آخر الأخبار

ليبيا أمام مفترق حاسم.. خبراء اقتصاديون يطرحون خريطة طريق لإنقاذ الاستدامة المالية وحماية قيمة الدينار

شارك

يمرّ الاقتصاد الليبي بمرحلة حرجة تتطلب إصلاحات جذرية وسريعة لضمان استدامة المالية العامة وحماية قيمة الدينار واستعادة الثقة في القطاع المصرفي.

وفي ظل تعقّد المشهد الاقتصادي الليبي وازدياد الضغوط على المالية العامة، أصدر فريق من 9 خبراء اقتصاديين ليبيين تقريرًا موسعًا يضع إطارًا متكاملاً لتحقيق الاستدامة المالية والنقدية للبلاد.

ويستعرض التقرير أسباب الاختلال، ويقترح حلولًا عملية وعاجلة للحدّ من المخاطر القائمة، مع التأكيد على أن استمرار الوضع الراهن يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للدولة.

ووفقًا لما ورد في تقرير فريق الخبراء الليبيين الاقتصادي الصادر بتاريخ 16 نوفمبر 2025، فإن الاعتماد شبه الكامل على إيرادات النفط، والانقسام المؤسسي، وتوسع الإنفاق غير المنضبط، وغياب البيانات الدقيقة، عوامل تنذر بأزمة قد تتعمّق مع توقعات هبوط أسعار النفط خلال السنوات المقبلة.

ويطرح التقرير خريطة طريق واضحة تتضمن حلولًا عملية قابلة للتنفيذ فورًا.

هبوط أسعار النفط

يشير التقرير إلى دخول ليبيا مرحلة حساسة من الدورة النفطية الهابطة، مع توقع انخفاض متوسط السعر إلى ما بين 55 و60 دولارًا للبرميل خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.

هذا التراجع يضع المالية العامة الهشة أصلاً أمام تحدّيات قد تؤدي إلى اتساع العجز وتفاقم الالتزامات المتراكمة.

ويؤكد الخبراء وجوب تبني سيناريوهات توتر (45/50/55) دولار كأساس لموازنة 2026، مع تطبيق آليات ضبط تلقائي للإنفاق الحكومي.

توسع إنفاقي بلا موازنة

تواجه ليبيا حالة غير مسبوقة من التوسع في الإنفاق الجاري في ظل غياب موازنة موحدة ذات مستهدفات واضحة.

ويؤدي هذا الوضع إلى تآكل الحيز المالي المخصص للتنمية وارتفاع المخاطر المرتبطة بالفساد وضعف الرقابة.

ويشدد الخبراء على ضرورة إعادة بناء الموازنة على أسس شفافة وقابلة للقياس، واعتماد حساب الخزانة الموحد لضبط حركة الإنفاق والإيرادات.

اتساع فجوة السعرين

تعمّق فقدان الثقة في الدينار الليبي نتيجة اتساع الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازي.

كما تعطل دور أدوات السياسة النقدية، وضعفت القدرة على تعقيم السيولة، وتباطؤ الائتمان المنتج.

ويرى التقرير أن تفعيل سعر الخصم وأدوات السوق المفتوحة خطوة أساسية لإعادة الاستقرار النقدي.

كما يشدد على رفع الكفاءة الفنية للقطاع المصرفي وتحسين جودة البيانات المنشورة.

تجارة خارجية مفككة تغذي السوق الموازية

تُدار التجارة الخارجية بشكل مجزأ، وتفتقر للربط بين الاعتمادات والجمارك والضرائب والمصارف، ما خلق بيئة خصبة للمضاربة والتهريب والجرائم العابرة للحدود.

هذا الضعف الهيكلي يبقي الطلب على النقد الأجنبي مرتفعًا رغم الاستيراد بالسعر الرسمي، ويساهم في ارتفاع أسعار السلع للمواطن.

ويقترح الخبراء إنشاء منظومة تتبع المستفيد الحقيقي وربطها آليًا بالجهات الرقابية.

أزمة معيشية متصاعدة

يحذر التقرير من أن استمرار الاضطرابات الاقتصادية ينعكس مباشرة على مستوى معيشة المواطن الليبي الذي يواجه تضخمًا مرتفعًا وتراجعًا في القوة الشرائية.

كما أن أدوات الدعم الحالية مشتتة وغير فعّالة، ما يبدد الموارد دون وصولها إلى الفئات الأكثر احتياجًا.

ويطالب الخبراء ببرنامج أمان اجتماعي قبل إجراء أي إصلاحات سعرية على الوقود والطاقة.

إطار استدانة سيادي
يشدد الخبراء على ضرورة فصل عمليات الاقتراض عن إنفاق الحكومة، وإنشاء إطار استدانة سيادي مستقل يوفر للمالية العامة أدوات دين واضحة وشفافة.

ويجب أن يتم ذلك وفق القانون دون اللجوء إلى التمويل التضخمي من المصرف المركزي، مع إمكانية اللجوء إلى السوق لإصدار أدوات دين حكومي منضبطة.

رفع كفاءة المركزي

يؤكد التقرير أن الاستقرار النقدي يبدأ من تفعيل أدوات السياسة النقدية، وعلى رأسها سعر الخصم وسياسات الإيداع، بما يسمح بإعادة هيكلة السيولة داخل القطاع المصرفي.

كما يطالب برفع مستوى الشفافية، والامتناع عن الإعلانات عبر وسائل التواصل تالاجتماعي، والاعتماد على الموقع الرسمي في نشر البيانات والسياسات.

رقابة مصرفية صارمة

يدعو الخبراء إلى إجراءات حازمة لتحديد أسباب الطلب المتضخم على النقد الأجنبي، ومعالجة هذا الانحراف قبل أن يؤدي إلى تدهور إضافي لقيمة الدينار.

وتشمل الإجراءات المقترحة: تتبع المستفيد الحقيقي، وفرض اختبارات ضغط على المصارف، وتطبيق أنظمة إنذار مبكر، وربط المصارف بالجمارك والضرائب.

يخلص فريق الخبراء الليبيين الاقتصادي إلى أن طريق الاستدامة المالية والنقدية في ليبيا يبدأ بموازنة عامة موحدة ومنضبطة وشفافة، تعطي الأولوية للإنفاق الاستثماري وتحد من التوسع في الإنفاق الجاري.

كما أن استعادة كفاءة المصرف المركزي وتفعيل أدوات السياسة النقدية ورفع مصداقية البيانات تمثل عناصر أساسية لإعادة الثقة في الدينار الليبي وتقليص فجوة السعرين.

ويشدد الخبراء على أن نجاح الإصلاح يتطلب تنفيذ حزمة متزامنة تشمل ضبط الإنفاق، وتعميم الدفع الإلكتروني، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، بما يضمن حماية الفئات الهشة وتحويل ثروة النفط إلى استدامة يشعر بها المواطن.

الرائد المصدر: الرائد
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا