آخر الأخبار

حسني بي لـ«عين ليبيا»: أزمة السيولة أزمة ثقة لا نقود والطباعة لن تنقذ الاقتصاد

شارك

قال رجل الأعمال حسني بي، في تصريح لشبكة عين ليبيا، إن الوضع الاقتصادي الليبي اليوم يعكس أزمة بنيوية عميقة ومتجذرة منذ عقود، مؤكدًا أن نقص السيولة في ليبيا أزمة ثقة لا أزمة نقود.

وأوضح أن التضخم في ليبيا ناتج عن إنفاق عام يتعدى الإيراد العام، يمول نقديًا، في ظل انخفاض إيرادات النفط بسبب نمو فاتورة المحروقات وتدني الأسعار وحجب توريد المبيعات الخارجية للمركزي.

وأشار إلى أنه رغم ارتفاع حجم الإنفاق العام في ليبيا إلى ما قد يقارب 240 مليار عام 2025، أخذًا بالاعتبار جميع النفقات العامة المعلنة والغير معلنة، ورغم تضخم عرض النقود إلى مستويات تُعد من الأعلى تاريخيًا، ما زالت أزمة نقص السيولة في المصارف قائمة بل ومتجددة، موضحًا أن هذه المفارقة لا يمكن تفسيرها بالأدوات التقليدية منعزلة، لأنها أزمة مركبة، كونها بالأساس أزمة منظومة وأزمة ثقة بالمصارف وسياسات عامة نقدية نتيجة سعر الصرف الثابت الذي ثبت فشله على مدار ستة عقود.

وحول دور النفط في دعم الاقتصاد الوطني، أوضح أن الخبير الاقتصادي العالمي مايكل بورتر ومكتب الاستشارات الاستراتيجية “مونيتور” عام 2008 وصف النموذج الاقتصادي الليبي، خلال تكليفه بدراسته، بأنه منظومة فاقدة لمقومات العمل السليم ووصفها بـ”المنظومة التي أسست حتى لا تعمل”، حيث اكتشف أن عمود الاقتصاد الليبي، قطاع النفط، الذي يمثل قرابة 65% من الناتج المحلي الإجمالي ويغطي 93% من الإنفاق العام، لا يمتلك أصولًا مسجلة باسمه، ولا قوائم مالية تدل على إنتاجيته، ولا حسابات أرباح وخسائر لتقييم الإدارة، ولا أدوات قياس وتقييم أداء مالي أو بشري، مشيرًا إلى أن النموذج الوحيد ضمن دول منظمة “أوبك” ورغم كونه أكبر مكون اقتصادي يعامل كوحدة خدمات (مكتب بريد) ويفقد أدوات الاقتراض التجاري.

وأضاف أن القطاع الذي يشكل غالبية الناتج المحلي يفتقد أبسط معايير القياس المالي المعمول بها في أي اقتصاد نفطي طبيعي مشابه، كما أن القطاع العام والشركات العامة، التي سيطرت تاريخيًا على أكثر من 20% من الناتج المحلي بالإضافة إلى 65% النفطي، لم تساهم فعليًا بدينار واحد في تمويل الموازنة العامة أو النفقات السيادية.

وفي تقييمه للسياسات الاقتصادية، قال حسني بي إن عام 2011 تغيّر رأس النظام السياسي، لكن المنظومة الاقتصادية بقيت كما هي، متسائلًا: هل تفشل الدول؟ ليؤكد أن الأنظمة تفشل، الشعوب قد تُفقر، لكن الدول لا تفشل، بل قد تتعثر وتنهض من جديد.

وأوضح أن التغيير لا يمكن أن يتحقق باستخدام ذات النموذج وبنفس المدخلات ومن خلال ذات الآليات مع انتظار مخرجات مختلفة، وهذا اقتصاديًا أحد المستحيلات الأربعة. لا يتحقق التغيير إلا من خلال تعديل الآليات والمدخلات.

