آخر الأخبار

رنين شومان.. هل له أي علاقة بكوارث قادمة في البحر المتوسط؟

شارك

تشهد منصات التواصل الاجتماعي من حين لآخر منشورات أو تغريدات تحذر من "تقلبات غير مسبوقة" في ترددات شومان، وتدّعي بعد ذلك أن هذا يعني "اقتراب شيء كارثي كبير"، ربما زلزال أو تسونامي.

في حين يزعم آخرون أن ترددات شومان تمثل "نبض الأرض" أو "نبض غايا"، فيقولون إن التردد 7.83 هرتزات هو تردد الأرض "الطبيعي"، ويجب أن يتناغم جسم الإنسان معه، بل يبيعون أجهزة تبعث موجات 7.83 هرتزات بزعم أنها تقلل التوتر وتعالج القلق وتوازن "الطاقة الداخلية" وتحمي من الإشعاع الكهرومغناطيسي.

على الجانب الآخر، يقال في منتديات ومجموعات نظرية المؤامرة إن الحكومات تتعمد "تشويش" هذا التردد (عبر تكنولوجيا الجيل الخامس لشبكات الهواتف الذكية) لإضعاف البشر. ولكن هل أي مما سبق من الادعاءات حقيقي؟

مصدر الصورة البرق هو سبب حدوث هذه الظاهرة (بيكسابي)

رنين شومان

الأرض ليست صامتة تماما، فبعيدًا عن أصوات الطبيعة وحركة المرور والتكنولوجيا، يتردد صدى كوكبنا بطنين كهرومغناطيسي غير مرئي، يُعرف باسم رنين شومان.

هذه الترددات الطبيعية، وإن كانت مجهولة إلى حد كبير لعامة الناس، تُدرس في فيزياء الغلاف الجوي، وأبحاث الطقس الفضائي، وحتى في فهم مناخ الأرض. ومع ذلك، فقد تشابكت أيضًا مع ادعاءات علمية زائفة وتفسيرات روحية بعيدة كل البعد عن جذورها العلمية.

يعرف "تردد شومان" بأنه مجموعة من الموجات الكهرومغناطيسية المنخفضة التردد للغاية، التي تتردد بين سطح الأرض والغلاف الأيوني (طبقة مشحونة من الغلاف الجوي العلوي)، ويمثلها البعض وكأنها بمنزلة "نبضات قلب" الأرض، لكن ليس بالمعنى البيولوجي، بل كظاهرة كهرومغناطيسية عالمية طبيعية.

يحدث هذا الرنين لأن الفضاء بين الأرض والغلاف الأيوني يعمل كتجاويف رنينية عملاقة، تشبه جسم الغيتار الذي يساعد على ظهور صوت الأوتار.

سُميت هذه الظاهرة تيمنًا باسم الفيزيائي الألماني وينفريد أوتو شومان، الذي تنبأ بوجودها عام 1952. واستخدم شومان معادلات ماكسويل لإظهار أن الموجات الكهرومغناطيسية يمكن أن تتذبذب في التجويف بين الأرض والغلاف الأيوني في ظل ظروف معينة.

إعلان

في حين كانت تنبؤات شومان نظرية، غير أن نيكولا تيسلا أجرى قياسات فعلية لتردد 7.83 هرتزات لأول مرة في أوائل القرن الـ20، وتم تأكيدها لاحقًا بشكل أوضح في ستينيات القرن الماضي باستخدام أدوات حساسة.

مصدر الصورة لا يوجد ارتباط مثبت بين تردد شومان والبراكين (الجزيرة)

كيف يحدث؟

رنين شومان يحدث بسبب تفريغات البرق، فكل يوم، تحدث أكثر من 8 ملايين ضربة برق حول العالم، كل ضربة منها تُنتج نبضة كهرومغناطيسية قوية تنتشر في الغلاف الجوي، وبعض هذه الموجات ينعكس بين سطح الأرض والأيونوسفير، وتبقى عالقة داخل هذا التجويف

هذه الموجات تبدأ في الاهتزاز أو الرنين بترددات معينة، كما تهتز أوتار العود أو الكمان، بين سطح الأرض وطبقة الأيونوسفير توجد "مساحة" تُشبه صندوقا مغلقا أو تجويفا، كما في حالة الآلات الموسيقية، هذا التجويف يمكنه احتجاز الموجات الكهرومغناطيسية مثل موجات الراديو.

تتداخل الموجات العالقة في هذا "الصندوق" مع نفسها وتُنتج رنينًا ثابتًا بترددات محددة، تمامًا مثل الصدى داخل كهف.

يقاس رنين شومان بدقة، لأنه مفيد في نطاقات متنوعة، فمثلا يُمكن ذلك الباحثين من تقدير نشاط البرق العالمي، وإن التغيرات الطويلة المدى في سعة أو تردد رنين شومان قد تعكس تغيرات في درجة الحرارة العالمية أو الرطوبة أو النشاط الشمسي، ويُمكن أن تؤثر التغيرات في الرياح الشمسية والعواصف الجيومغناطيسية على طبقة الأيونوسفير، مما يُغير بدوره خصائص رنين شومان.

