مع اقتراب انطلاق الحوار المهيكل الذي ترعاه البعثة الأممية للدعم في ليبيا، تتباين مواقف القوى السياسية بين من يرى فيه فرصة جديدة لإنهاء الجمود السياسي، ومن يشكك في جدواه وقدرته على تحقيق اختراق فعلي في الأزمة الليبية المتواصلة منذ سنوات.
ومع بدء الأمم المتحدة تلقي الترشيحات للمشاركين من مختلف المكونات السياسية والمجتمعية، تتجه الأنظار لمعرفة هل سيفتح هذا الحوار نافذة أمل نحو الانتخابات وتوحيد المؤسسات، أم سيُضاف إلى قائمة المسارات المؤجلة والتجارب غير المكتملة؟
ترشيحات
 البعثة الأممية أعلنت فتح باب تلقي الترشيحات لعضوية الحوار المهيكل، وذلك من البلديات والأحزاب السياسية والجامعات والمؤسسات المختلفة.
وذكرت البعثة، في بيان رسمي، أن عدد المشاركين سيبلغ نحو 120 ليبيًا وليبية، على أن يُتاح للجمهور الليبي المساهمة في النقاش من خلال استطلاعات رأي عبر الإنترنت ولقاءات مباشرة وافتراضية.
وأوضحت البعثة أن الحوار المهيكل يُعد أحد المكونات الثلاثة الأساسية لخارطة الطريق السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة، ويهدف إلى اعتماد إطار انتخابي فني سليم وقابل للتطبيق سياسيًا، بما يمهد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتوحيد المؤسسات من خلال تشكيل حكومة موحدة جديدة.
توصيات لا قرارات
وأكدت البعثة أن الحوار المهيكل يهدف إلى تقديم توصيات سياسية عملية لتهيئة بيئة مناسبة لإجراء الانتخابات، مشددة على أنه ليس هيئة لصنع القرار، بل منصة لتبادل الرؤى والمقترحات بين مختلف الأطياف الليبية.
فرصة حقيقية
 تلقت العديد من المؤسسات والأحزاب السياسية إعلان انطلاق الحوار المهيكل بالترحاب والإشادة.
 وقال رئيس حزب المستقبل، عبدالغني المعاوي، في تصريح للرائد، إن ما يميز هذا الحوار هو المشاركة الواسعة التي تتيح فرصة حقيقية لحل الأزمة الليبية عبر حوار شامل يضم جميع المكونات السياسية والمجتمعية.
 وأضاف أن الحوار سيسهم في تهيئة بيئة سياسية مناسبة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
خطوة صحيحة
 وفي السياق ذاته، أعلن رئيس حزب اليسار الديمقراطي، بنور القاضي، دعمه الكامل للحوار المهيكل، واصفًا إياه بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تجاوز المرحلة الحالية.
 وأشار القاضي في تصريح للرائد إلى أن التنوع السياسي والمجتمعي داخل الحوار من شأنه كسر دائرة الاحتكار السياسي والحد من تسلط الأطراف المتصدرة للمشهد.
الطريق الأمثل
 كما رحب التحالف الليبي لأحزاب التوافق الوطني بإطلاق الحوار، معتبرًا إياه استحقاقًا وطنيًا لمعالجة القضايا الجوهرية التي تعيق مسار الاستقرار وبناء الدولة الحديثة.
وأكد التحالف، في بيان له، أن نهج الحوار القائم على المشاركة الواسعة والتمثيل العادل هو الطريق الأمثل، مجددًا استعداده للانخراط الإيجابي والفاعل في هذا المسار.
لحظة تاريخية
 من جانبه، قال الأمين العام للحزب الديمقراطي، مصطفى البحباح، إن الليبيين يقفون أمام لحظة تاريخية حاسمة مع قرب انعقاد جلسات الحوار المهيكل.
وأوضح في منشور على “فيسبوك” أن التحدي الحقيقي لا يكمن في غياب الحلول، بل في غياب الثقة والإرادة السياسية وآلية التنفيذ المشتركة التي توحّد الجهود الداخلية والخارجية ضمن مشروع وطني واضح المعالم.
محاولة احتواء
في المقابل، نقلت صحيفة “العربي الجديد” أن خليفة حفتر يسابق المسار الأممي بعقد لقاءات مع القبائل الليبية في محاولة لاحتواء الحوار المهيكل.
 وأشارت الصحيفة إلى أن حفتر كثف لقاءاته خلال الأسابيع الأخيرة مع قادة قبليين من مختلف المناطق، في مدن مختارة ذات رمزية خاصة، حاملة شعارات تدعو إلى أن يكون الحل نابعًا من الإرادة الشعبية ومدعومًا بتوافق القبائل.
تحفظات
 من جانبه، أبدى عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي تحفظاته بشأن آليات ومعايير اختيار المشاركين في الحوار، مشيرًا إلى أن تكرار تجربة حوار جنيف مع توسيع محدود للدائرة السياسية لن يفضي إلى نتائج مختلفة، ما لم تُجرَ مراجعة شاملة لأسباب تعثر الحوارات السابقة.
وأكد العرفي، في تصريح للرائد، أن الأولوية يجب أن تُمنح لتوحيد المؤسسات السيادية مثل ديوان المحاسبة، وهيئة الرقابة الإدارية، وهيئة مكافحة الفساد، والمجلس الأعلى للحريات وحقوق الإنسان، باعتبار أن ذلك يمثل الأساس لأي تسوية سياسية مستقرة.
دعم دولي
 بدورها، كشفت نائبة رئيسة البعثة الأممية للشؤون السياسية، ستيفاني خوري، عن الملامح الرئيسية للحوار المهيكل، موضحة أن عملية اختيار المشاركين ستكون بتوازن لضمان تمثيل عادل.
وقالت خوري، في تصريح لقناة ليبيا الأحرار، إن توصيات الحوار المهيكل ستكون “غير ملزمة”، مشيرة إلى أن الأهمية القصوى تكمن في تحديد طرق تطبيق هذه التوصيات، لتجنّب الوصول إلى مخرجات تبقى حبرًا على ورق، لافتة إلى أن توصيات اللجنة الاستشارية السابقة لا تزال قائمة كجزء مهم من خارطة الطريق.  
وأكدت خوري أن الحوار المهيكل سيكون متزامنًا مع الحوار بين مجلسي النواب والدولة، الذي يتناول ملفات عالقة مثل تغيير مجلس إدارة مفوضية الانتخابات والمناصب السيادية وقوانين الانتخابات.
 ولفتت خوري إلى وجود دعم واضح من مجلس الأمن لخارطة الطريق، معتبرة أن تمديد ولاية البعثة الأممية لمدة عام آخر هو دليل ملموس على هذا الدعم الدولي للمسار الذي تقوده البعثة.
ومع تزايد الزخم السياسي وتعدد المواقف بين داعم ومتحفظ، يبقى الحوار المهيكل اختبارًا حقيقيًا لمدى جدية الأطراف الليبية وقدرتها على تجاوز الانقسام والعبور نحو تسوية شاملة.
 لكن يبقى السؤال المطروح:
 هل سيكون هذا الحوار خطوة فعلية نحو انتخابات طال انتظارها، أم محطة جديدة تُضاف إلى مسار التعثر السياسي في ليبيا؟
    
    
        المصدر:
        
             الرائد