كشفت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، بالتعاون مع هيئة البث الألمانية باييريشير روندفونك، تحقيقًا موسعًا يفضح جانبًا غير معروف من شبكة النفوذ المالي والسياسي التي نسجها رجل الأعمال النمساوي الهارب يان مارساليك—المدير التنفيذي السابق لشركة وايركارد المنهارة والمتهم بالعمل لصالح الاستخبارات الروسية—داخل ليبيا خلال السنوات الماضية.
وبحسب التحقيق، فإن مارساليك استثمر أموالًا ضخمة يُشتبه في أنها من أصول مسروقة من وايركارد، لبناء شبكة نفوذ معقدة ارتبطت بجهات سياسية وفصائل مسلّحة ليبية، عبر مسارات مالية خارجية صُممت لإخفاء دوره الحقيقي كمستثمر فعلي.
واعتمد التحقيق على وثائق مسرّبة ومقابلات أجريت في لندن وميونخ وطرابلس وبنغازي، وأظهر أن مارساليك لعب دورًا تجاوز كونه رجل أعمال فارًا، إذ نسّق علاقات جمعت بين رجال نفوذ في ليبيا وشركات واجهة في أوروبا، في سياق بدا متقاطعًا مع مصالح دوائر مرتبطة بقائد القيادة العامة خليفة حفتر، ومرتزقة على صلة بروسيا.
وكشفت الصحيفة أن مارساليك أدار عملياته من مقر فاخر بحي مايفير في لندن، حيث أُبرمت العام الماضي صفقة سرّية لبيع ثلاثة مصانع أسمنت ليبية عبر شبكة من الشركات الخارجية والعقود غير المعلنة، وانتهت ملكية الأصول إلى رجل أعمال موالٍ لمعسكر حفتر. وتبيّن لاحقًا أن المستثمر السابق خلف الصفقة لم يكن سوى مارساليك نفسه.
وتوضح الوثائق أن دخوله لقطاع الأسمنت الليبي تم عبر شركة قبرصية تُدعى Euroatlantic، كما امتد نشاطه إلى شركة لوراسكو المتخصصة في منصات الحفر النفطية، والتي ضُخ فيها نحو 10 ملايين دولار عبر قنوات مرتبطة بشبكة تحويلات وايركارد، متجاوزًا قواعد مكافحة غسل الأموال. الرسائل المسرّبة أظهرت أنه كان صاحب القرار الفعلي رغم غياب اسمه عن السجلات الرسمية.
كما تطرّق التحقيق إلى اتصالات بين مارساليك وشركة المرتزقة الروسية RSB لترتيب عمليات تطهير مصانع الأسمنت من المتفجرات، في مؤشر على النفوذ الأمني الذي مارسه داخل ليبيا.
وتشير الوثائق إلى أن شركة لوراسكو—التي تتجاوز قيمة أصولها اليوم 80 مليون دولار—كانت جزءًا من شبكة تمويل معقدة شاركت فيها شركات في سنغافورة ودبي وجزيرة مان، قادتها مجموعة ليبيا القابضة. ويعزّز ذلك لقاء جرى في بنغازي عام 2018، ضم مارساليك وأحمد بن حليم مالك المجموعة، إضافة إلى القيادي العسكري ونيس بوخمادة.
وخلال مراجعات “اعرف عميلك” عام 2020، اتضح أن المالك الحقيقي لإحدى شركات الطاقة المرتبطة بالصفقات كان صندوقًا خارجيًا تديره مؤسسة Labels، يعود في الواقع لمارساليك.
وكشف التحقيق أيضًا أن مارساليك ضمّن قرضًا بقيمة 4 ملايين دولار لشركة مملوكة لعائلة بن حليم، وشارك في تمويل مشروع العملة الرقمية TON الخاصة بتطبيق “تيليغرام”، في محاولة للالتفاف على رقابة بنك “كريدي سويس”.
ومع فرار مارساليك إلى روسيا، تصاعدت الخلافات بينه وبين شركائه الليبيين، وتقلصت حصته في الشركات عبر عمليات زيادة رأس المال، ما أدى إلى نزاعات قانونية لاحقة بين مساعديه السابقين ومجموعة ليبيا القابضة.
وخلال فترة إعداد التحقيق، تلقت فاينانشال تايمز رسائل مجهولة ووثائق مضللة تحاول اتهام جهات ليبية مختلفة بالفساد، ليتضح لاحقًا—وفق مصادر الصحيفة—أن هذه الحملة قد تكون جزءًا من محاولة مارساليك للتأثير على الأطراف المرتبطة بصفقاته القديمة أو الضغط لاستعادة أصوله.
وترى الصحيفة أن أهمية الملف تتجاوز الاقتصاد، إذ يكشف عن خطوط نفوذ روسية تمتد داخل ليبيا، من الأمن إلى المال، وسط صراع دولي على النفوذ في شمال أفريقيا. ورغم ما ورد من أدلة، تقول فاينانشال تايمز إن السلطات البريطانية لم تفتح حتى الآن تحقيقًا شاملًا حول الشبكة المالية التي أدارت عمليات مارساليك من لندن.
المصدر:
الرائد