مصدر الصورة بعض الحركات تعتمد على التنجيم وعلوم الطاقة لجذب أتباعها (أسوشيتد برس)

مشكلة الدراسة الواحدة

وقد افترضت بعض الدراسات أن رنين شومان قد يكون ذا علاقة بالزلازل، لكن للأسف فإن هذه النتائج لا تزال تواجه مشكلات عدة حتى تتأكد، منها أن حالات الشذوذ في رنين شومان رصدت في أثناء الزلازل، وفي أوقات لم تكن فيها زلازل كذلك، مما يعني أنه ربما لا يوجد ارتباط واضح بين الزلازل ورنين شومان.

وإلى جانب ذلك، لا يوجد دعم كاف لهذا النوع من الفرضيات، حيث لم تنشر كثير من الأوراق البحثية فيه، كما باءت محاولات فرق بحثية أخرى لتأكيد هذه العلاقة بالفشل.

ومن ثم لا يمكن أن نستدل بورقة بحثية واحدة أو عدة ورقات على صحة هذه العلاقة، وفي نطاقات العلوم يجب أن يكون هناك إجماع بين العلماء على تأكيد ظاهرة ما، ويتطلب ذلك عملا بحثيا كثيفا على مدى سنوات.

وحتى لحظة كتابة هذه الكلمات، فإنه لا توجد تقنية أو طريقة أو نظرية واحدة يمكن أن تتنبأ بوقوع الزلازل قبل حدوثها، وتقع جميع المحاولات في نطاق الفرضيات، حسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

ويجري ذلك أيضا على العلاقة بين تردد شومان وكوارث طبيعية مثل البراكين أو التسونامي، فمثلا سجلت دراسات قليلة جدا تغيّرات في تردد شومان وقت الانفجارات البركانية الكبيرة (وليس قبلها)، لكنها تظل مؤقتة وضعيفة وغير منتظمة.

ومثلا بعد تسونامي المحيط الهندي عام 2004 (وليس قبله) لاحظ بعض العلماء تغيرات في المجال الكهرومغناطيسي، ولكن لم يتم تأكيد أنها أثّرت مباشرة في تردد شومان.

مصدر الصورة بعض الحركات تعتمد على العلوم الزائفة لتربط بين تردد شومان والتأمل (شترستوك)

العلوم الزائفة

ويجري ما سبق على الادعاءات بوجود علاقة بين تردد شومان والجسم البشري، فالأبحاث لا تزال أولية، أي أن معظم الأدلة تعتمد على مجموعات صغيرة أو تجارب محدودة، أو أن النتائج متضاربة.

إعلان

ومثلا لا يمتلك العلماء، ولم يقوموا بتصميم أي أجهزة دقيقة تعتمد على رنين شومان لعلاج أمراض أو تحسين المزاج.

لكن هذه الأفكار، التي تعد اقتراحات بحثية لم تجد دلائل لدعمها، تأخذها حركة العلوم الزائفة التي تنتشر حاليا بقوة في جوانب العالم، خاصة العالم الغربي، ويتم تضخيمها واعتبارها علما حقيقيا.

وعلى سبيل المثال، يعتمد منظرو حركات دينية مثل "العصر الجديد" على مثل هذه الخرافات العلمية في مناهج علاجية أو تأملية ليست علمية.

بل ويقوم هؤلاء باستخدام تشبيهات واستعارات مستمدة من العلوم التجريبية والنظريات العلمية والتكنولوجيا، بداية من الإشارة إلى أساليب شفاء معينة لا علاقة لها بفيزياء الكم على أنها "الشفاء الكمي"، وصولا إلى الحديث عن "الكون الهولوغرامي"، وهو فرضية علمية، واستخدام تلك الفرضية -بلغة العلم- للحديث عن كائنات متصلة ببعضها بعضا عبر ترددات معينة وأبعاد متعددة.

بمعنى آخر، نحن أمام حالة استخدام "عِلمي اللغة" للإشارة إلى المعتقدات والممارسات التي هي بالأساس "بعيدة كل البعد عن العلم".

تنتشر هذه الحركة (والحركات الشبيهة) في العالم حاليا، وتستمد أفكارها من الروحانيات الغربية الحديثة، مثل الثيوصوفيا والتنجيم والمسيميرية، ويعتقد المنتمون لها في العلاج بالطاقة والظواهر الخارقة للطبيعة، ويقدم ذلك في حلة تستخدم اصطلاحات علمية.

لكن في النهاية، فمواضيع العصر الجديد ومثلها من الحركات، يصفها العلماء والمختصون بالتبسيط المخل واستخدام مصطلحات علمية سطحية دون دعم تجريبي.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار