز إلى "ذا نيست" في جنوب لندن وخدمة استشارات الشباب في ميرسيسايد باعتبارهما برنامجين يعتمدان نهجاً مرناً، ويقدمان مجموعة متنوعة من الدعم، بما في ذلك التدريب على التوظيف، وإدارة الميزانية، والمشورة بشأن إعانات الدولة.

والمشكلة هي أن النهج السائد حالياً في هيئة الخدمات الصحية الوطنية لا يساعد على جمع الشبكات معاً بهذه الطريقة.

ويقول جونز: "نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في نظام الصحة العقلية للشباب برمته".

ولعل السؤال الذي يكمن في قلب أزمة الصحة العقلية لا يتعلق بما إذا كان الشباب يتمتعون بالقدر الكافي من الصمود، بل بما إذا كانوا قادرين على الوصول إلى الدعم الكافي ليصبحوا كذلك.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا