في غانا لا أحد يمكن أن يتوقع ما يمكن أن تؤدي إليه حمى البحث عن الذهب، فعاما بعد عام تتزايد مخاطر التنقيب عن الذهب على البيئة وتتضاعف مواقع الحفر لتلتهم مزارع الكاكاو في هذه الدولة الغنية بالموارد في غرب إفريقيا.
وخلال السنوات الأخيرة، انتشر التعدين غير القانوني كالنار في الهشيم في جل مناطق غانا، والنتيجة أنهار ملوثة وتدمير للغابات واستخدام متزايد لمواد خطرة كالزئبق والمتفجرات، وتراجع مساحات زراعة الكاكاو.. ورغم كل هذا لا أحد يمكن أن يقنع المنقبين والمافيا التي تدعمهم بخطورة الوضع.
فغالبيتهم لا يبالي من تحذير الخبراء من كوارث بيئية جراء قطع الأشجار وإعدام الغابات وتلويث المياه واستعمال مواد خطرة ومتفجرات.. يتجاهلون كل هذه التحذيرات ويتنكرون للتهم الموجهة إليهم، بل إنهم يستهزئون ممن يبالون بالمخاوف البيئية ويعتبرون أن بلادهم غانا غنية بالذهب، وأن الوقت قد حان ليستفيد أبناؤها بعد أن نهب المستعمرون الكثير من خيراتها.
تشتهر غانا على مر العصور بأنها أرض الذهب، وفي الموروث الشعبي يتداول الناس أن أرض غانا من ذهب وأنه لا توجد منطقة بغانا إلا وتحتوي على الذهب.
وخلال حقبة الاستعمار كانت غانا تُعرف باسم "ساحل الذهب"، ويعتقد أن مناطق واسعة من غانا لم يتم استغلالها حتى الآن لاستخراج الذهب بكميات كبيرة، وتعتبر غانا اليوم سادس أكبر مصدر للذهب في العالم وثاني أكبر مصدر للكاكاو.
ويعتبر كاكاو غانا الذي يستخدم عالميا في إنتاج الشكولاتة أكبر متضرر من انتشار التعدين غير القانوني حيث تأثر إنتاج هذه المادة على نطاق واسع، فحسب مجلس الكاكاو الغاني فإن أكثر من 500 ألف هكتار من الأراضي الزراعية قد تم تدميرها في مناطق زراعة الكاكاو الرئيسية مثل المنطقتين الغربية وأشانتي. وأكد المجلس أن إنتاج الكاكاو انخفض بسبب نشاط التعدين القانوني وغير القانوني.
كما أثر التعدين غير القانوني على محاصيل أخرى، كالأرز بسبب تلوث مياه الأنهار التي تسقي حقول الأرز، ما يرغم المزارعين على حفر الآبار من أجل الحصول على مياه كافية لزراعة الأرز، فيما كان اعتمادهم الكامل على مياه الأنهار.
وتؤدي أنشطة التنقيب إلى تحويل مجرى مياه الأنهار وتلوث البحيرات وتدمير الغطاء النباتي وتحويل الصخور وجرف التربة.
لا يتوانى المنقبون عن الدفاع عن أنفسهم إزاء التهم التي توجه إليهم، حيث إنهم يرون أن توسيع مناطق البحث مكنهم من تحقيق أرباح أكبر وتشغيل الكثير من العاطلين عن العمل، وخير مثال على ذلك، بعض صغار الصيادين الذين كانوا قبل مجيئهم للعمل في مناجم الذهب، يخاطرون بحياتهم في البحر ويربحون القليل، ثم بعد ذلك عملوا في التنقيب واستطاعوا توفير المال لشراء قوارب أكبر وأكثر أمانا والعمل بالصيد وقت تسمح الظروف المناخية والبيولوجية للسمك، والعمل بمناجم الذهب في أوقات أخرى، ما مكنهم بمرور الوقت، من شراء ما تحتاجه أسرهم وتحسين ظروفهم المعيشية.
ليس فقط صغار المهنيين والعاطلون عن العمل من اتجه للتنقيب عن الذهب في غانا بل إن رجال الأعمال والسياسيين انضموا إليهم فيما أطلق عليه "حمى الذهب".
ويقوم المستثمرون سواء كانوا رجال أعمال أو سياسيين بشراء مزارع الكاكاو وتحويلها إلى مواقع تنقيب خاصة، ما يؤكد أن التنقيب عن الذهب بات الشغل الشاغل للغانيين بجميع فئاتهم.
وقد كشفت دراسة حديثة عن مستوى وعي الغانيين بخطورة التعدين على البيئة وخاصة التنقيب عن الذهب، أن أكثر من 75% ممن شملهم الاستطلاع يرون أن هذه الممارسة مصدر دخل مربح، فيما يقر 97% منهم بأن هذه الممارسات تضر بالبيئة ومصادر المياه.