وبشأن أسباب نقص السيولة، أكد أن ما يحدث في ليبيا ليس نقصًا في النقود عامة والمطبوعة خاصة، بل نقصًا في الثقة بالمصارف وغياب أدوات التمويل، ومنها تحريم الفائدة غربًا (لا شرقًا). وبيّن أنه في فترات سابقة وحتى يونيو 2025، كانت النقود الورقية المتداولة نقدًا تتجاوز 40% من إجمالي عرض النقود وتمثل أغلبية القاعدة النقدية بما يتعدى 70%، وبعد سبتمبر انخفضت إلى 25% من عرض النقود، بينما القاعدة النقدية تتعدى 45%، في حين مثاليًا يفترض أن لا تتجاوز العملة الورقية 10% من عرض النقود والقاعدة النقدية، ورغم ذلك تستمر أزمة السيولة منذ عقود.

وأوضح أن الأسباب الحقيقية تعود إلى فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم نتيجة سياسات مالية ونقدية متناقضة لا تحمي المواطن من التضخم، وفقدان الثقة بالمصارف بسبب غياب الأدوات الاستثمارية، وهي ظاهرة متجذرة منذ ثمانينيات القرن الماضي مع فرض سقوف السحب، وبعد 2011 مع اشتراط التمويل النقدي للاعتمادات، وفي عام 2023 وفقدان الدينار 27% من قيمته رغم عدم تحقيق عجز، وأخيرًا عام 2025 بعد الكشف عن وجود ما لا يقل عن 10 مليارات من العملة المتداولة مجهولة المصدر، ما تسبب في فزعة عامة والمزيد من الانهيار.

وأضاف أن سياسات تثبيت سعر الصرف خلقت فجوة سعرية وحوافز قوية للمضاربة على الدولار، وإنتاج سوق موازٍ يعادل السوق الرسمي، وشجعت الاكتناز خارج الجهاز المصرفي، وأدت إلى ما يُعرف بحرق الصكوك بدل دوران النقود بالاقتصاد، معتبرًا أن اتهام الأزمة فئة بعينها من التجار أو سوق العملة أو المضاربين بما نتج عنها من عدم الثقة في المصارف هو تبسيط مخل، لأن عدم الثقة سلوك عقلاني في ظل سياسات غير مستقرة تتيح فرصًا للمضاربة.

وأكد حسني بي في تصريحه أن فقدان واكتناز السيولة انعكاس للثقة لا لقلة الطباعة، وأن السيولة المصرفية لا تُخلق بالمطابع، بل بالثقة في المصارف وفي العملة المحلية، مع الأساس “الثقة في المصارف”، والثقة في السياسات العامة، محذرًا من أنه طالما استمرت ازدواجية الإنفاق واستمرار ابتزاز المركزي وثنائية القرار، وغياب الشفافية الرقمية، وغموض مصدر

وانسياب النقود، والتدخل الإداري في السياسة النقدية، فإن أي ضخ سيولة جديد سيتحول فورًا إلى اكتناز أو مضاربة.

وأشار إلى أن ليبيا ليست أول دولة تواجه أزمات سيولة أو اختلالات بنيوية، مؤكدًا أنه لا يمكن تحقيق التغيير من خلال الاستمرار في النموذج القائم، داعيًا إلى إعادة تعريف دور الحكومة وحصره في التعليم، والصحة، والثقافة وبناء القدرات، والعدالة، والتوثيق، والبنية التحتية، والحوكمة وحماية الملكية، وترك ما عدا ذلك للقطاع الخاص، وللمنافسة، وللإنتاج الحقيقي.

وأكد في الخلاصة أن نقص السيولة في ليبيا عرض لمرض أعمق سببه منظومة اقتصادية مختلة وسياسات أفقدت المواطن ثقته بالمؤسسات، مشددًا على أن الحل لا يكمن في طباعة المزيد من النقود، بل في تقليص الإنفاق وإصلاح جذري يعيد الثقة، ويغير النموذج، ويعيد للدولة دورها الطبيعي.

عين ليبيا المصدر: عين ليبيا
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا