تسير ليبيا بخطى متسارعة نحو ترسيخ موقعها كلاعب محوري في سوق الغاز الإقليمي والدولي، معززةً خطط تطوير قطاع الغاز بمشروعات بنية تحتية استراتيجية، وتعاون دولي متنامٍ يعكس تعافي ثقة شركات الطاقة الكبرى في السوق الليبي بعد سنوات من الجمود.
وتسعى طرابلس إلى تحقيق هدف مزدوج: تأمين إمدادات الغاز للاستهلاك المحلي المتزايد، وتوفير فائض للتصدير، خاصة نحو السوق الأوروبية التي تبحث عن بدائل دائمة للغاز الروسي. وتشير خريطة مشروعات الغاز العالمية –بحسب منصة “الطاقة” المتخصصة– إلى تبني ليبيا حزمة متكاملة من المشاريع تشمل التوسع في الحقول البحرية، تطوير وحدات المعالجة، دعم المصافي، وتعزيز إنتاج الكهرباء بالغاز.
في تحوّل نوعي، أعلنت ليبيا في وقت سابق من العام الحالي عن إطلاق أول مناقصة للاستكشاف منذ عام 2007، تغطي 22 منطقة استكشاف برية وبحرية. وجذبت المناقصة اهتمامًا واسعًا من 37 شركة عالمية من بينها عمالقة مثل “إكسون موبيل” و”شيفرون” الأميركيتين، و”توتال إنرجي” الفرنسية، و”إيني” الإيطالية، وهو ما يُعدّ مؤشراً حيوياً على تعافي قطاع الطاقة الليبي واستعادة جاذبيته الاستثمارية.
وسُجّل ارتفاع في الإنتاج المحلي بلغ 33 مليون قدم مكعبة يوميًا مع بدء تشغيل حقل بحر السلام البحري، حسب إعلان مؤسسة النفط الوطنية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
يُعد مشروع دعم ضغط الغاز في حقل بحر السلام أحد أهم المشاريع البحرية الجارية. ويهدف إلى تحسين كفاءة الضخ من خلال تركيب وحدات ضغط جديدة على منصة صبراتة، ما يسهم في استقرار الإمدادات لمحطات المعالجة.
وقد فازت مجموعة “أنتونيني” الإيطالية في سبتمبر 2023 بعقد تنفيذ المشروع بقيمة 217 مليون دولار، ومن المتوقع الانتهاء منه بحلول نهاية 2025 بعد فترة تنفيذ قدرت بـ27 شهرًا.
تواصل ليبيا تنفيذ أول مشروع تطوير ضخم للغاز منذ عام 2000، ويشمل تطوير حقلي “إيه” و”هـ” باستثمارات تُقدّر بـ8 مليارات دولار. ويتضمن المشروع تركيب منصتين بحريتين وحفر 31 بئرًا، بطاقة إنتاجية تصل إلى 750 مليون قدم مكعبة يوميًا، مع بدء التشغيل المتوقع في عام 2026.
ويقع الحقل “A” على عمق 105 أمتار، و”هـ” على عمق 235 مترًا. وقد تم توقيع اتفاق التطوير بين مؤسسة النفط الوطنية وشركة “إيني” الإيطالية في يناير 2023، كما حصلت شركة “سايبم” الإيطالية على عقود هندسة وإنشاء وتوريد في أغسطس وسبتمبر 2023، تشمل وحدات إنتاج تحت البحر وخطوط أنابيب بطول 28 كيلومترًا تربط المشروع بمجمع مليتة.
يعد هذا المشروع المرحلة المتقدمة من تطوير حقل البوري البحري، لاستغلال الغاز المصاحب لاستخراج النفط. وتقوده شركة “مليتة” الليبية-الإيطالية باستثمار قدره مليار دولار، ويهدف إلى تلبية الطلب المحلي وتوسيع الصادرات إلى أوروبا عبر منشآت متطورة للمعالجة والنقل.
تُعد مصفاة جنوب أوباري مشروعًا فريدًا من نوعه، إذ صُممت لمعالجة النفط وإنتاج مشتقات غازية مثل البروبان والبيوتان وغاز النفط المسال، بجانب الوقود التقليدي، وتُدار من قبل شركة “زلاف” التابعة لمؤسسة النفط الوطنية، وتقع في موقع استراتيجي بين حقل الشرارة ومحطة كهرباء أوباري، ما يدعم رؤية التكامل الطاقي في الجنوب الليبي.
في محاولة لتقليص الانبعاثات وتحسين كفاءة توليد الكهرباء، أطلقت شركة الخليج العربي للنفط (أجوكو) مشروعًا لاستغلال الغاز المصاحب في حقلي مسلة والسرير، وتحويله إلى وقود لمحطات توليد الكهرباء المحلية، وبحسب إعلان الشركة، أُنجز 96% من المشروع بحلول أواخر يونيو/حزيران 2025، ويُنتظر استكماله خلال يوليو الجاري.
رغم التحديات الأمنية والسياسية التي كبّلت قطاع الطاقة منذ عام 2011، تستثمر ليبيا زخم العودة الدولية إليها لاستعادة مكانتها كأحد أهم مزودي الغاز في البحر المتوسط، وتكمن أهمية المشاريع الجارية ليس فقط في عوائدها الاقتصادية، بل أيضًا في تعزيز دور ليبيا كمورد موثوق للطاقة لأوروبا، في لحظة يمر فيها الأمن الطاقي العالمي بتقلبات حادة، وإذا استمرت خطط التطوير بوتيرتها الحالية، فمن المرجح أن تشهد ليبيا نقلة نوعية في حجم إنتاج الغاز ومكانتها على خريطة التصدير العالمية خلال السنوات القليلة المقبلة.